بقلم / المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي ,
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم بيّن لنا، فقال: «إن في أيام ربكم نفحات، فتعرضوا لنفحات الله». وهذه الأيام التي نعيش فيها من نفحات ربنا سبحانه وتعالى، فهي أيام عبادة، وهي أيام ذكر، وأيام فرح، وأيام وحدة، وهي أيامٌ يعتز بها المسلم، فهي من أيام الله.
غدًا الخميس بإذن الله تعالى، يقف الحجيج على عرفة، و «الحج عرفة»؛ فهو ركنٌ يفوت الحج على الحاج إذا تركه، ركنٌ من أركان الحج. يذهبون هناك فيصلون الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، تقديمًا، في عرفة، والإمام يخطب بهم في مسجد نَمِرة، في وادي عُرَنة، ووادي عُرَنة ليس من عرفات، فلا يجوز الوقوف فيه، وبعد ما ينتهي المسلمون ممن صلوا مع الإمام، ينتقلون خطوةً واحدة فيكونون في عرفة، فبين نَمِرة وعرفة خطٌ واحد. يقفون من أجل الذكر، وقراءة القرآن، والدعاء، والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى، وتنقية القلوب. يقفون، فتتباهى بهم الملائكة، وقد تجردوا من ثيابهم، يقفون لتتعلق قلوبهم الضارعة برب العالمين.
تتعلق القلوب، ابتداءً من صلاة الظهر، تعلّقًا خاصًّا، ولذلك ونحن هنا نصوم هذا اليوم، ولا يُستحب الصيام للحاج حتى يتقوّى على أعمال الحج وعلى الذكر، ولكن يُستحب الصيام لنا هنا، نشارك إخواننا التضرع إلى الله. فغدًا من وظائفه أن تصومه، وللصائم دعوةٌ مستجابة، وللصائم فرحتان. وبعد ظهر الغد، إن شاء الله، نبدأ تكبير العيد: «الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله،
الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد».
وهكذا كان يُكبّر سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ولم يرد تكبيرٌ مخصوصٌ بهيئةٍ وصيغةٍ مخصوصة عن سيدنا ﷺ، ولذلك توسّع المجتهدون، ولما دخل الشافعي مصر، فوجدهم يُكبّرون الله سبحانه وتعالى هذا التكبير البديع الذي نُكبّره إلى يوم الناس هذا: «الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلا، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون»، ثم زادوا عليها الصلاة على النبي ﷺ، فصلوا عليه، وعلى أهله، وعلى أزواجه، وعلى أنصاره، وعلى أتباعه، وعلى ذريته إلى يوم الدين. فاستحسن الشافعي ذلك، وقال: «فإن كبّروا بما يُكبّر الناس عليه اليوم، فحسن». فسار المصريون على هذه السنة، وشاعت عنهم. وهكذا نُكبّر بعد كل صلاة، ابتداءً من ظهر غدٍ إن شاء الله تعالى، وهو يوم عرفة، حيث ينتهي المسلمون من صلاة الظهر والعصر مع الإمام، ثم يدخلون عرفة غدًا، ابتداءً من الظهر وانتهاءً بالمغرب، يجمعون بين لحظةٍ من النهار ولحظةٍ من الليل، ثم يدفعون إلى المزدلفة.
وفي هذه المدة وتلك الساعات، فالوظيفة لهم الدعاء والذكر، والوظيفة عندنا أيضًا الدعاء والذكر. فغدًا نصوم إن شاء الله، ونُكبّرابتداءً مما بعد صلاة الظهر، بعد كل صلاة، إلى عصر آخر يومٍ من أيام التشريق الثلاثة، أي بعد عصر رابع يومٍ من أيام العيد. ومن وظائف أيام التشريق أن نُفطر فيها؛ قال رسول الله ﷺ: «هذه أيام أكلٍ وشرب»، وحرّم فيها الصيام، فنهى عن صيام خمسة أيام: عن يوم عيد الفطر، وعن يوم عيد الأضحى، وثلاثة أيام التشريق. ونهيُه هنا حُمل عند العلماء على الوجوب، فالصيام- تلك الأيام- حرام. فهي أيام أكلٍ وشرب، وأيام عبادة، وفي الوقت نفسه يفرح المسلم بالعبادة، ويفرح بشيءٍ من اللهو البريء، لأن هذا يوم عيد، وتلك أيام أكلٍ وشرب.
إرسال تعليق