بقلم / لمفكرالعربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي ,
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
ونائب رئيس جامعة بيرشام الدولية بأسبانيا والرئيس التنفيذي
والرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك بالولايات المتحدة الأمريكية
, والمدير التنفيذي للأكاديمية الملكية للأمم المتحدة
والرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بمملكة كمبوديا
والرئيس التنفيذي لجامعة iic للتكنولوجيا بمملكة كمبوديا
والرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية للدراسات المتقدمة بالولايات المتحدة الأمريكية
ونائب رئيس المجلس العربي الأفريقي الأسيوي
ومستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
ورئيس جامعة الوطن العربي الدولي ( تحت التأسيس)
الرئيس الفخري للجمعية المصرية لتدريب وتشغيل الخريجين
الرئيس الفخري لمنظمة العراق للإبداع الإنساني بألمانيا الإتحادية
الرئيس التنفيذي للجامعة الأمريكية الدولية
الرئيس الفخري للمركز الدولي الفرنسي للعلماء والمخترعين
الرئيس الشرفي للإتحاد المصري للمجالس الشعبية والمحلية
قائمة تحيا مصر
الرئيس الفخري للمنظمة العالمية للتضامن والصداقة والتسامح
مؤسس ورئيس الإتحاد الدولي للعالم العربي بالجمهورية الفرنسية
مما لاشك فيه أن العبد في هذه الحياة قد يصاب بآلام متنوعة وقد يرِد على قلبه واردات متعددة تؤرِّق قلبه وتؤلم نفسه وتجلب له الهم والحزن والغم ، فهذه أمور مقدَّرة وأشياء مكتوبة لابد وأن يراها العبد في هذه الحياة ؛ إلا أن الله عز وجل جعل للعبد أسباباً عظيمة وأموراً مهمّة إذا اعتنى بها واعتنى بتطبيقها زال عنه همُّه وانجلى غمُّه وذهب حزنه وانشرح صدره وتحققت له سعادته في هذه الحياة . فهناك أمور عديدة ترد على القلب تؤلمه منها أمورٌ تتعلق بأمورٍ ماضية وذكرياتٍ لأشياء قد مضت وانقضت فيحزَنُ القلب عند تذكرها ويصيبه آلامٌ متنوعة باستحضارها ، وهناك آلامٌ تتعلق بأشياء في المستقبل ترِد على قلب العبد فيصيبه الهمّ بسبب أمورٍ قادمة وأشياء آتية لا يدري ما يكون له فيها فيهتمّ قلبه لذلك . وهناك الغم وهو الذي يصيب العبد في أمر يتعلق بحاضره وواقعه وحاله ؛ فهذه أمور ثلاثة: حزنٌ وهو يتعلق بما مضى ، وهمٌّ وهو يتعلق بالمستقبل ، وغمٌّ وهو يتعلق بحاضر الإنسان ، وهذه الأمور الثلاثة إنما تنجلي عن القلب وتزول عنه بالعودة الصادقة إلى الله جل وعلا ، والانكسار بين يديه ، والتذلل له والخضوع له سبحانه ، والدخول في طاعته ، والاستسلام لأمره ، والإيمان بقضائه وقدره ، ومعرفته ومعرفة أسمائه وصفاته ، والإيمان بكتابه وتدبره والعناية بقراءته وتطبيقه ؛ فبذلك - لا بغيره تزول هذه الأمور وينشرح الصدر وتتحقّق له السعادة
ولهذا روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :(مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ؛ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي ؛ إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحًا ) وفي رواية (وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا) وهو حديث صحيح ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم إن الصحابة الكرام لما سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يوجه إلى هذا التوجيه العظيم ويدل على هذا الدعاء المبارك قالوا لرسول الله( يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ) فقال عليه الصلاة والسلام:( أَجَلْ يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ)
فهي كلمات عظيمة ينبغي على المسلم أن يتعلمَّها وأن يسعى في قولها عندما يصاب بالهمّ أو الغم أو الحزن ، وليعلم أن هؤلاء الكلمات إنما تكون نافعة له إذا حقَّق مدلولها وطبَّق مقصودها وعمل بما دلت عليه ، أما أن يأتي بالأدعية المأثورة والأذكار المشروعة دون فهمٍ لها ودون تحقيقٍ لمقصودها فإنها بذلك تكون عديمة التأثير قليلة الفائدة.
