الإهمال العاطفي
✍️بقلم /آية محمود رزق
حين يصبح الصمت قاتلًا والحب ضحية
العلاقات الإنسانية، وعلى رأسها العلاقة بين الشريكين، ليست مبنية فقط على الحب، بل على الرعاية والاهتمام والتواصل. فالحب في جوهره ليس شعورًا صامتًا يسكن القلب، بل هو فعلٌ يُترجم بالكلمات، بالنظرات، بالاحتواء، والوقوف إلى جانب من نحبهم وقت الحاجة.
وإن كان الحب بذرة تُزرع في القلب، فإن الاهتمام هو الماء الذي يُبقيها حيّة. فكم من علاقات ماتت، لا بسبب الخيانة، ولا بسبب الكراهية، بل لأن أحد الطرفين قرر أن يتعامل مع الحب وكأنه لا يحتاج إلى تغذية. قرر أن يُهمِل.. وظنّ أن الطرف الآخر سيبقى إلى الأبد.
أولًا: ما هو الإهمال العاطفي؟
الإهمال لا يعني فقط الغياب الجسدي، بل هو الغياب الوجداني.
هو أن تكون موجودًا في حياة شريكك، لكنك لا تسأل، لا تُصغي، لا تُشارك، لا تُلاحظ، لا تُقدّر.
أن يمر عليه يومٌ صعب، وأنت لا تدري.
أن يُرهقه التعب، وأنت لا تهتم.
أن يتكلم، ولا تجد منه من يسمعه.
فلا تظنن أن الإهمال فعل سلبي فقط، بل هو سلوك قاتل يتسلل إلى العلاقة بهدوء، ويبدأ بإطفاء وهج الحب حتى يتحول إلى رماد.
ثانيًا: كيف يقتل الإهمال العلاقة؟
1. يقتل الأمان:
في العلاقة الصحية، يشعر كل طرف أنه مُحبوب حتى في أضعف حالاته.
أما في علاقة الإهمال، فكل ضعف يُقابل بالصمت، وكل شكوى تُقابل بالتجاهل.
فيبدأ الطرف المُهمَل بالشعور بعدم الأمان، ويخاف أن يُظهر حزنه، فيدفنه.. ويبتعد.
2. يذبح الثقة بالنفس:
حين لا يُقدّرك من تحب، تبدأ في التشكيك في ذاتك.
تتساءل: هل أنا لا أستحق الاهتمام؟
لماذا لا يلاحظ تعبي؟ لماذا لا يهتم بي كما كنت أتمنى؟
ويبدأ الانهيار الداخلي شيئًا فشيئًا.
3. يصنع الحواجز بدل الجسور:
كل مرة تشعر فيها بالإهمال دون أن تُعاتب، تبني بينك وبين شريكك جدارًا.
وكل صمت جديد، يُضاعف المسافة.
حتى يأتي يوم، تصبح فيه كلمة "أحبك" بلا معنى، لأنك لم تعد تراها تُترجم في الواقع.
ثالثًا: لماذا لا يبرر الانشغال الإهمال؟
الحياة مليئة بالمسؤوليات، ونعلم جميعًا أن ضغوط العمل والأسرة والمجتمع قد تسرق منا الوقت.
لكن.. الاهتمام لا يحتاج إلى ساعات، بل إلى نية صادقة.
رسالة صباحية: "أتمنى لك يومًا جميلًا."
اتصال سريع: "اشتقت إليك، كيف حالك؟"
سؤال بسيط: "هل أنت بخير؟"
قد تُنقذ قلبًا على وشك الانكسار.
فمن يحب لا يتعلل بانشغاله، بل يجد دائمًا طريقة ليُعبّر عن مشاعره، ولو بأبسط الأمور.
فلا تُهمل من يُهتم بك، لأن القلوب حين تُكسر، لا تعود كما كانت.
رابعًا: مواعظ ودروس من الحياة
لا تقتل العلاقة بيدك وأنت تظن أنك لا تؤذي:
في أحيان كثيرة، يكون الصمت أفظع من الصراخ، والتجاهل أقسى من الكلمات الجارحة.
فاحذر أن تكون سببًا في حزن من يحبك وأنت لا تشعر.
اعلم أن القلوب لا تنتظر إلى الأبد:
من يتحملك في لحظات ضعفك، ويُغطي غيابك بالصبر، له طاقة وحدود.
فحين ينسحب، لا تلومه، فقد سبق وأن لامك في قلبه ألف مرة ولم يشعره ضميرك.
لا تُجبر غيرك على الصبر، دون أن تصبر أنت عليه:
كثيرًا ما يقول البعض: "اصبري، أنا هكذا."
ولكن ماذا عن الطرف الآخر؟ من يصبر عليه؟ من يسمعه؟ من يحتويه؟
خامسًا: كيف نحمي العلاقة من الموت البطيء؟
1. بالكلمة الطيبة:
الكلمة اللطيفة تُحيي القلوب. لا تبخل بها، فهي لا تكلّف شيئًا، لكنها تُحدث فرقًا.
2. بالمبادرة:
لا تنتظر أن يشكو الطرف الآخر. بادر بالسؤال، بادر بالاهتمام، بادر بالاحتضان.
3. بالحضور القلبي لا الجسدي فقط:
لا يكفي أن تكون في نفس المكان، بل كن حاضرًا بمشاعرك، بعينك، بتفكيرك.
4. بالاعتراف والتغيير:
لا عيب في أن تعترف بتقصيرك، بل العيب أن تستمر فيه.
فمن يعترف بخطئه ويسعى للتغيير، يُحيي ما مات.
في النهاية، لا تموت العلاقات القوية بسبب الخلافات، ولا تنتهي بسبب الصعوبات، بل غالبًا ما تذبل بسبب الإهمال.
حين نكفّ عن السؤال، عن الاستماع، عن التقدير، عن التعبير.
فإن كنت تحب، فأظهر.
وإن كنت تُقدّر، فأعلن.
وإن كنت تخاف الفقد، فحافظ.
ولا تكن سببًا في موت قلب أحبك يومًا دون شروط، فقط لأنه انتظر منك اهتمامًا لم يأتِ.
إرسال تعليق