مقتطفات من خطبة الجمعة بالمسجد الحرام

مقتطفات من خطبة الجمعة بالمسجد الحرام



زهير بن جمعه الغزال 
معالي الشيخ الدكتور: صالح بن عبدالله بن حميد 
إمام وخطيب المسجد الحرام

- الحياة الأسرية من أوثق العلاقات الإنسانية، وأرفعها شأنا، ولها في ديننا مقام كريم، وهي في شرع ربنا ميثاق غليظ: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: 21]
- العلاقات الإنسانية والعلاقات الأسرية لا تقاس بمواقف اللحظات العابرة، ولا بالأحوال الطارئة، ولكنها تقاس بالتراكمات المتتابعة، والأحداث المتوالية، إنها علاقات ممتدة، لا ينسيها حادث عابر، ولا ينسفها موقف طارئ. 
- إن الحياة بتقلباتها، وأحوالها تحتاج أن يسودَ فيها روح الفضل، وتذكرَ فيها جوانب الخير والمعروف، فليس من العقل ولا من الحكمة، ولا من المروة أن تُهدَم سنواتُ مودة في ساعة غضب عابرة. 
- يقول الله عز وجل في محكم تنزيله: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: 237]، إنه توجيه كريم، وقاعدة عظيمة، وحكمة سامقة باسقة، تجري في مواطنَ أشملَ وأعمَّ من السياق الذي نزلت فيه، وهو معالجة الحالات بعد الطلاق.
- ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: 237]، توجيه لمن جمعتهم هذا العلاقةُ العظيمة، وهذا الميثاقُ الغليظ، وتذكيرٌ لهم بأن لا ينسوا مع مرور الزمن، وتقدمِ العمر، وكثرةِ العيال، وتعاظمِ المسؤوليات، لا ينسوا الفضل الذي بناه حسنُ العشرة، وجميلُ المودة، ورداءُ الرحمة، ولطيفُ المعاملة منذ الأيام الأولى. 
- إن نسيان الفضل يعني التفككَ، والتجافَي، والشقاقَ، والتباعدَ عن الأخلاقِ الكريمة، والشيمِ النبيلة. 
- حفظُ الفضل هو الذي يحافظ على تماسك الأسرة، ويحفظها بإذن الله من المواقف الطارئة، واللحظات العصبية. 
- في ثورة الغضب يختلطُ الحابل بالنابل، والحقُّ بالباطل، وكأن الزوجين ما عاشا سنوات من المودة، وحسن العشرة، وكأنهما لا يجمعهما بيت واحد، ولا يظللهما عش واحد، ولا يضمهما فراش واحد، ولا يدفئهما لحاف واحد، كل هذا يصبح بين عشية وضحاها سرابا هباءً، فلا الزوج يذكر الحسنات، ولا الزوجة تذكر المعروف. 
- نسيان الفضل سلوك مشين، إن انتشر في المجتمع أفسده، وإن فشا في الناس فرقهم، نسيان الفضل من ضعف الإيمان. 
- أيها الأزواج أيها الزوجات: احذروا الدعوات المغرضة التي تحرض الزوجين على التمرد والتنمر، وتنفخ في النقائص والسلبيات التي هي من طبع البشر، والتي لا يسلم منها أحد كائنا من كان. 
- العلاقة الزوجية لا تبنى على المشاحنة والمشاحة، والصِّدامِ والخصام، ورفعِ الصوت والتشكي، والتلاوم، ولكنها تبنى على مكارمِ الأخلاق والتغافلِ، والصبرِ والتحمل.
- التدقيق في تفاصيل الحياة الأسرية ينغص الحياة، ويكدر العشرة، ويجعل المجالس مُرَّة، والمعيشةَ نكدة. 
الزموا حفظَ كرامة البيوت، وصونَ العلاقة الزوجية، والتلطفَ والتماسَ أسباب الرضا، واحذروا التجسسَ والتحسسَ، وتتبعَ الأخطاء وتلمسَ المعايب، واعلموا أن الاعتراف بالفضل يجمع القلوب، والفجورَ في الخصومة يمزق العلاقات، وإذا بدرت بوادر الخلاف فتذكروا المحاسن، وتغافلوا عن النقائص، ولا تنسوا الفضل بينكم، وأقرب الزوجين للتقوى، هو الذي يعفو ويسامح، ولا ينسى الفضل، ولا ينسى مودة أهله، وحسن عشرتهم، وما استقصى كريم قط، والتغافل يطفئ الشرور. 
- الزواج رابطة، وعقد، ومودة، ورحمة، وليس انفلاتاً وضياعاً، وحرية زائفة، بناء العلاقة الزوجية على الفضل والإحسان، وليس على المحاسبة، والمشاحة والتقصي والاستقصاء.
لا تستقصوا جميع الحقوق، بل اجعلوا للفضل موضعا، ويسروا ولا تعسروا، تسامحوا ولا تدققوا، والتغافل لا يحسنه إلا الراغبون في السعادة، وكثرة العتاب تفرق الأصحاب. 
العشرة بالمعروف هي النظرُ إلى المحاسن والاحتفاءُ بها، والتغاضي عن المساوئ وسترُها. 
أيها الزوجان الكريمان: تفاهما بأدب وحوار، وبنظر ثاقب للعواقب، فخلفكما ذرية ضعاف خافوا عليهم، واتقوا الله وقولوا قولاً سديدا.

اكتب تعليق

أحدث أقدم