بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي, ورئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
يقصد بالتَّربية الجنسيَّة: إمداد الفرْد بالمعلومات العلميَّة، والخبرات الصحيحة، والاتِّجاهات السليمة، إزاء المسائل الجنسيَّة، بقدر ما يسمح به النموّ الجسمي الفسيولوجي والعقْلي الانفِعالي والاجتِماعي، وفي إطار التَّعاليم الدينيَّة والمعايير الاجتِماعيَّة والقيم الأخلاقيَّة السَّائدة في المجتمع؛ ممَّا يؤدّي إلى حسن توافُقه في المواقف الجنسيَّة، ومواجهة مشكلاتِه الجنسيَّة مواجهةً واقعيَّة، تؤدّي إلى الصحَّة النفسيَّة"[1].
فالتَّربية الجنسيَّة بِهذا المعنى لا يقصد بها تعْليم الجنس؛ بل توجيه كلا الجِنْسَين من منظور ديني وأخلاقي نحوَ المسائل الجنسيَّة، والتغيُّرات الجسميَّة التي يتفاجأ بها أبناؤها على حين غفلة، والابتعاد عن التعلُّم الاعتباطي الكيْفي عن طريق أحد أصدِقاء السّوء، أو عن طريق التَّجارب الخاطِئة التي يقع فيها أوْلادنا عندما نبتعِد عنهم.
متى تبدأ التربية الجنسية؟
مراحل هذه التَّربية والتدرُّج فيها:
كنتُ في السَّابق ممَّن يُعارضون بدْء عمليَّة التَّربية في الصِّغر؛ لكنَّ الانتِشار الرَّهيب لنوادي الإنترنت الَّتي تَحتضِن الصَّغير قبل الكبير، يَجعل تزْويد الطِّفْل بِجرعات على قدْر فهمه أفضل.
وقد ذهب البعض مذهبًا بعيدًا في التَّربية الجنسيَّة بِحيث اعتبروها تبدأ منذ الولادة - اعتِقادًا منهم أنَّ لهم قصب السَّبق في ذلك - غير أنَّ الحقيقة التي تقضّ مضاجعهم أنَّ الإسلام هو السبَّاق إلى ذلك؛ إذِ اعتنى بالطّفل منذ الولادة فجعل خِتانه من خصال الفِطْرة، ومن سُنن الهدي النبوي، بل الغريب في ذلك أنَّ الغرْب توصَّل إلى أهميَّة الختان في مقاومة الأمراض والتعفُّنات التي يُمكن أن تُصيب الرَّجُل والمرأة على حدٍّ سواء في الصَّحيحين عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الفطرة خمس: الخِتان، والاستِحْداد، وقصّ الشَّارب وتقليم الأظافر، ونتْف الإبط)).
المرْحلة الأولى: ما بين سنّ (7 - 10 سنوات) وهي مرحلة ابتدائيَّة، وذلك بتعليم الصِّبيان ومَن هم قبل البلوغ الأحْكام - خاصَّة العمليَّة - وتدريبهم عليها، سواء الصَّلاة والوضوء لها، ونواقِض الوضوء وأحكام الطَّهارة، وكذلِك الصَّوم ... إلخ، طبعًا الطَّهارة والوضوء يترتَّب عليْه بيان نواقضِه، ووسائل رفع الحدث.
ثمَّ التفريق في المضاجع؛ يقول الرَّسولُ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((وفرِّقوا بيْنهم في المضاجِع))؛ رواه أبو داود في سُنَنه.
ويتعلَّم فيها الأبناء آدابَ الاستِئْذان؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاء ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور: 58].
