رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن التوكل على الله

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن التوكل على الله


رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي  يتحدث عن التوكل على الله
بقلم \  المفكر العربى الدكتورخالد محمود عبد القوي  عبد اللطيف
مؤسس  ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
عرفه الإمام ابن القيم رحمه الله [1] بأنه: اعتماد القلب على الله، واستناده إليه، وسكونه إليه، واستمداد العون والتأييد منه، وقطع العلائق بغيره تعالى[2].
وقال الحافظ ابن رجب[3] رحمه الله: (وحقيقة التوكل هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل، في استجلاب المصالح، ورفع المضار، من أمور الدنيا والآخرة كلها، وكِلة الأمور كلها إليه، وتحقيق الإيمان، فإنه لا يعطي ولا يمنع، ولا يضر ولا ينفع سواه)[4].
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (المراد بالتوكل: اعتقاد ما دلت عليه هذه الآية ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾ [هود: 6] [5]، وليس المراد به ترك التسبب، والاعتماد على ما يأتي من المخلوقين، لأن ذلك قد يجر إلى ضد ما يراه من التوكل)[6].
والتوكل مقام جليل القدر، أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به في مواضع كثيرة في كتابه الكريم كقوله تعالى ﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ ﴾ [النمل: 79] [7].
ويبين أثر التوكل عليه في استحقاق النصر، كما في قوله تعالى ﴿ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [آل عمران: 160] [8]، فجعل التوكل شعار أهل الإيمان.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وذِكر اسم الإيمان، دليل على استدعاء الإيمان التوكل، وأن قوة التوكل وضعفه، بحسب قوة الإيمان وضعفه، فكلما قوي إيمان العبد قوي توكله، وإذا كان توكله ضعيفاً فهو دليل على ضعف الإيمان ولا بد[9]، وقد قال سعيد بن جبير[10] رحمه الله: (التوكل على الله جماع الإيمان)[11].
وقد كان منه صلى الله عليه وسلم أصدق التوكل على الله في هذه الغزوة، ابتداءً بدعائه: ((اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها))[12]، ثم إرجاع الفضل كله إليه تعالى في تحقق الفتح المبين والنصر العزيز.
ورعاية الأسباب المفضية إلى هذا الفتح، من اتخاذ الاحتياطات كإرسال سرية تمويهية تعمية على قريش، وأخذ الأهبة وعدة القتال، ولبس عدة الحرب، لا تنافي التوكل، بل إن من تمامه، القيام بالأسباب التي أقام الله عليها سننه ومضت بها أقداره، فالتوكل عنصر من عناصر الجانب الاعتقادي القلبي، أما اتخاذ الأسباب فهو وظيفة الحركة العملية الإرادية في الحياة، ضمن ما سخر الله للإنسان في ذاته أو في الكون من حوله،[13] (ولكن من تمام التوكل، عدم الركون إلى الأسباب، وقطع علاقة القلب بها، فيكون حال قلبه قيامه بالله لا بها، وحال بدنه قيامه بها)[14].
ومما يدل على عدم منافاة الأسباب للتوكل، أن الله تعالى قد أمر المسلمين بالاستعداد لعدوهم، بما يستطيعون من قوة عقلية ومادية ومعنوية، ويدخل في ذلك تعلم الفنون الحربية، وتعلم الصناعات المعينة على هذا الأمر، كما أمرهم بأخذ الحذر من عدوهم وقت السلم والحرب، وأمرهم بالاستعانة به، وألا يتكلوا على حولهم وقوتهم، وألا يغتروا بحالهم ولا يستهينوا بأعدائهم، وهذه الأمور كلها مضطرة إلى قوة التوكل عليه تعالى، وإلى الاقتداء بسيد المرسلين فيه، فهو سيد المتوكلين، ومع ذلك فقد كان يعمل بجميع الأسباب النافعة ويحض عليها، فالتوكل هو الثقة بالله والاعتماد على الله في حصولها[15].