بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لا شك فيه أن من أشد الأمور فتكاً بالدعوة أن تصاب من الداخل سواء بضعف الصف أو بتقطع شبكة العلاقات الاجتماعية فيما بين أفرادها، كالتدابر والتحاسد والتغالب على المناصب، وقد تكون هذه الأمور واضحة لا يقع فيها كثير من المخلصين، ولكن هناك أمور أخفى من ذلك تستحق التأمل والوقوف عندها طويلاً، ذلك عندما يكون الوعي الاجتماعي ضعيفاً، ولا نعلم: كيف نتحاور، كيف يرد بعضنا على بعض، كيف يحترم الكبير، تأجيل موضوع إذا استغلق حتى لا يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، كيفية المعاتبة والنصح… الى آخره.
وقد يكون السبب عدم اهتمامنا بهذه النواحي أصلاً؛ لأن الاهتمام منصب على العلم والفكر، مع أن قضية العلاقات الأخوية بحاجة إلى هندسة خاصة، نحتاج إلى معرفة النفسيات والطباع، ومعاملة كل أخ حسب ما يناسبه، فلا نستطيع أن نطبع البشر بطابع واحد، أو نصبهم في قوالب جامدة، فالرجال أنواع، فهناك البسيط المنفتح وهناك الانطوائي الاجتماعي، ومن يحب العزلة، والجريء والخجول.
ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو القدوة في ذلك، كيف كان يعامل أصحابه مع اختلاف طبائعهم وأمزجتهم، كان أبو بكر هيناً ليناً وكان عمر شديداً، وعثمان حيياً، ويبدو أن شخصية علي لم تفهم من بعض الصحابة فقد جاء في السيرة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سأل الزبير بن العوام عن حبه لعلي فقال الزبير: كيف لا أحبه وهو ابن خالي وعلى ديني، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((ستقاتله وأنت له ظالم)) وأظن أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أراد أن ينبه الزبير وغيره إلى جوانب من شخصية علي قد تفهم على غير مرادها.
ويبدو أن الزبير -رضي الله عنه- نسي هذا الحديث، فعندما ذكّره به علي في معركة الجمل تذكر وترك القتال فوراً، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعرف نفسية علي التي أخطأ فهمها بعض الصحابة، والآن تجد الأخ يظن ويعتقد أن في أخيه صفة غير محمودة، ويعامله على هذا الأساس لسنوات وأخوه لا يعلم بهذا، ولا هو يحاول أن يسأله أو يستفسر منه حتى يتأكد، هل هذه الصفة فيه؟ فيقع في الظلم، ثم قد يتبين له الحق ولكن بعد أن تصاب العلاقات الأخوية بالشلل.
إنها مصيبة أن يحدث هذا مع حسن النوايا، وذلك كله بسبب الاطلاع النظري والعيش مع الكتب دون معرفة الواقع والتعامل معه، فقد يكون الرجل صامتاً أو مداعباً ممازحاً، فيخوض الناس فيه وهو لا يدري.
لماذا لا نستفيد من السيرة النبوية؟ ولماذا لا نفكر في واقعنا ونحاول التعرف عل أسباب الخلل وهي كثيرة مع الأسف؟
إرسال تعليق