وغضُّ البصر وبِحيث يحرم النَّظر إلى غير المحارم، في قوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30]، فإذا وجد الطِّفل البيئة الصَّالحة التي تعامله منذ ولادَتِه معاملة صحيحة، فإنَّه ينمو صحيحًا، أمَّا إذا شبَّ الطِّفل في أسرة لا تسمح بالنموّ الجنسي السَّليم، فإنَّ المشكلات الجنسيَّة تبدأ في الظّهور وتتراكم حتَّى تعبِّر عن نفسها في مرحلة المراهقة، وتظهر الانحرافات الجنسيَّة، ولله درّ الشَّاعر إذ يقول:
لَـيْـسَ الـيَـتِـيـمُ مَـنِ انْـتَـهَـى أَبَـوَاهُ مِـنْ هَــمِّ الـحَـيَــاةِ وَخَـلَّـفَــاهُ ذَلِــيــلا
إِنَّ الـيَـتِـيـمَ هُـوَ الَّــذِي تَـلْـقَــى لَــهُ أُمًّــا تَـخَـلَّــتْ أَوْ أَبًـــا مَـشْــغُــولا
المرحلة الثانية: ما بين سنّ (10 - 18) يتمّ استِحْضار المقدمات السابقة بشكل دائم، وشرح ما يطرأ على المراهق والمراهقة من تغيُّرات فسيولوجية، وفي هذه المرْحلة لا بدَّ من تضافُر مجهودات الآباء والمدرِّسين في توصيل المعلومات الصَّحيحة إلى الابْن المراهق، وفكّ كلّ لُغز مُحير لديْه وبضوابطَ شرعيَّة صحيحة، ههُنا يكون من الأجْدى وضْع مادَّة دراسيَّة في هذه المرحلة لتبْصير الطَّالب، وتَحذيره في الآن نفسه من مغبَّة اتّباع مسلكيَّات مخالفة للشَّرع الحنيف، من قبيل ما نهى عنْه الله - عزَّ وجلَّ - الاقتِراب من الزِّنا في قوله: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [الإسراء: 32].
إذًا؛ فالتَّربية الإسلاميَّة للمُراهقين فيما يتعلَّق بقضيَّة الشَّهوة الجنسيَّة هي سدُّ كلّ الذَّرائع التي تهيِّج الشَّهوة في غير محلِّها، فتصيب الشابّ والشَّابَّة باضطراب وآلام نفسيَّة وصرْف هذه الطَّاقة إلى أهداف أُخْرى، والتَّسامي على ذلك إلى حينه، وعند توفُّر الظُّروف المناسبة نشجِّعهم على الزَّواج، وأضِف إلى ذلك: على المراهق أن يتذكَّر دائمًا أنَّ له محارم يَجب أن يراعيَ الله فيهم؛ وفقًا لما جاء في الحديث النبويّ الشَّريف، عندما جاء شابٌّ إلى النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فقال: يا رسولَ الله: أتأذن لي بالزّنا؟ فهاج القومُ وماجوا، فقال الرَّسولُ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((دعوه، أقبل يا ابن أخي))، فأجلسه بجواره ثمَّ قال له: ((أترْضاه لأمِّك؟)) فقال: لا يا رسول الله، قال: ((فكذلِك النَّاس لا يرضونَه لأمَّهاتِهم))، وكرَّر عليه عددًا من الأقرباء، ثمَّ مسح على صدرِه ودعا له.
وتنمية العفَّة والطَّهارة لدى الفرْد؛ {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النور: 33].
المرحلة الثَّالثة: 18 سنة فما فوق، هُنا يظهر دوْر الآباء العُلماء الوعَّاظ في شرْح معنى الزَّواج والعلاقات الجنسيَّة[2] بصفة شمولية؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضِي الله عنهما - قالَ: جاءَ عُمَرُ إلى رَسُولِ اللَّه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكْتُ، قالَ: ((وما أهْلَكَكَ؟)) قَالَ: حَوَّلْتُ[3] رَحْلي[4] اللَّيْلةَ، قالَ: فلم يَرُدَّ عَلَيْهِ رَسولُ اللَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - شَيْئًا، قالَ: فأنْزَلَ اللَّهُ على رَسُولِ اللَّه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - هذِه الآيَة: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، ((أقْبِلْ وأدْبِرْ واتَّقِ الدُّبُرَ والحيضَة))[5]، إلى آخر هذه العبارات المغلَّفة بغلاف الأدب والوقار.
