بقلم المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
لا شك أن استقرار أي دولة إنما يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحفاظ على أمنها القومي، بل بمدى حرص كل فرد من أفرادها على مستوى هذا الأمن، وعدم المساس به، ولاسيما من كان في موضع اتخاذ القرار، وعلى وجه أخص القرارات التي تتصل بالتعامل مع العالم الخارجي، أو تؤثر في هذا التعامل .
وإذا كان الأمن القومي لأي دولة مستقلة ذات سيادة خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه أو التسامح تجاهه فإن الحفاظ على عدم المساس بهذا الخط أو السماح بتجاوزه يقتضي وعيًا وثقافة وتثقيفًا مستمرًا وعلميًا ومنهجيًا بمفهوم الأمن القومي، وأستطيع أن أقول: إن عقد دورات مكثفة في ذلك لكل من يتولى موقعًا أو منصبًا قياديًا بات أمرًا ضروريًا شديد الإلحاح، إذ لا تكفي المهارات الفنية أو التقنية أو الإدارية في تكوين رؤية شاملة تؤدي إلى الاتجاه والمسار الصحيح، ما لم تكن هناك رؤية أبعد ونظرة أشمل لأثر أي قرار يتخذ على الأمن القومي العام .
وقد لا يخطر ببال بعض الناس أن ما يتخذه من قرارات أو ما يقوم به من تصرفات أو ما يقيمه من علاقات يمكن أن يكون ذا أثر في الأمن القومي، وقد لا يكون ذلك عن سوء قصد، وإنما لعدم الإلمام بمعطيات الأمن القومي، أو لأن هذه المعطيات غير حاضرة في شعوره بالقدر الكافي، على أن المرحلة والظروف التي تمر بها البلاد والمنطقة والعالم تحتاج من المواطن العادي فضلاً عن المسئول أو متخذ القرار أن يكون على اعلي درجة من الوعي بالأمن القومي لبلاده، سواء في اتخاذ القرارات، أم في إقامة العلاقات، أم في عقد الاتفاقيات والبروتوكولات .
وإذا كان مستوى الوعي بأهمية وخطورة كل ما يتصل بالأمن القومي متفاوتًا بين شخص وآخر لاعتبارات كثيرة من أهمها: الثقافة، والحرص على المصلحة الوطنية، وحمل هم الوطن، وجعل المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار، فإن الأمر يقتضي المزيد من التثقيف والتوعية بمفهوم الأمن القومي ، من خلال الدورات التدريبية المكثفة لكل من يتولى عملاً قياديًا .والتوعية بمفهوم الأمن القومي وضرورة الحفاظ عليه من السياسيين والمفكرين والكتاب والمثقفين ووسائل الإعلام، وبخاصة من يمتلكون الرؤية الثاقبة والوعي الناضج بمفهوم هذا الأمن، واعتبار ذلك أحد أهم عوامل استقرار البلاد. وضرورة التنسيق المسبق مع الجهات المختصة بذلك قبل عقد أي اتفاقيات أو بروتوكولات مع أي جهة خارجية، تحسبًا لأي اختراق أو تأثير على مصالحنا القومية، حتى لو كان ذلك عن غير قصد .
مع التأكيد على أن مفهوم الأمن القومي لأي بلد يقتضي الإلمام بالأحوال السياسية الداخلية والخارجية، الإقليمية والدولية، فعمقنا العربي، وعمقنا الأفريقي، وعالمنا الإسلامي، وعلاقتنا الدولية، كل ذلك يجب وضعه في الاعتبار عند اتخاذ القرارات الهامة والحيوية، ودراسة مدى تأثيرها على هذه العلاقات، ومردودها الإيجابي أو السلبي على كل منها، مع دراسة الأولويات، ومعرفة مواطن الثقل وهوامش الحركة في كل اتجاه .
ولا شك أن العلاقات السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والثقافية، والفنية، والإعلامية إنما يرتد أثر بعضها على الآخر، إذ لم يعد ممكنا فصل أي منها عن الآخر فصلا باتًا، بحيث تتحرك كل مؤسسة وكأنه عالم خاص، إنما ينبغي أن يكون تصرف كل مؤسسة ناظرًا بعين اعتبار قوية على أثر تصرفه على المؤسسات الوطنية الأخرى، ولا شك أن هذا الأمر يقتضي حسًا وطنيًا عاليًا، ودربة وخبرة كبيرة، وأن نعمل جميعًا بروح الفريق، وأن ننطلق من قاعدة: " عموم الفهم وخصوصية التكاليف "، بأن يكون كل مسئول على مستوى مسئوليته الكاملة بالمهام المسندة إليه واختصاصه بها وعلى مستوى عال من الفهم والوعي بعمل الفريق الذي يعمل معه، ومقتضيات اتخاذ القرار في المؤسسة التي ينتمي إليها.
مع التأكيد على أن الدول لا تستقر بمجرد النوايا الحسنة دون الوعي والتخطيط واليقظة، في عالم من لم يتذأب فيه أكلته الذئاب ، وقد كان سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول : " لست بالخب ولكن الخب لا يخدعني "، وكان المغيرة بن شعبة يقول: " لولا الإسلام لمكرت مكرًا لا تطيقه جزيرة العرب " ، فلا بد مع النية الحسنة من صحة العمل وإتقانه ، يقول الحق سبحانه : " قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا "، ولذا أكد القرآن الكريم على شرطي الأمانة والكفاءة، إذ لا تكفي إحداهما عن الأخرى، وذلك حيث يقول سبحانه على لسان ابنة شعيب (عليه السلام) :" يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ "، وحيث يقول (عز وجل) على لسان يوسف (عليه السلام): "اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ.
إرسال تعليق