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (ومن تمام توكله استعمال الأسباب التي نصبها الله لمسبباتها قدراً وشرعاً، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أكمل الخلق توكلًا، وإنما كانوا يلقون عدوهم وهم متحصنون بأنواع السلاح، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة والبيضة على رأسه، وقد أنزل الله عليه: ﴿ يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67] [16])[17]، فيقينه أن الله تعالى سيدفع عنه ويحفظه، لم يمنعه من أخذ الأسباب التي يحتاجها البشر في درء الأذى عن أنفسهم في الحروب، كوضعه المغفر على رأسه أثناء دخوله مكة، واحتياطه بالحراسة حوله، وما اتخذه من تدابير في هذه الغزوة.
ومتى صح إدراك هذا الفرق والتزم الداعية المؤمن بالواجب في التوكل على الله بصدق، واتخذ الأسباب الكونية والتكليفية كما قضاها وشرعها الله تعالى، كان التوكل على الله في الجانب القلبي ممدَّا للداعية بقوة معنوية عظيمة، تضاعف القوة المادية أضعافا كثيرة، حتى أن الداعية المتوكل على الله يسبق عددا كثيرا من أمثاله من السببيين الذين ليس لهم مثل توكله، وقد تزيد أسبابهم المادية على أسبابه، حتى يغلب عشرون مؤمنون صابرون متوكلون مائتين من الكافرين بإذن الله[18].
________________________________________
[1] هو محمد بن أبي بكر بن أيوب الزُرْعي الدمشقي، أبو عبد الله، من أركان الإصلاح الإسلامي ومن كبار العلماء، ولد بدمشق سنة 691هـ وتتلمذ لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكان منتصرا له وسجن وعذب معه، ونشر علمه وهذب كتبه، له تصانيف كثيرة جليلة، توفي رحمه الله سنة 751هـ. بتصرف، الأعلام 6/56.
[2] بتصرف، مدارج السالكين 2 /120.
[3] هو عبد الرحمن بن أحمد بن رجب السَّلامي البغدادي ثم الدمشقي، أبو الفرج، حافظ من العلماء، ولد في بغداد سنة 736هـ، وتوفي في دمشق سنة 795هـ رحمه الله. بتصرف، الأعلام 3 /295.
[4] جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم: زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين بن رجب الحنبلي ص 380، دار الفكر ط: بدون.
[5] سورة هود جزء من آية 6.
[6] فتح الباري 11 /305 ح 6472.
[7] سورة النمل آية 79.
[8] سورة آل عمران آية 160.
[9] بتصرف، طريق الهجرتين وباب السعادتين ص 327، دار الكتاب العربي لبنان ط: بدون، وانظر مقدمة محقق كتاب التوكل على الله: الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا ص 33-34، تحقيق: جاسم الفهيد الدوسري، دار الأرقم الكويت، ط:1، 1404هـ 1984م.
[10] هو سعيد بن جبير بن هشام الإمام الحافظ المقرئ المفسر الأسدي مولاهم الكوفي، قرأ القرآن على ابن عباس رضي الله عنه، قتله الحجاج صبرا وهو ابن 49 سنة عام 95هـ. بتصرف، تهذيب التهذيب 4 /11، وسير أعلام النبلاء 4/321.
[11]التوكل على الله ص 56 ح 5، وقال المحقق إسناده صحيح.
[12] سبق تخريجه ص 106.
[13] بتصرف، بصائر للمسلم المعاصر ص 149، وانظر في الطريق إلى الله، التوكل: د. يوسف القرضاوي ص 35.
[14] مدارج السالكين 2 /120.
[15] بتصرف، المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد الرحمن السعدي ص 166-و ص 171
[16] سورة المائدة جزء من آية 67.
[17] زاد المعاد 3 /480.

[18] بتصرف، بصائر للمسلم المعاصر ص 154. 

اكتب تعليق

أحدث أقدم