وبيان حاجة الكوْن إليه للحفاظ على النسل، وواجبات الزَّوج نحو زوْجته، وواجبات الزَّوجة نحو زوجها، ولا ننسَى دَوْر الأطبَّاء في القيام بالدَّورات التحسيسيَّة في المجال الصحّي - العلمي للحدّ من خطورة الأمراض النَّاجمة عن العلاقات الجنسيَّة في إطار الزَّواج وخارجه.
إذًا؛ المقصود من التربية الجنسيَّة هو تعليم الولد أو البنت وتوْعية كلٍّ منهُما ومصارحته، منذ أن يعقِل بالقضايا التي تتعلَّق بالجنس، وترتبِط بالغريزة، وتتَّصل بالزَّواج، حتَّى إذا شبَّ الولد، وتفهَّم أمور الحياة، عرف ما يحلُّ وما يحرم، وأصبح السّلوك الإسلامي المتميّز خُلقًا له وعادة، فلا يجري وراء الشَّهوة، ولا يتخبَّط في طريق تحلّل، وتلك مسؤوليَّة الآباء والأمَّهات ووسائل التَّنشئة الاجتِماعيَّة، فالأب يتكلَّم مع ابنه، والأمّ مع ابنتِها، ومؤسَّسات التنشئة توفّر جوًّا من الطهر والعفاف، ينشأ فيه الجيل المسلم بعيدًا عن مثيرات التَّشويش والإثارة، وقد صـرَّح الشَّرع بهذه المسؤولية لمؤسَّسة الأسرة والدَّولة وسائر أفراد المجتمع المدني؛ فعَنِ ابْنِ عُمَر - رضي الله عنهما - عَنِ النَّبِىِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قالَ: ((كُلُّكُم راعٍ، وكُلُّكُم مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِه، والأمِيرُ راعٍ، والرَّجُلُ راعٍ على أهْلِ بَيْتِه، والمَرْأةُ راعِيةٌ على بَيْتِ زَوْجِها ووَلَدِه، فكُلُّكُم رَاعٍ وكُلُّكُم مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه))[6].
الموقف الشَّرعي من العلاقة بين التَّربية الجنسيَّة والعلاقات الجنسيَّة:
يقول الدكتور موريس بوكاي في كتابه الشَّهير "القُرآن الكريم والتَّوراة والإنجيل والعِلْم"، الَّذي خصّص مبحثًا تحت عنوان: القُرآن والتَّربية الجنسيَّة، أكَّد فيه أنَّه مُنذ أربعةَ عشرَ قرنًا نزل في القُرآن حشدٌ من التَّفاصيل عن الحياة العمليَّة، وفيما يختصّ بالسّلوك الَّذي يجب أن يتَّبعه النَّاس في عديد من ظروف حياتِهم، ولم يستبعِد القرآن الحياة الجنسيَّة.
وفي إطار تقْديم أمثلة على ذلك يقول: "تُشير عبارات قرآنيَّة إلى سلوك الرِّجال في علاقتِهم الأثيرة مع نسائِهم في ظروف متنوّعة"، فيذكر من ذلك السّلوك اللازم في مدَّة الحيض[7] كما تُشير إلى ذلك الآيتان (222 و 223) من سورة البقرة: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ * نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ} [البقرة: 222، 223].
فالإسلام يعطي توجيهاتٍ عمليةً مفيدة في جَميع شؤون الحياة بما في ذلك العلاقات الجنسية البشرية؛ فالزَّواج هو القناة الوحيدة التي يُسمح فيها بالعلاقة الجنسية بين الجنسين، ووصَفَ الزَّوجين وشبَّه كلاًّ منهما بأنَّه لباس للآخر؛ يقول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [البقرة: 187].
والعلاقات الجنسيَّة مُحرَّمة تَمامًا خارج إطار عقد الزوجيَّة، وتستوْجِب عقوبة دنيويَّة وعقوبة أخرويَّة.
