بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
ورد في بعض الأحاديث النهي عن سب الشيطان، منها ما رواه أبو داود عن أبي المليح عن رجل قال: "كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم، فعثرت دابته، فقلت: تعس الشيطان، فقال: ((لا تقل: تعس الشيطان، فإنك إذا قلت ذلك، تعاظم حتى يكون مثل البيت، ويقول: بقوتي، ولكن قل: بسم الله، فإنك إذا قلت ذلك، تصاغَر حتى يكون مثل الذباب)).
• وأخرج الديلمي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تسبوا الشيطان، وتعوذوا بالله من شره))؛ (الصحيحة: 2422)، (صحيح الجامع: 7318).
وهذه الأحاديث تدل على الزجر عن سب الشيطان، أو قول: "تعس الشيطان"؛ لأنه يتعاظم وينتفخ، والمؤمن يستطيع أن يذهب كيد الشيطان بقوله: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم".
سب الأموات:
لقد امتن الله عز وجل على الإنسان، فكرمه وفضله على كثير من خلقه؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70]، ومن هذا التكريم أن الله عز وجل جعل للإنسان حرمة في حياته؛ فحرم قذفه وسبه، كما أبقى له هذه الحرمة بعد الممات، فنهى الشرع عن سب الأموات.
• فقد أخرج الحاكم من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سب الأموات"؛ (صحيح الجامع: 6958)، (الصحيحة: 2397).
• وأخرج البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسبوا الأموات؛ فإنهم قد أفضَوْا[1] إلى ما قدموا)).
• وأخرج أبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات صاحبكم، فدعوه، ولا تقعوا فيه)).
• يقول ابن السماك رحمه الله تعالى: "سبعك بين لحييك، تأكل به كل من مر عليك، قد آذيت أهل الدور في الدور حتى تعاطيت أهل القبور، فما ترثي لهم وقد جرى البلى عليهم، وأنت ها هنا تنبشهم، إنما نرى نبشهم أخذ الخرق عنهم، إذا ذكرت مساوئهم فقد نبشتهم، إنه ينبغي لك أن يدلك على ترك القول في أخيك ثلاث خلال، أما واحدة: فلعلك تذكره بأمر هو فيك، فما ظنك إذا ذكرت أخاك بأمر هو فيك؟ والثانية: لعلك تذكره بأمر فيك أعظم منه، فذلك أشد استحكامًا لمقته إياك، والثالثة: لعلك تذكره بأمر قد عافاك الله منه، فهذا جزاؤه إذ عافاك؟! أما سمعت: ارحم أخاك، واحمد الذي عافاك"؛ (فتح المغيث: 3/ 176).
فعلى المرء أن يحذر سب الأموات؛ فهو أشد خطورة من سب الأحياء؛ لأن عفو الحي واستحلاله ممكن، بخلاف الميت.
تنبيهان:
1) علمنا أن سب الأموات حرام وجرم عظيم، لكن أعظمه إثمًا وأشده جرمًا سب حملة هذا الدين، وهم الصحابة الأطهار الأخيار - كما مر بنا.
فهناك بعض الطوائف يظنون أنهم يتقربون إلى الله بسب الصحابة رضي الله عنهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول - فيما يرويه البخاري ومسلم -: ((ولا تسبوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده، لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا، ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه".
فمَن طعن فيهم أو سبهم، فقد خرج من الدين، ومرق من ملة المسلمين - على تفصيل قد مر بنا - لأن الطعن لا يكون إلا عن اعتقاد مساوئهم وإضمار الحقد فيهم، وإنكار ما ذكره الله تعالى في كتابه من ثنائه عليهم، وكذلك رد خبر الرسول صلى الله عليه وسلم من ثنائه عليهم وفضائلهم ومناقبهم وحبهم، ولأنهم أرضى الوسائل في نقل المأثور، والوسائط من المنقول، والطعن في الوسائط طعن في الأصل، والازدراء بالناقل ازدراء بالمنقول، وهذا ظاهر لمن تدبره وسلم من النفاق، ومن الزندقة والإلحاد في عقيدته.
• وحسبك أن من سب الصحابة أو نال منهم؛ فإن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
فقد أخرج الطبراني في "الكبير"، وصححه الألباني من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "قال أناسٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا نسبُّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سب أصحابي، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)).
• قال النووي رحمه الله تعالى : "واعلم أن سب الصحابة رضي الله عنهم حرام، من فواحش المحرمات، سواء من لابس الفتن منهم وغيره؛ لأنهم مجتهدون في تلك الحروب متأولون"؛ اهـ.
وعليه فلا يجوز سب الصحابة ولا غيرهم من الأموات؛ لما سبق، وعملًا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((لا تذكروا هلكاكم - وفي رواية: "موتاكم" - إلا بخير[2]))؛ (رواه النسائي من حديث عائشة رضي الله عنها، وهو في "صحيح الجامع": 7271).
2) هل يجوز سب بعض المسلمين الأموات والوقوع فيهم لمصلحة شرعية؟
قال البعض: سب المسلم يقع إذا كان بحق ولمصلحة شرعية؛ كالتحذير من الاقتداء به في بدعته وفسقه.
يقول ابن بطال رحمه الله تعالى : "سب الأموات يجري مجرى الغيبة، فإن كان أغلب أحوال المرء الخير - وقد تكون منه الفلتة - فالاغتياب له ممنوع، وإن كان فاسقًا معلنًا، فلا غيبة له، فكذلك الميت[3]".
وقال البعض: "إن النهي عن سب المسلم على عمومه، حتى فيما بعد الموت، والمباح ذكر الرجل بما فيه قبل الدفن؛ ليتعظ بذلك فساق الأحياء، فإذا صار إلى قبره أمسك عنه؛ لإفضائه إلى ما قدم، وعلة النهي عن سب الأموات؛ لأنهم قد وصلوا إلى ما قدموا من عملهم، خيرًا كان أو شرًا؛ إذ لا فائدة في سبهم"؛ اهـ (فتح الباري لابن حجر: 4/ 416) بتصرف.
• والقول الأول أولى؛ إذ لا غيبة لفاسق أو مبتدع معلن بفسقه أو ببدعته، أو لمجروح في شهادته وروايته، وذلك في حياته أو بعد مماته، وهذا من باب النصح للمسلمين، وهذا جائز؛ كما أرشد إلى هذا أهل العلم والدين.
________________________________________
[1] أفضَوْا: أي: وصلوا إلى ما قدموا من عمل، فلا فائدة في سبهم.
[2] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تذكروا موتاكم إلا بخير"، يستثنى من ذلك مَن عُرِفَ ببدعته أو فساد طويته، أو المجروح في روايته وشهادته"؛ (انظر فيض القدير: 4/ 2358).
[3] وقد روي عن الحسن - رحمه الله تعالى - أنه قال: "ثلاثة ليست لهم حرمة: صاحب الهوى، والفاسق المعلن، والإمام الجائر".
إرسال تعليق