رئيس اتحاد الوطن العربى الدولى يؤكد أن القناعة طريق إلى السعادة
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
خلق عظيم من أخلاق الإسلام، من تخلق بهذا الخلق اطمأن قلبه، وهدأت نفسه، وسلمت من الحرام جوارحه، نعيش مع خلق من أخلاق الأنبياء، وسمة من سمات الأتقياء، وصفة من صفات أهل الفوز والفلاح، إنه خلق القناعة، فما أجمل القناعة، وما أسعد أهلها! لو تحلى بها الناس لزالت منهم الضغائن والأحقاد، وحفت بينهم الألفة والمودة؛ فإنّ ما يقع فيه الناس من خلاف وشقاق سببه الدنيا والتنافس عليها، سببه ضعف القناعة والرضا في القلوب، وصدق رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حينما قال: "والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تُبْسَط الدنيا عليكم؛ كما بُسِطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم " متفق عليه.
فما فشا الجشع والطمع إلا عندما غابت القناعة، وما اكتوت الشعوب والمجتمعات بنيران الحسد والكراهية والبغضاء إلا بسبب فقدان القناعة، وما كثرت السرقات والصراعات في كثير من الدول والمجتمعات إلا بسبب غياب القناعة.
قد يسأل سائل ويقول: ماهي القناعة حتى نتصف بها؟
القناعة هي الرضا بما قسمه الله وأعطاه، هي استغناء بالحلال عن الحرام، القناعة هي امتلاء القلب بالرضا وعدم التسخط والشكوى.
إن القناعة لا تعني بالضرورة أن يكون العبد فقيراً، فالغني أيضاً محتاج إلى القناعة، كما أن الفقير بحاجة إلى القناعة، فقناعة الغني أن يكون شاكرا راضيا، قناعته أن تكون الدنيا في يده لا في قلبه؛ حتى لا يكون عبدا لها، أما الآخرة فتكون في قلبه، فكم من صاحب مال وفير رُزق القناعة، فلا يغش في تجارته، ولا يمنع الأجير حقه، ولا يذل نفسه للناس من أجل مال أو منصب أو جاه، ولا يمنع زكاة ماله، إن ربح شكر، وإن خسر رضي، فهذا هو القنوع ولو ملك قصور كسرى وقيصر، ولو ملك مال قارون.
وقناعة الفقير، أن يكون راضيا بما قسم الله له، مستسلما لأمر الله، لا ساخطا ولا شاكيا، ولا جزعا من حالِه، ولا غاضبا على رازقه، قناعته ألا يتطلع إلى ما في أيدي الآخرين، قناعته أن يكون عفيفا متعففا، وأن لا يرتكب الحرام من أجل الحصول على لقمة العيش.
القناعة طريق السعادة والفلاح:
جُبِلَ الإنسان على حب الخير لنفسه، والتسخط وعدم الرضا بما في يده، والحرص على أن يكون أعلى من غيره، أو ليس أحدٌ أعلى منه، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾ [العاديات:8]، وقال: ﴿ إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ﴾ [المعارج: 19-21]، ومن كان كذلك فإنه لا ينال السعادة الحقيقية، لأنه إن كمُل في شيء فلا بد أن يقصر في شيءٍ آخر، وإن فاق غيره في أمرٍ ما فإن غيره قد يفوقه في أمرٍ آخر، ويأبى الله إلا أن يكون الكمال مختصاً به -جل جلاله-، ولكن هناك أمرٌ مهم مَنْ حصَّله نال السعادة ألا وهو الرضا والقناعة بما قسم الله له، فمن ملك القناعة عاش في راحة بال، وطمأنينة النفس، وانشراح الصدر، وذهاب الهموم والنكد والكدر.
ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على القناعة، وبيّن أنها طريق إلى السعادة والفلاح، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قال: قال عليه الصلاة والسلام: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ". أخرجه مسلم.
وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا". أخرجه الترمذي وابن ماجة وحسنه الألباني.
القناعة طريق إلى الحياة الطيبة:
فيا من أتعبت نفسك من أجل أن تنال الحياة الطيبة المطمئنة؛ عليك بالقناعة، فإن الحياة الطيبة الهادئة في القناعة.
قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، وقد ورد عن علي وابن عباس والحسن رضي الله عنهم أنهم قالوا: "الحياة الطيبة هي القناعة".
