رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الموت مفتاح لسر الحياة

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الموت مفتاح لسر الحياة


رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الموت مفتاح لسر الحياة
بقلم \  المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي  عبد اللطيف
مؤسس  ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن الموت برهان على انتفاء الخلود في الدنيا، ودليل على محدودية زمن استيطاننا للأرض، وعلامة على أننا متناهون، وآية شاهدة على أننا زائلون عن هذه الحياة الدنيا، كلُّ هذه هي بديهيات لم يكن العقل ليُسلِّمَ بها لولا حضور منطق الموت كحقيقة نراها ولا نبصرها؛ بحيث نُشاهد أثرها، ولا ندرك جوهرها.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية فمعلوم أن الناس رغم اشتراكهم في إدراك جوانب كبيرة من تلك الحقيقة التي فضحها الموت، إلا أن استجاباتِهم السلوكية واتجاهاتهم الفكرية تبقى متباينةً فيما بينهم؛ وذلك تبعًا لاختلاف معتقداتهم وأوساطهم “البيثقافية”.
الموت كنظرة للحياة:
الموت هو بوصلة الحياة.
كيف ذلك؟
الموت مُوجِّهٌ يمتلك كامل سلطة التوجيه؛ فهو بحوزته: العلم، والخبرة، وبُعْدُ النظر، والطهارة.
الموت يمتلك العِلم؛ فهو يُنْبِئك بأنك زائل، وهذا بُعْدٌ سلطوي ضاغط.
الموت له رصيد خبرة؛ فهو يأتيك مُحمَّلًا بتجارب الذين سبقوك ولم يستمر لهم وجود، يُحَاججك بخبرته تلك التي لم تخطئ سابقيك، وهذا بدوره بعد سلطوي تخضيعي.
الموت حاز بُعدَ النظر واستشراف المستقبل؛ فهو يُعْلِمُكَ بأنه لا شك مخرجك من الحياة الدنيا؛ مما يدفعك لتوسيع نظرك وتقليب الأسئلة:
أنا من أين؟
وإلى أين؟
وهذا كذلك يشكل بعدًا / عنصرًا ضاغطًا عليك ومستفزًّا لك.
الموت مُطَهَّرٌ؛ إذ هو منزَّه عن الخطأ والمحاباة والتسويف وكل النقائص البشرية، وهو يبدو لك إمامًا عادلًا يستهويك عدلُه، وهذا عامل ينضاف إلى سابقيه ممن يشكلون أساس سلطة الموت وقهريته للبشر.
وتأسيسًا على هذه الأبعاد المشكلة لسلطة الموت، يحق لهذا الأخير أن يكون موجهًا هاديًا لسواء السبيل، وبوصلة مرشدة للاتجاه القويم الذي ينير غموض الحياة، ويرفع عن أبصارنا الغشاوات التي تتراكم على قنوات الإدراك عندنا، جراء أنشطتنا اليومية وتفاعلاتنا الحياتية.
فعلى سبيل المثال: يميل الناس لالتماسِ الإرشاد والتوجيه من عند ذوي الخبرة والمعرفة والنزاهة والحياد من بَنِي إخوانهم البشر؛ ففي المواقف التي نصادفها في حياتنا قد نجد مِن بينها ما يصعب علينا فهمُه أو اتخاد القرار إزاءه، وبالتالي نَفِرُّ صوب من نرى فيهم حنكة التدبير وثقة المشورة، هكذا تَرانَا نفعل في مسائلنا الحياتية.
لكن ما دامت الحياة لغزًا كثُرت حوله المرجعياتُ والنظريات المفسِّرة له، أفلا يحق لنا أن نبحث عن مرشد لنا وسط زحمة هذه الحياة ويقوم بنفس الدور الذي مثَّلنا له في التوصيف السابق؟
إننا نجد في الموت قدوة تمتلك من المزايا – وقد أشرنا لأبرزها سابقًا – ما يخول لها أن تلعب ذلكم الدورَ الإرشادي التوجيهي.
