ظل الأب ورفيق القلب بقلم الاستاذ الدكتور إبراهيم محمد مرجونة

ظل الأب ورفيق القلب بقلم الاستاذ الدكتور إبراهيم محمد مرجونة


مقال بعنوان: ظل الأب ورفيق القلب 
بقلم ا.د إبراهيم محمد مرجونة 

الأخ الأكبر... الأب الذي لم يولد أبًا.
 في زوايا البيوت القديمة، حيث تتشابك الذكريات مع أنفاس الجدران، ثمة رجلٌ يمشي بيننا دون أن نراه حقًا. رجلٌ لم تمنحه الحياة لقب "أب"، لكنه حمل عباءته الثقيلة دون أن يطلب منه أحد. إنه الأخ الأكبر؛ ذلك الكائن الذي تآمر عليه القدر ليكون ظهرًا للجميع، ودرعًا لا يصدأ مهما اشتدت العواصف، بتواجد في كل المواقف صغيرها وكبيرها مدقق في التفاصيل.

حينها يصبح الأخ أبًا للعائلة بكاملها وليس فقط لإخوته وأخواته.

قطعا رحيل الأب حدثٌ يغيّر خارطة الأسرة إلى الأبد. فجأة، تقفز الأقدار بالأخ الأكبر إلى مقعد القيادة، دون سابق إنذار أو تدريب. يقول ألبير كامو:
"في أعماق الشتاء، أدركت أن في داخلي صيفًا لا يقهر."
وهكذا كان الأخ الأكبر، حين أظلمت الدنيا في عيون الصغار و الكبار، أضاء لهم شمعة من روحه، ووقف شامخًا رغم ارتجاف قلبه.

فالتضحية ليست ضجيجًا ولا خطبًا عصماء. التضحية هي أن تبتسم في وجه الحياة، بينما تلتهمك همومك في الخفاء. الأخ الأكبر هو ذاك البطل الصامت، الذي لا يكتب اسمه في سجل الأبطال، لكنه يغيّر مصائر من حوله كل يوم.
يقول سقراط:
"الفضيلة لا تحتاج إلى شاهد، يكفي أنها ضمير الإنسان."
وهذا الضمير هو ما يدفعه ليؤثر إخوته على نفسه، ويؤجل أحلامه ليحقق أحلامهم، ويخوض معارك الحياة وحده كي لا تجرحهم سهامها ، ليس سهلًا أن تكون مثاليًا في عالمٍ يضج بالنقصان. 
الأخ الأكبر يتعلم مبكراً  أن عليه أن يكون قويًا، عادلًا، حكيمًا، وأحيانًا قاسيًا كي يحمي من يحب. يراقب الله في كل خطوة، ويستحضر وصايا الأب الراحل في كل قرار. وكما قال سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام 
"خيركم خيركم لأهله"، فهذا الحديث يتردد في قلبه كلما شعر بالتعب أو الحيرة، فيجد فيه عزاءً وقدرة على الاستمرار.
فكم من مرةٍ أخفى دموعه في عتمة الليل؟ كم من مرةٍ ابتلع صرخته كي لا يسمعها أحد؟
يقول دوستويفسكي:
"القلوب العظيمة، وحدها تعرف كيف تحتمل الألم في صمت."
الأخ الأكبر لا يشكو، ولا يطلب، ولا ينتظر. يكفيه أن يرى إخوته يضحكون لينسى كل ما أثقل روحه.

فهو بطل الظل... الذي لا يصفق له أحدفي زمنٍ يلهث خلف الأبطال المزيفين، يبقى الأخ الأكبر بطلًا حقيقيًا بلا جمهور. يكتفي بأن يكون الجدار الذي يستند إليه الجميع، واليد التي تمسح الدموع، والصوت الذي يهمس بالأمل حين يصمت العالم.

ربما آن لنا أن نلتفت لهذا البطل الخفي، أن نشكره، أن نحتضنه، أو على الأقل... أن نكتب عنه، وهنا أقوالها اهداني الله الأخ الأكبر والاب الحنون"المهندس السيد" اسما وطبعاً  ففي وجوده، تنحسر المخاوف كأنها لم تكن، ويزهر القلب طمأنينة؛ فهو وطن صامت وجنة تُفتح أبوابها كلما ضاق العالم.
الأخ الأكبر: كان وسيظل، في كل بيت، حكاية بطولة لا تنتهي.

اكتب تعليق

أحدث أقدم