وبذلك تنصُّ الشَّريعة الإسلاميَّة على عقوبات شديدة ضدَّ جرائم الجِنْس؛ كالزِّنا واللِّواط، والاغتِصاب والشذوذ؛ لإيجاد المجتمع الآمِن والسليم الخالي من الأمراض؛ يقول الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ المُؤْمِنِينَ} [النور: 2].
ففي مؤتَمر عالمي لمكافحة الجريمة عُقِد سابقًا في مدينة الرّياض بالسعوديَّة، قام رئيس وفد إحْدى الدُّول المتقدِّمة حضاريًّا، فصار يعدِّد الجرائم عندهم بالملايين في السَّنة الواحدة، وكذلك أعدادها في الدَّقائق والثَّواني، ولمَّا جلس قام رئيس الوفد في البلد المضيف، فذكَر ثلاثَ حالاتٍ من جرائم القتْل، وحوالَي عشْر حالات من السَّرقة، مع غياب الجرائم الأخرى - كالاغتصاب - هنا اعترضَ المتكلِّم سائلاً بعجب: ما الذي جعل الجرائم عندكم نادرة هكذا؟ فكان جواب المتكلِّم الثاني: القوانين عندنا ليست من صنع الإنسان بل إنَّها آتية من فوق - from Above - وهذه هي ثمراتها، أمَّا قوانينُكم فهي من صنعكم، وهذا هو الفرْق بيننا"[8].
الأسس والضوابِط الشَّرعيَّة للتَّربية الجنسيَّة:
لقد وضع الإسلام أُسسًا وضوابطَ لِصيانة الفرْد والمجتمع على حدٍّ سواء، وسنَّ الأحكام الَّتي تبعد المرْء عن الانحراف، فحرَّم الاختِلاط، وفرَض الحجاب، ودعا إلى غضِّ البصر، ومن هذه الضَّوابط:
1- ضبط الوسائل الحديثة: فالقنوات الفضائيَّة[9] والإنترنت، أو شبكة المعلومات العالميَّة - أحدث وسائل الاتِّصال التي دخلت على الأسرة في الفترة الأخيرة، وهي وإن كان لها إيجابيَّات عديدة، إلاَّ أنَّ سلبيَّاتِها طغت على إيجابيَّاتها؛ من خِلال عدم حسن تعامُل أفراد الأسرة مع هذه الخِدْمة، خصوصًا كثيرًا من الأزْواج والأبناء، حيث ظهر ما عُرِف بإدمان الإنترنت، حيث يقضي الكثيرُ منهم جلَّ وقته بعد العمل أو المدْرسة أمام جهاز الحاسب، مُبحِرًا في عوالم هذه الشَّبكة[10].
بل الخطير أنْ تحوَّلت إلى نافذة من النَّوافذ التي فتحت عيون المسلمين وعيونَ أبنائهم على طوفان الفساد والإفساد، والإباحيَّة في الأفلام الدَّاعرة، والعلاقات الآثِمة والإثارة الرَّخيصة، وقد عمَّت هذه البلوى وطمَّت وانتشرتْ، وبِها أصبح ما يسمّونه باسم "فنّ التمثيل" أداة ووسيلة لنشْر الفسق والفجور، وإشاعة الفحْش والتَّفحُّش، تربية للأجيال المسلِمة على معاني الأسوة السيِّئة المتمثِّلة في الممثِّلين والممثِّلات، الذين يقودون الأمَّة والنَّشء - وبإصرار واجتهاد - إلى الهلاك[11]، ورحم الله الشَّاعر إذْ يقول:
وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الفِتْيَانِ مِنَّا عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ
2- البعد عن وسائل الإثارة: على الوالدَين والقائمين على تربية المراهقين تَجْنيبهم كلَّ ما يؤدِّي إلى الإثارة، ومن ذلك مراقبتُهم عند استعمال شبكة الإنترنت والفضائيَّات، وتوْجيههم إلى قراءة كلِّ مادَّة معرفيَّة تُرشدهم إلى ما هو أصْوب، خاصَّة الاشتغال بكتاب الله ومدارسة العلوم الدنيويَّة النَّافعة للأمَّة، بدل الإغراق في قراءة القصص الخليعة، والأفلام الخارجة عن حدود الأدب، والمجلاَّت التي تنشر الصّور المثيرة في النَّوادي والشَّواطئ تَحت اسم التمدّن والتحضُّر والحداثة والانفتاح!
