زيزو...فلسفة العصر
ا.د إبراهيم محمد مرجونة
أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية
سواء كنت متفق وبتهلل لزيزو وضربة معلم وإدارة ولا أروع أو شايف دا برؤية الآخر أنها خداع وغياب للمبادىء وفساد ؟!.
يا صديقي هى انعكاس لطغيان المادة وانحسار الولاء: هى فلسفة عصر"الفلوس"في زمنٍ لم يعد فيه الانتماء قيمة بل أصبح صفقة، وفي عصر صار يُقاس فيه الإخلاص بما يُودَع في الحسابات البنكية لا بما يُختزن في الضمائر، تتبدّى أمامنا ملامح تحوُّل جذري في القيم، قوامه طغيان المادة وهيمنة المال على منظومة العلاقات الإنسانية، وخصوصًا في العلاقة بين الإنسان والمؤسسة،لقد كانت المؤسسات – سواء كانت شركات، أو هيئات، أو حتى نوادي رياضية– كيانات تقوم على الولاء، والانتماء، والإيمان بالرسالة. كان الموظف يُضحي من أجل مؤسسته، لأنه يرى فيها امتدادًا لذاته، وحاضنًا لطموحه، وفضاءً يتحقّق فيه إنسانيًا. أما اليوم، فقد أصبحت المؤسسات "محطات مؤقتة"، والمواقف "مرهونة بالدفع"، والإخلاص "سلعة تخضع للعرض والطلب".
وظهر في الأفق عنوان يحمل معاني ورمزيات ودلالات كثيرة وهو "التحول من القيم إلى القيمة"
لم يعد السؤال: "ما هي قيم هذه المؤسسة؟"، بل صار: "كم تدفع؟". لقد اختُزلت العلاقات المهنية في معادلات مادية صرفة. فالموظف لا يبحث عن بيئة داعمة، بل عن راتب أعلى. والمدير لا يسعى لبناء فريق متماسك، بل لتحقيق أرباح شهرية، ولو على أنقاض الانتماء. وهكذا تحوّلت المؤسسات إلى ساحات تبادل لا ساحات انتماء.
ويعبّر الفيلسوف الألماني كارل ماركس عن هذا في قوله:
"في ظل الرأسمالية، تتحول القيم الأخلاقية والروحية إلى سلع يمكن شراؤها وبيعها."وهذا تمامًا ما نعيشه اليوم، حيث صار الولاء سلعة، و"الفلوس" لغة العصر
لم يعد المال وسيلة للعيش بل أصبح غاية في ذاته، وصار يُقاس النجاح بالقدرة على تحقيق الأرباح لا بالتأثير أو الإبداع أو حتى الأخلاق. وبلغة أُخرى، أصبحت "الفلوس" هي لغة العصر، يتحدث بها الجميع، ويفهم بها الجميع، ويُصنّف الناس على أساسها. يقول دوستويفسكي:
"حين يتحوّل المال إلى مقياس للإنسان، تفقد الروح قيمتها."
ولعل ما يدعو للتأمل أن هذه الهيمنة المادية جعلت العلاقات هشّة، والتجارب عابرة، والانتماءات سطحية. فيوم يُعرض على الموظف راتب أعلى، يترك المؤسسة التي احتضنته لسنوات دون تردد. ويوم يُطلب منه جهدٌ لا يُقابله حافز مالي، يُقابل الطلب بالرفض البارد.
إن طغيان المادة لم يُفقد المؤسسات فقط ولاء أفرادها، بل أفقد الأفراد كذلك الشعور بالانتماء لأي شيء يتجاوز ذواتهم. صار الكل يعمل لنفسه، لأجل مصلحته، في دائرة ضيقة تختزل العالم في "أنا".
ويحذر إريك فروم من هذا التحول بقوله:
"إن الإنسان الحديث، في سعيه للامتلاك، قد نسي كيف يكون."
وأخيرا : هل من سبيل للعودة؟ وهل نمط الحياة وصعوبة المعيشة واختلال المعايير وغياب القدوة....الخ يصعب معهم العودة ؟
قد لا يكون الحل في رفض المال، فهو ضرورة، ولكن في إعادته إلى حجمه الطبيعي: وسيلة لا غاية. تحتاج المؤسسات إلى أن تعيد الاعتبار لقيم الانتماء، والتقدير المعنوي، والثقة، وتحتاج الأفراد إلى أن يبحثوا عن شيء أعمق من الراتب وأعلى من الحافز: عن معنى ، ويجب أن يجد الشخص ما يكفيه ويشعرة بذاته ويسمح للإبداع والابتكار أن يعود ويقود ويسترد مقاعدة التي سلبت منه ظلما وبهتاناً.
يقول العم صلاح جاهين:
ليل بعد ليل .. و نجم وورا نجم اتحد ..
و انا باغني ... لكن لوحدي للأسف ..
لحني الجميل مش تجد إنسان يسمعه
يا ريته ما أتغنى .. يا ريته ما أتعزف
"صلاح جاهين"
إرسال تعليق