بقلم \ المفكر العربى الدكتورخالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لا شك فيه أن التعليم المفتاح الرئيسي لارتقاء الأمم، ولن تتحقق أي نهضة لأي أمة بدون تعليم حقيقي يواكب متطلبات العصر واحتياجاته الفعلية، والعملية التعليمية تقوم على ثلاثة أركان رئيسية هي: " المعلم ـ التلميذ ـ المنهج" لا يمكن للعملية التعلمية أن تتطور بدون هذه الأثافي الثلاث.
وفي الحقيقية إذا أردنا أن نبدأ بواحد منهم دون الآخر فلن يكون أمامنا خياراً سوى البدء بالمعلم؛ لأنه هو الركيزة الأساسية التي نستطيع من خلالها تطوير الركنين الآخرين، فالمعلم الماهر، يستطيع أن يصنع منهجاً متميزاً، مع العلم أن المقصود بالمنهج هو المقرر الدراسي ومجموعة الأنشطة التي يمارسها الطالب داخل الفصل وخارجه، وبذلك يقدم المعلم للمجتمع مواطناً صالحاً، متمثلاً في التلميذ القادر على التفكير والإبداع لا التلقين والتقليد، دون إغفال التربية السلوكية والخلقية التي لا بد أن تصطحب التلميذ والمعلم في جميع سلوكياتهما على حد سواء.
ومن هنا ندرك الرسالة السامية للمعلم والقيم الراقية للتعليم، فصناعة الأجيال وصياغة العقول وتربية السلوك هي المهنة الأولى للأنبياء والمرسلين، يقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: (( إنما بعثت معلماً))، فإن كانت المهن المختلفة تخدم البشرية عبر تقديم سبل الراحة للإنسان، فإن مهنة التعليم تخدم البشرية عبر تقديم إنسان صالح، يقدم الخير ويمنع الشر.
بيد أنه للأسف في الآونة الأخيرة واجهت هذه المهنة كثيراً من الازدراء، إلى أن وصل إلى الاعتداء النفسي والبدني على المعلمين، في جميع المراحل الدراسية وفي جميع المناطق المدنية والريفية، مما يعد إنذاراً خطيراً يهدد مستقبل الوطن والأمة، وقد يساهم بشكل مباشر إلى سقوط المجتمع إلى الهاوية، مادياً ومعنوياً.
في حين يجد المعلم كرامته قد أهدرت، ومهنته قد احتقرت، فإن نفسيته لن تسمح له بالأداء أو الإبداع، مما يعني إخراج منتج (تلميذ) غير قادر على الأداء أو الإبداع في آن، وبالتالي فإن التنمية البشرية تتراجع ويتراجع معها كل أنواع التنمية الأخرى.
ولأداء المعلم رسالته السامية يتحتم علينا أن نستعيد له مكانته الاجتماعية والتي أرى أن المعلم مسئولاً عنها مسئولية تضامنية وأولية، ومن نافلة القول أن نؤكد على ضرورة توفير مستوى مادي مناسب، ولا يجانبني الصواب إن قلت مستوى من الرفاهية، فالضغوط المادية والاحتياجات الحياتية تؤثر سلباً على المعلم مهنياً وسلوكياً.
ومن المسئولية التضامنية للمعلم والأولية أن يترفع عن الابتزاز المادي من التلاميذ أو أولياء الأمور فلا يسمح لنفسه مهما كان الدافع أن يَمد يديه ليحصل على أجره من تلميذ أو ولي أمر، أو يحمل حقيبته فيطرق بابهما، عارضا نفسه سلعة يساوم عليها.
ولكي نوقف نزيف الأفعال الشاذة والمواقف النشاز التي قد تصدر عن بعض من امتهن مهنة التعليم، فوصمها بما ليس فيها يجب علينا أن يجتاوز المتقدمون لمهنة التدريس اختبارات نفسية تؤكد سلامتهم النفسية والبدنية من كل ما يشين أو يعوق هذه الرسالة السامية والأمانة النقية، مما يضمن لنا انعدام وقوع مخالفات خلقية أو مخلة بالشرف، لا يحق أن تصدر من أي شخص سوي فضلاً عن معلم صاحب أمانة.
نحن في حاجة حقيقية إلى أن تكون هناك شروط حازمة وجازمة لمن يرغب في أن يسلك السلك التعليمي، فالتعليم ليس أقل شأناً من سلك القضاء أو السلك الدبلوماسي، بل هو البوتقة التي منها يخرجان.
إرسال تعليق