3- لبس الحجاب بالنسبة للفتيات: فهو صوْن للفتاة من الأذيَّة والتحرُّش الجنسي، ووقاية للشَّاب من الفِتنة[12]؛ قال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((ما تركتُ بعدي فتنةً أضرَّ على الرِّجال مِن النِّساء)).
4- منْع الخلوة والاختِلاط بين الرَّجُل والمرأة: ولقد حرَّم الإسلام الدّخول على النّساء غير المحارم؛ لسدّ الذَّرائع والفتنة ونزغات الشَّيطان؛ فعن عُمر - رضي الله عنْه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لا يَخلونَّ أحدُكم بامرأةٍ، فإنَّ الشَّيطان ثالثهما))؛ رواه أحمد ج1/ 18.
5- غضّ البصر: هو أدب نفسي رفيع، ومُحاولة للاستِعلاء على الرَّغبة في الاطِّلاع على المحاسن والمفاتِن، كما أنَّ فيه إغْلاقًا للنَّافذة الأولى من نوافِذ الفِتْنة والغَواية، ومُحاولة عمليَّة للحيلولة دون وصول السَّهم المسموم"[13].
فقد جاء عن رسولِ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أنَّه قال: ((النَّظرة سهْم من سهام إبليس مسموم، مَن تركه مخافتي، أبدلتُه إيمانًا يَجد حلاوتَه في قلبه))؛ أخرجه الطَّبراني بسنده عن عبدالله بن مسعود - رضِي الله عنه.
ولله درُّ الشَّاعِر إذْ يقول:
كُـلُّ الـحَـوَادِثِ مَـبْـدَاهَــا مِــنَ الـنَّـظَــرِ وَمُـعْـظَـمُ الـنَّـارِ مِـنْ مُـسْـتَـصْـغَـرِ الـشَّـرَرِ
6- الزَّواج المبكِّر: وهنا يَظهر - بشكل كبير - دوْر الأسرة والدَّولة في تَحصين الشَّباب، وللأسَف فالإحصاءات تُشير إلى عزوف وتأخُّر في نِسَب الزَّواج في بعض البلدان العربيَّة بشكل غير مرغوب فيه، والزَّواج المبكِّر هو أحسن وسيلةٍ للتخلُّص من الفاحشة لِمن تيسَّرت له سبُل الزَّواج؛ تَحقيقًا لقولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا معشر الشَّباب، مَنِ استطاع منكُم الباءة فليتزوَّج، فإنَّه أغضُّ للبَصر وأحصن للفرْج، ومَن لم يستطع فعليه بالصَّوم؛ فإنه له وجاء))؛ أخرجه البُخاري ومسلم.
من الآدابِ الأُخْرى: التقيُّد بآداب الإسلام، الابتِعاد والتورُّع عن الوقوع فيما حرَّم الله، والموفَّق مَن وفَّقه الله.
صراحةً الموْضوع طويلٌ ومتشعِّب المحاور، لكن في الإشارة ما يُغْنِي عن العِبارة، وما لا يُدْرَك كلّه، لا يُتْرَك جلُّه، ورحِم الله الشَّاعر إذ يقول:
الـعَـبْـدُ يُـقْـرَعُ بِـالـعَـصَـا وَالـحُـرُّ تَـكْـفِـيـهِ الإِشَـارَهْ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] السيد أحمد المخزنجي، التَّأصيل التربوي للأبناء، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ص: 123.
[2] للتوسّع في الموضوع بكل تفاصيله، الرجوع إلى كتاب: تحفة العروس لمجدي محمد الشهادي وعزيز أحمد العطار.
[3] كناية عن الإتيان في القبل من الخلف.
[4] كناية عن الزوجة.