خذ القناعة من دنياك وارض بها
لو لم يكن لك إلا راحة البدن
وانظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها
هل راح منها بغير القطن والكفن
من أراد طلب الغنى فليطلبه بالقناعة:
قال صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "ليس الغِنَى عن كثرة العرَض، ولكن الغِنى غِنى النفس" متفق عليه.
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يأخذ عني هؤلاء الكلمات، فيعْمَل بهن، أو يُعَلم مَن يعمَل بهن"؟ فقال أبو هريرة: فقلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدّ خمسا، وقال: "اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب". أخرجه الإمام أحمد والترمذي والطبراني، وحسنه الألباني.
قال سعد بن أبي وقاص لابنه: يا بني: إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة، فإنها مال لا ينفد؛ وإياك والطمع فإنه فقر حاضر.
من أراد الرفعة والمكانة بين الناس، فعليه بالقناعة:
كما جاء في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئتَ فإنكَ ميّت، وأحبِب مَن أحببت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزّهُ استغناؤه عن الناس". رواه الحاكم وصححه، والطبراني والبيهقي. وصححه الألباني.
هل هناك منزلة أعظم من أن يحبك الله ويحبك الناس؟!
تعالوا بنا لننهل من أقوال المصطفى عليه الصلاة والسلام وهو يبن لنا المنزلة الرفيعة التي ينالها صاحب القناعة في الدارين، فعن سهل بن سعد الساعدي قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس؛ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك". أخرجه الحاكم وابن ماجة والطبراني، وصححه الألباني.
لنا في رسول الله قدوة حسنة في القناعة:
أعظم نموذج في القناعة والرضا؛ هو الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهو القدوة والأسوة في كل خلق جميل. فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قنوعاً زاهداً راضيا صابرا محتسبا، كان أبعدَ الناس عن ملذات الدنيا، وأشدهم رغبة في الآخرة. وكيف لا يكون كذلك ورب العالمين سبحانه يخاطبه بقوله: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾.
فيا مَن تشكو من توالي الهموم والأحزان، من قلة المال، من الفقر والحاجة... كن راضيا صابرا محتسبا قنوعا، ولتكن لك في رسول الله أسوة حسنة وقدوة طيبة؛ انظر إلى طعامه، وانظر إلى فراشه ولباسه، وانظر إلى مسكنه، لتدرك أنك في نعم كثيرة وخيرات وافرة.
ففي صحيح مسلم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين".
وروى مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ((دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجعٌ على حصيرٍ، فجلست، فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أنا بقبضةٍ من شعيرٍ نحو الصاع، ومثلها قرظًا في ناحية الغرفة، وإذا أفيقٌ معلقٌ، قال: فابتدرت عيناي، قال: ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي، وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصفوته، وهذه خزانتك، فقال: يا ابن الخطاب، ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟، قلت: بلى.. )). (القَرَظ) هو ورَق السَّلَم تدبغ به الجلود. (أفيق) جلد لم يدبغ.
سؤال يهمنا جميعا، كيف نكتسب خلق القناعة، وما الطريق إليه؟
نكتسب هذا الخلق بالإيمان واليقين الجازم من أن الله هو الرزاق، وأنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، وأبشركم جميعا بهذا الحديث لتطمئن النفوس، عَنْ جابرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ هَرَبَ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَهَرَبُ مِنَ الْمَوْتِ؛ لَأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كَمَا يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ)) السلسلة الصحيحة: (952).
يقول عامر بن عبد قيس رضي الله عنه: "أربع آيات من كتاب الله إذا قرأتهن مساء لم أبال على ما أمسي، وإذا تلوتهن صباحًا لم أبال على ما أصبح: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [فاطر: 35]، وقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾
[يونس: 107]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6] وقوله تعالى: ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7].
الطريق إلى القناعة يكون بمعرفة حقيقة هذه الحياة، وأنها إلى زوال، وأن متاعها إلى فناء، فلا يفرح غنيّ حتى يطغى ويَبطر، ولا ييأس فقير حتى يعصي ويكفر، فإنه لا فقر يدوم، ولا غنى يدوم، وسندخل قبورنا بثياب بيضاء، الكل سواسي لا فرق بين غني وفقير، ولا كبير ولا صغير، ولا رئيس ولامرؤوس، إلا بالتقوى.
