30 يونيوبقلم /آية محمود رزق

30 يونيوبقلم /آية محمود رزق

 لم يكن يومًا عاديًا في تاريخ مصر، بل كان زلزالًا سياسيًا ومجتمعيًا هائلًا، خرج فيه ملايين المصريين من صمتهم ليعيدوا تشكيل مصير وطنهم. هو ليس فقط تاريخًا محفورًا في ذاكرة الأمة، بل لحظة مفصلية كشفت عن أعماق الوعي الشعبي، وعن تلك القدرة المتجذرة في المصري على مقاومة الانجراف نحو الضياع مهما حاولت التيارات أن تُغرِق سفينته.
بعد ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بنظام استمر لثلاثة عقود، دخلت مصر مرحلة انتقالية مليئة بالآمال والتحديات. لكن سرعان ما تبيّن للكثيرين أن الثورة قد سُرقت، وأن الجماعة التي أمسكت بالحكم في 2012 (جماعة الإخوان المسلمين) لم تكن على قدر حلم الثورة، ولا على مستوى الدولة العميقة، ولا حتى على وعي بطبيعة الشعب المصري.
خلال عام من حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، بدأ الإحباط يتسلل إلى نفوس المصريين، بعدما شعروا أن السلطة تُستغل لأهداف أيديولوجية ضيقة، وأن الدولة تُفرغ من مؤسساتها لصالح تنظيم عابر للحدود. ازدادت الأزمات، وتدهورت الخدمات، وشاعت لغة التخوين والتكفير ضد المعارضين، بينما ضاق الناس بقبضة سياسية تحمل قشرة ديمقراطية ولكنها تخفي مشروعًا استبداديًا.
30 يونيو: الشعب ينقلب على المسار
في مشهد تاريخي غير مسبوق، خرج أكثر من 30 مليون مصري إلى الشوارع في جميع المحافظات يطالبون برحيل مرسي وإنهاء حكم الإخوان. لم تكن مجرد مظاهرات، بل كانت انتفاضة شعبية سلمية ضد ما رآه الناس خطرًا وجوديًا على هويتهم ودولتهم.
لم يكن ذلك اليوم مجرد لحظة غضب، بل كان تعبيرًا عن وعي جمعي قرر أن يحمي الدولة الوطنية من السقوط في فخ "التمكين" الذي مارسته الجماعة، والذي بدا كأنه يرمي إلى بناء دولة داخل الدولة.
تدخل الجيش... لحماية الدولة أم إرادة الشعب؟
في 3 يوليو 2013، تدخل الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي آنذاك، وأعلن عزل محمد مرسي، استجابة للملايين في الشوارع. وبينما وصف البعض ما حدث بأنه "انقلاب عسكري"، رآه قطاع كبير من الشعب بمثابة "تصحيح لمسار الثورة"، وإنقاذ للبلاد من الفوضى والانقسام.
ذلك الحدث أعاد رسم ملامح المشهد السياسي، وبدأت مصر في الدخول إلى مرحلة جديدة من بناء الدولة ومحاربة الإرهاب، خاصة بعد موجة العنف التي تلت عزل مرسي، والتي كشفت عن الوجه الحقيقي للجماعة والتنظيمات الموالية لها.
ما بعد 30 يونيو: التحديات والآمال
لم يكن الطريق بعد 30 يونيو مفروشًا بالورود. واجهت الدولة المصرية تحديات جسيمة: من الحرب على الإرهاب، إلى استعادة الأمن، ثم إطلاق مشروعات تنموية ضخمة وإعادة هيكلة الاقتصاد.
ورغم كل الانتقادات والآراء المختلفة حول بعض السياسات أو الممارسات، فإن أحدًا لا يستطيع أن ينكر أن ما حدث في 30 يونيو كان نقطة تحول كبرى أنقذت مصر من مصير مجهول، ربما كان سيفككها كما فُكِّكت دول أخرى في الإقليم.
30 يونيو ليس انتصارًا سياسيًا فقط، بل درس تاريخي في أن الشعوب لا تنام طويلًا، وأن مصر، برغم ما قد تمر به من كبوات، تملك دائمًا ذلك النبض الحي الذي يثور عندما يُهدد كيانها أو تُشوَّه هويتها.
هو يوم أضاء فيه الشعب المصابيح في وجه الظلام، يوم قال فيه المصريون: "نحن هنا، وسنظل نحرس هذا الوطن مهما كانت التكلفة."

اكتب تعليق

أحدث أقدم