كرة الثلج وعالم "Frozen"بقلم ا.د إبراهيم محمد مرجونة

كرة الثلج وعالم "Frozen"بقلم ا.د إبراهيم محمد مرجونة


هناك عوالم صغيرة لا تُخلق إلا في الخيال، أو في كرة ثلجية شفافة، مثل تلك التي نجدها في لعبة Frozen فهى عبارة عن فتاة ترتدي فستانًا أزرق وعباءة وردية، تقف في سكون بجوار غزال صغير، محاطة بجدران من زجاج، فوق أرض بيضاء لا تعرف الذوبان. من الخارج، تبدو الصورة كاملة، جميلة، خالية من العيوب، كأنها لحظة أبدية لا تمسها يد الزمن.
حقا وبنظرة تأملية لهذه الفتاة ومحيطها المتواجدة فيه يبدو لنا تساؤل مهم هل الجمال واقعي كما عكسته الصورة الخارجية ؟! ربما.

لكن، ماذا لو نظرنا أعمق؟
فكرة الثلج ليست مجرد قطعة ديكور، بل هي استعارة مكثفة لفلسفة العزلة والحماية والهشاشة في آن واحد. إنها عالم كامل، لكنه مغلق، محكوم بقوانين لا تتغير إلا بفعل قوة خارجية تهزّه. في كل مرة نرج الكرة، تتساقط الثلوج الصغيرة، وتدور الحكاية من جديد، ثم تعود الأشياء إلى سكونها. أليس هذا ما يحدث في قصة "Frozen" نفسها؟

الحرية والخوف: ثنائية الجليد والروح
في "Frozen"، تسعى إلى التحرر من خوفها، لكنها تختار العزلة في قصرها الجليدي، ظنًا منها أن الانفصال عن العالم هو السبيل الوحيد لحماية الآخرين من قوتها. كرة الثلج هنا تصبح رمزًا لهذا القصر الداخلي: مكان آمن، لكنه في الحقيقة سجن شفاف. الجليد يحمي، لكنه أيضًا يعزل.
تمامًا مثلما تحبس الكرة الثلجية الجمال والبراءة داخلها، تحبس  (إلسا) مشاعرها الحقيقية، وتخشى أن تذوب أمام حرارة الحب أو القبول.

أما (آنا )، فتمثل الشجاعة في مواجهة العزلة، والرغبة في كسر الجدران الزجاجية، حتى لو كان الثمن مواجهة العواصف. هي الروح التي لا ترضى بالسكون، بل تبحث عن الدفء وسط البرد، عن الحركة وسط الركود، عن الحياة وسط الجمود.

الزجاج والواقع: هشاشة العالم المثالي
الزجاج الذي يحيط بكرة الثلج شفاف، لكنه حاجز لا يمكن عبوره. هو يتيح لنا رؤية العالم المثالي، لكنه يمنعنا من لمسه أو تغييره. أليس هذا هو حال الكثير من أحلامنا؟ نراها واضحة، قريبة، لكنها تظل بعيدة، محبوسة خلف جدران من الخوف أو العجز أو الأعراف.

في الفلسفة الوجودية، يُقال إن الإنسان يبحث عن معنى في عالم قاسٍ وبارد. كرة الثلج تجسد هذا البحث: محاولة خلق عالم صغير يمكن السيطرة عليه، عالم لا يتغير إلا بإرادتنا، لكنه في النهاية هش، قابل للكسر في أي لحظة.
الثلج المتساقط في الكرة يرمز إلى لحظات الجمال العابرة، التي لا تدوم إلا قليلاً، ثم تعود الأشياء إلى سكونها ورتابتها.

الحب كقوة كسر الجليد
في "Frozen"، لا يتحرر العالم إلا عندما تتغلب آنا على الخوف وتضحي بنفسها من أجل أختها، فيذوب الجليد وتعود الحياة. الحب هنا هو القوة الوحيدة القادرة على كسر الحواجز، على إذابة الجليد، على تحويل السكون إلى حركة.
كرة الثلج، رغم جمالها، تظل ناقصة ما لم تمتد إليها يد دافئة من الخارج، تذكرها بأن العالم الحقيقي ليس في العزلة، بل في التواصل والمشاركة.

وفي الأخير: كرة الثلج المستوحاة من "Frozen" ليست مجرد تذكار لطفولة أو ذكرى لفيلم، بل هي دعوة للتأمل في معنى الأمان، ومعنى الحرية، ومعنى أن نواجه مخاوفنا بدل أن نحبسها في قصر من جليد أو زجاج.
هي تذكير بأن الجمال الحقيقي في الحياة ليس في اللحظات المجمدة، بل في تلك التي نعيشها بكل ما فيها من دفء وبرودة، حركة وسكون، خوف وحب.
ومن رباعيات العم صلاح جاهين بيقول:
فارس وحيد جوه الدروع الحديد
رفرف عليه عصفور وقال له نشيد
منين .. منين.. و لفين لفين يا جدع
قال من بعيد و لسه رايح بعيد
عجبي !!


اكتب تعليق

أحدث أقدم