وعندما نتأمل هذا الدعاء العظيم الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم ليقوله العبد عندما يصاب بالهم أو الغم أو الحزن نجد أنه يتضمَّن أربعة أصولٍ عظيمة لا تتحقق للعبد السعادة ولا ينجلي عنه الهم أو الغم أو الحزن إلا بتحقيقها والإتيان بها :
أما الأصل الأول: فهو تحقيق العبادة لله جل وعلا وتمام الانكسار له والذّل بين يديه والخضوع له سبحانه واعتراف العبد بأنه مملوكٌ لله مربوبٌ له مخلوقٌ له يدبره الله عز وجل ويتصرف في شؤونه كلها ؛ وهذا نأخذه من قوله عليه الصلاة والسلام:(اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ ) فهذا اعتراف من العبد بأنه مملوك لله مربوبٌ لله مخلوقٌ له سبحانه وتعالى هو وآباؤه وأمهاته إلى آدم وحواء ، فالكل مماليك لله والكل مربوبون له ، هو خالقهم وهو سيدهم وهو مولاهم وهو مدبر شؤونهم ، لا مالك لهم إلا الله ولا خالق لهم إلا الله ولا مدبِّر لشؤونهم إلا الله سبحانه وتعالى ، ولهذا فإن العبد يذل لله ويخضع بين يديه وينكسر لعظمته وجلاله وجماله وكماله .أما الأصل الثاني - : فهو أن يؤمن العبد بقضاء الله وقدره وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأنه سبحانه لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ﴾فاطر:2 وهذا مستفاد من قوله :(نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ) فناصية العبد وهي مقدَّمة رأسه بيد الله عز وجل يتصرف فيه تبارك وتعالى كيف يشاء ويحكم فيه بما يريد لا معقِّب لحكمه سبحانه ولا راد لقضائه ولهذا قال: (مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ )فحكم الله ماض وقضاؤه ماض ولا يرده راد مهما فعل العبد ، فما قدّره الله كان ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، ولهذا لابد على العبد أن يؤمن بقضاء الله وقدره وبمشيئته النافذة وقدرته الشاملة التي شملت كل مخلوق .
والأصل الثالث - - : أن يؤمن العبد بأسماء الله الحسنى وصفاته العظيمة الواردة في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويتوسل إلى الله بها . يقول الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف:180] ، ويقول تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾الإسراء:110والعبد كلما كان عظيم المعرفة بالله وبأسمائه الحسنى وصفاته العلى زادت خشيته لله وعظمت مراقبته له وازداد بُعداً عن معصيته والوقوع فيما يسخطه كما قال بعض السلف: "من كان بالله أعرف كان منه أخوف" ، والله جل وعلا يقول : ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾فاطر:28ولهذا مما يطرد الهم والغم والحزن أن يعرف العبد ربه ويعرف أسماءه وصفاته ويتوسل إليه سبحانه بها وهذا مستفاد من قول النبي صلى الله عليه وسلم:(أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ )
أما الأصل الرابع : فهو العناية بالقرآن الكريم كلام الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، الذي فيه الهداية والشِّفاء والغناية والكفاية والسداد ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ الإسراء:9وكلما كان العبد عظيم العناية بالقرآن الكريم تلاوةً وحفظاً ومذاكرةً وتدبراً وتطبيقا كان ذلك من أعظم أسباب انشراح صدره وذهاب همه وانجلاء حزنه وغمّه ، وهذا مستفاد من قوله عليه الصلاة والسلام: (أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي) .
فهذه - - أصول أربعة مستفادةٌ من هذا الحديث العظيم ينبغي علينا أن نتأملها وأن نسعى في تطبيقها ، وأن نحفظ هذا الدعاء المبارك الذي أرشد إليه نبينا صلى الله عليه وسلم ودل الأمة عليه بل رغّب في حفظه وتعلُّمه. وأسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا وإياكم لكل خير وأن يهدينا سواء السبيل ، وأن يشرح صدورنا ويزيل همومنا وغمومنا ، وأن يكتب لنا السعادة في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه
اعلموا أن سعادة العبد في هذه الحياة وزوال الكرب عن قلبه إنما يتحقق بتوحيد الله وإخلاص الدين له سبحانه وتعالى ، وقد جاء في سنن أبي داود بإسناد ثابت عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّمها كلمات تقال عند الكرب أو تقال في الكرب : ( اللَّهُ اللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ) فهي كلمة عظيمة يقولها المسلم عندما يصاب بالكرب ، وهي توحيدٌ وإخلاص وإيمانٌ وإذعان وبُعدٌ عن الشرك كله صغيره وكبيره ، ولهذا عباد الله ما زالت الكربات عن العبد بمثل توحيد الله وإخلاص الدين له وتحقيق العبادة التي خلق العبد لأجلها وأوجد لتحقيقها ؛ فإن القلب عندما يُعمر بتوحيد الله وإخلاص الدين له تذهب عنه الكربات وتزول عنه الغموم والشِّدات ويسعد غاية السعادة ،
إرسال تعليق