[5] سنن الترمذي - كتاب تفسير القرآن - باب: ومن سورة البقرة - حديث رقم 3247.
[6] صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب المرأة راعية في بيت زوجها، حديث رقم 5200.
[7] يقول الدكتور محيي الدين طالو العلبي: يَجب الامتِناع عَن جِماع المرْأة الحائض؛ لأنَّ جِماعَها يؤدِّي إلى اشتِداد النَّزف الطمْثي؛ لأنَّ عروق الرَّحم تكون محتقنة وسهْلة التمزُّق وسريعة العطب، كما أنَّ جِدار المهبل سهْل الخدش، وتصْبح إمكانيَّة حدوث الالتِهابات كبيرة ممَّا يؤدِّي إلى التِهاب الرَّحِم أيضًا أو يَحدث التِهاب في عضْو الرَّجُل بسبب الخدوش التي تَحصل أثناء الانتِصاب والاحتِكاك، كما أنَّ جِماع الحائض يسبِّب اشمِئْزازًا لدى الرَّجُل وزوجه على السَّواء بسبب وجود الدَّم ورائحته، وبالتَّالي قد يؤثِّر على الزَّوج فيُصاب بالبرود الجِنْسي (العنَّة).
وجماع النُّفَساء له نفس أضرار الحائض، يُضاف له عدم شعور كلٍّ من الزَّوجَين باللَّذَّة بسبب تمدُّد جوف المهبل خلال الولادة، ويسبِّب الآلام خلال الجماع، والتي تنجُم عن تنبيه تقلُّص الرحم وآلامها.
[8] د.عبدالقادر حبيطي: حجابها صون وتكريم، مجلة الوعي الإسلامي، العدد 511، ربيع الأوَّل 1429، مارس 2008، ص: 71.
[9] فالإعلام الذي يُلاحق الجسد بالإبراز والإشهار، وعمليات "القصف الجنسي" التي تلاحق الرَّجُل في كلّ مكان؛ إذ يستحيل أن يسير الإنسانُ المعاصر اليوم في الشَّارع أو يفتح جهاز التِّلْفاز أو المجلَّة، دون أن تلاحِقَه عشراتٌ من المشاهد والصُّور التي تعرض الجسَد العاري - تكون في غِياب الحصانة الدينيَّة والامتِثال للأمر الإلهي، بغضّ البَصَر والتعفُّف من لدُن الرِّجال سببًا في معاناة تنعكِس آثارها السلبيَّة على الحياة الزَّوجيَّة الخاصَّة، نتيجة المقارنة بين ذلك النَّموذج المؤسّسي وبين شريكتِه في العلاقة الزَّوجيَّة.
[10] وفي السنوات الأخيرة قام عددٌ من الباحثين الأمريكيِّين kraut ،1998; Brenner ،1997; Young 1996 ،1999) [Eggar ،1999] بدراسات على مستخدِمي الإنترنت، كان من أبْرز نتائِجها تناقص التَّواصُل الأسري بين أفراد الأسرة، تضاؤُل شعور الفرد بالمساندة الاجتِماعيَّة من جانب المقرَّبين له، وتناقُص المؤشرات الدالَّة على التَّوافق النفسي والصّحَّة النفسيَّة، وهذه نتائج يتوقَّع أن ينتج عنها خلافات وتفكّك داخل الأسر التي تعاني من إسراف بعض أفرادِها في استخدام شبكة الإنترنت.
[11] مجدي محمد الشهادي وعزيز أحمد العطار: تحفة العروس، المكتبة التوفيقية، بدون تاريخ: ص: 206، بتصرف يسير.
[12] خاصَّة في هذا العصر الذي يعرِف سيطرة الصّورة، ومدى ترْسيخها في ذهنيَّة المتلقِّي، فلم تعُد عصمة النِّساء - اللائي لم يتربين تربية إسلاميَّة - في أيْدي أزواجهنَّ، بل في أيدي صانعي الأزْياء في باريس من اليهود وصانعي الفجور في العالم.
[13] سيد قطب: في ظلال القرآن (2/ 25).
إرسال تعليق