كيف يلعب الموت دوره الإرشادي / التأطيري؟
إن الموت – داخل المرجعية الإسلامية – هو منظومة مُحكَمة، وإن شئت قلت: إنه بناء فكري مكتمل الأركان؛ فهو:
♦ يعطي للحياة معنى شموليًّا.
♦ يرسم إستراتيجية لعبور الحياة الدنيا بسلام.
♦ يغرس في النفس حبَّ البقاء المثمر.
♦ يجيب عن الأسئلة الوجودية / الماورائية.
• ودعنا الآن لنبسط القول في تلكم النقط أعلاه:
إذا رجعنا للنقطتين الأولى والرابعة، نجدهما متكاملتين مندمجتين؛ فالموت في التصور الإسلامي يخبرنا بأن “الحياة دار عبور لا قرار”، وعليه يتبادر للذهن السؤال التالي: لماذا العبور وليس البقاء؟
فنجد الإجابة جاهزة مجملة في التركيب الآتي: الدنيا امتحان تجريبي – ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2] – صعوبته متفاوتةٌ بتفاوت قدرات وإمكانيات مجتازِيه، ومخرجاتُ الامتحان يتم تقييمها وَفْق درجة الحرية والاختيار التي كان يتمتع بها كلُّ مجتاز له.
وبناء على نتائج سلوك المرء في هذا الامتحان، يتم إصدار النتائج التي سوف تسلم في عالم آخر مختلف عن دنيانا ومتطور عنها؛ فهو عالم الجزاء لا التكليف، فمناخ الامتحان ليس هو نفسه مناخ ما بعده، وطبيعي ومنطقي أن يكون الاختلاف بينهما؛ هكذا إذًا يؤسِّس الموتُ لدى الفرد تصورًا شموليًّا للمعنى العام الذي تستترُ به الحياة.
علاوةً على ذلك، فإنه بعدما تشربت عقولنا هذا التصور الفكري للحياة الذي يؤسس له الموت، نجد هذا الأخير يرسم للفرد خطوطه العريضة من حيث السلوك الذي يجمل به أن يمارسه في دنياه، فمعلوم أن الموت يسرق الحياة، وبناءً عليه يصبح كلُّ فرد منا ملزمًا بأن ينأى بحياته عن كل الاحتمالات / السلوكيات التي قد تسرق منه حياته، عدا تلك التي يكون عليه من الواجب والمفروض / المشروع سلوكُها في بعض الحالات.
وما دام الموت يُبعدنا عن كل السبل التي تؤدي بنا إليه، فهو تلقائيًّا يُقرِّبنا من كل الطرق التي تجعلنا نتمتع بحياتنا دونما أن تجرنا هذه الحياة إلى المهالك المحتملة؛ فالخوف الطبيعي من الموت هو جدلية فلسفية تقودنا للتشبث بالحياة، هذا التشبث الذي نجد له نظرةً خاصة داخل الحقل الإسلامي، فالتمسك بالحياة ليس له معنى في التصور الإسلامي، ما دام لا يقوم على أساسين متكاملين؛ وهما:
1- تجاوز الشر وعمارة الأرض بالخير / العمل الصالح.
2- استحضار الآخرة في الدنيا.
ولذلك يكون حب الإنسان للبقاء مرتبطًا بالإثمار والإزهار هنا، والتزود لهناك، لا غاية في ذاته.
خلاصات جامعة:
1) الموت مِفتاح لفهم سرِّ الحياة.
2) الموت – في التصور الإسلامي – لا يمنع من الحياة، بل يدفعنا إلى أن نحياها بكل لحظاتها؛ ففي كُلٍّ خير، النعمة والنقمة.
3) تذكُّر الموت هو وسيلة لتزكية النفس لا للتخويف / الترهيب الآني الذي يطوله النسيان.
4) الموت هو مرشد يراقبك من بعيد، يمهلك للفعل، ولا يهملك للبقاء.
5) مَن تشرَّب المعنى العميقَ للحياة، جعل بينه وبين الموت جسورًا من الخير توصله إليه.

6) يقول الله عز وجل: ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الجمعة: 8]. 

اكتب تعليق

أحدث أقدم