مقال بعنوان: المسخ
بقلم ا.د إبراهيم محمد مرجونة
العم صلاح جاهين في الرباعيات بيقول:
حاسب من الأحـزان وحاسـب لهـا.
حاسب علـى رقابيـك مـن حبلهـا.
راح تنتهـى ولابــد راح تنتهـى.
مـش انتهت أحـزان مـن قبلهـا ؟.
عـجبى !!
الإنسان الذي يعيش كالمسخ هو كائن غريب ومنبوذ، سواء بسبب عوامل داخلية أو خارجية. هذه الفكرة تناولتها العديد من الروايات الأدبية، إذ عكست عبرها أزمة الهوية، والاغتراب، وفقدان المعنى، مما يجعلها موضوعاً غنياً للتحليل والتأمل وقد تتطرق بعض الروايات العالميه إلي هذه الفكرة ومن بينها.
رواية “المسخ” لفرانز كافكا: تحول الإنسان إلى كائن غريب
تعد رواية “المسخ” (The Metamorphosis) للكاتب التشيكي فرانز كافكا أبرز الأمثلة على هذه الفكرة. تبدأ القصة بتحول البطل، غريغور سامسا، إلى حشرة ضخمة دون تفسير واضح. هذا التحول ليس مجرد تغيير جسدي؛ بل هو انعكاس للاغتراب الذي يعانيه غريغور في حياته اليومية. فهو شخص محاصر بواجباته تجاه أسرته، وفاقد للاتصال مع ذاته ومع العالم من حوله.
من خلال هذا التحول، يصبح غريغور رمزاً لإنسان يشعر بالاستغلال والإقصاء. عائلته التي كان يعيلها تنقلب عليه بمجرد فقدانه القدرة على توفير الدعم. الرسالة واضحة: في عالم يقدّس الإنتاجية، يتحول الإنسان إلى “مسخ” إذا فقد قيمته الاقتصادية والاجتماعية.
تناولت القصة شخصية الموظف جريجور الذي تحول إلى صرصار ضخم ذات صباح عادي ورتيب، وما آلت إليه حياته من متاعب جراء هذا التحوّل المخيف. بتخلي أسرته عنه، ومديره المباشر في العمل، ولم يجد جريجور تفسيرا منطقيا لتخلي الناس عنه، فراح يتحرك داخل غرفته، طارحا أسئلة مزعجة على نفسه: ما الذي جرى لي؟ وما الذي أصابني؟ ولم يجد جوابا لهذه الأسئلة إلى أن مات تحت مكنسة الخادمة التي كانت تردد: "انظروا لقد مات، إنه يستلقي هنا ميتا هالكا".
في بداية الرواية وحتى نهايتها تظهر المأساة الإنسانية على أنها أمر اعتيادي، ويظهر الأمر المعقول على أنه شيء نادر الحدوث، واللامعقول على أنه أمر عادي وقد يحدث في أي لحظة،
وهناك أيضا رواية “دكتور جيكل ومستر هايد”: المسخ الداخلي
في رواية “الحالة الغريبة للدكتور جيكل والسيد هايد” (Strange Case of Dr Jekyll and Mr Hyde) للكاتب روبرت لويس ستيفنسون، يتناول التحول من منظور نفسي وأخلاقي. الدكتور جيكل، وهو عالم مرموق، يبتكر جرعة تتيح له فصل جانبه الأخلاقي عن جانبه الشرير، ليتحول إلى مستر هايد، تجسيد للشر المطلق.
هايد، رغم كونه مخلوقاً بشرياً، يعيش كالمسخ بسبب فقدانه لأي قيم أخلاقية أو إنسانية. الرواية تسلط الضوء على الصراع الداخلي داخل الإنسان بين الخير والشر، وكيف أن الاستسلام الكامل للشر يحوّل الإنسان إلى كائن منبوذ ومخيف، لا ينتمي إلى عالم البشر.
أما رواية “فرانكنشتاين”: صرخة المسخ الباحث عن الإنسانية
في رواية “فرانكنشتاين” للكاتبة ماري شيلي، يُخلق “المخلوق” بواسطة العالم فرانكنشتاين، ولكنه يُنبذ من المجتمع بسبب مظهره المخيف. رغم أنه يحمل مشاعر إنسانية ورغبة في التواصل والحب، إلا أنه يُعامل كوحش ويُحرم من الانتماء.
هذه الرواية تعكس فكرة أن المسخ ليس دائماً نتيجة لتحول داخلي أو اختياري، بل يمكن أن يكون نتيجة لرفض المجتمع. المخلوق في “فرانكنشتاين” يصرخ مطالباً بالاعتراف بإنسانيته، مما يثير تساؤلات حول من هو “المسخ” الحقيقي: الكائن المنبوذ أم المجتمع الذي يرفضه؟
غاية الأمر الإنسان كالمسخ اذا عاش الاغتراب وحرم الإنسان من الاعتراف بقيمته الإنسانية أو يُقصى عن مجتمعه، يتحول إلى“مسخ” نفسي.
وكذلك عند فقدان الهوية: التحولات التي تفقد الإنسان جوهره، سواء عبر ضغوط اجتماعية أو داخلية.
وايضا عند رفض الآخر: المجتمع كثيراً ما يخلق المسوخ من خلال خوفه من المختلف أو غير المألوف.
ويقول الدكتور محمد عماد الدين اسماعيل ان “السلوك السوي هو الذي يحقق مواجهة واقعية للمشكلات أو الصراع، وليس هروبا منها. وبمعنى آخر، فالشخصية السوية المتكاملة هي الشخصية التي يتميز سلوكها بأنه سلوك بنائى إنشائي، واقعي، وليس سلوكا هروبيا هداما”
وفي الأخير الإنسان مشروع يستحق البناء، ويجب أن تبنى الإنسانية كعقيدة تدفعنا إلى التعايش في أشد لحظاتنا خصاما.
إرسال تعليق