إذا أردنا أن يرزقرئيس اتحاد الوطن العربى الدولى يؤكد أن القناعة طريق إلى السعادة
بقلم \ الكاتب و المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد اللطيف
المدير التنفيذى لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا , والمدير التنفيذى للأكاديمية الملكية للأمم المتحدة
خلق عظيم من أخلاق الإسلام، من تخلق بهذا الخلق اطمأن قلبه، وهدأت نفسه، وسلمت من الحرام جوارحه، نعيش مع خلق من أخلاق الأنبياء، وسمة من سمات الأتقياء، وصفة من صفات أهل الفوز والفلاح، إنه خلق القناعة، فما أجمل القناعة، وما أسعد أهلها! لو تحلى بها الناس لزالت منهم الضغائن والأحقاد، وحفت بينهم الألفة والمودة؛ فإنّ ما يقع فيه الناس من خلاف وشقاق سببه الدنيا والتنافس عليها، سببه ضعف القناعة والرضا في القلوب، وصدق رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم حينما قال: "والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تُبْسَط الدنيا عليكم؛ كما بُسِطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم " متفق عليه.
فما فشا الجشع والطمع إلا عندما غابت القناعة، وما اكتوت الشعوب والمجتمعات بنيران الحسد والكراهية والبغضاء إلا بسبب فقدان القناعة، وما كثرت السرقات والصراعات في كثير من الدول والمجتمعات إلا بسبب غياب القناعة.
قد يسأل سائل ويقول: ماهي القناعة حتى نتصف بها؟
القناعة هي الرضا بما قسمه الله وأعطاه، هي استغناء بالحلال عن الحرام، القناعة هي امتلاء القلب بالرضا وعدم التسخط والشكوى.
إن القناعة لا تعني بالضرورة أن يكون العبد فقيراً، فالغني أيضاً محتاج إلى القناعة، كما أن الفقير بحاجة إلى القناعة، فقناعة الغني أن يكون شاكرا راضيا، قناعته أن تكون الدنيا في يده لا في قلبه؛ حتى لا يكون عبدا لها، أما الآخرة فتكون في قلبه، فكم من صاحب مال وفير رُزق القناعة، فلا يغش في تجارته، ولا يمنع الأجير حقه، ولا يذل نفسه للناس من أجل مال أو منصب أو جاه، ولا يمنع زكاة ماله، إن ربح شكر، وإن خسر رضي، فهذا هو القنوع ولو ملك قصور كسرى وقيصر، ولو ملك مال قارون.
وقناعة الفقير، أن يكون راضيا بما قسم الله له، مستسلما لأمر الله، لا ساخطا ولا شاكيا، ولا جزعا من حالِه، ولا غاضبا على رازقه، قناعته ألا يتطلع إلى ما في أيدي الآخرين، قناعته أن يكون عفيفا متعففا، وأن لا يرتكب الحرام من أجل الحصول على لقمة العيش.
القناعة طريق السعادة والفلاح:
جُبِلَ الإنسان على حب الخير لنفسه، والتسخط وعدم الرضا بما في يده، والحرص على أن يكون أعلى من غيره، أو ليس أحدٌ أعلى منه، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ﴾ [العاديات:8]، وقال: ﴿ إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ﴾ [المعارج: 19-21]، ومن كان كذلك فإنه لا ينال السعادة الحقيقية، لأنه إن كمُل في شيء فلا بد أن يقصر في شيءٍ آخر، وإن فاق غيره في أمرٍ ما فإن غيره قد يفوقه في أمرٍ آخر، ويأبى الله إلا أن يكون الكمال مختصاً به -جل جلاله-، ولكن هناك أمرٌ مهم مَنْ حصَّله نال السعادة ألا وهو الرضا والقناعة بما قسم الله له، فمن ملك القناعة عاش في راحة بال، وطمأنينة النفس، وانشراح الصدر، وذهاب الهموم والنكد والكدر.
ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على القناعة، وبيّن أنها طريق إلى السعادة والفلاح، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قال: قال عليه الصلاة والسلام: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ". أخرجه مسلم.
وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا". أخرجه الترمذي وابن ماجة وحسنه الألباني.
القناعة طريق إلى الحياة الطيبة:
فيا من أتعبت نفسك من أجل أن تنال الحياة الطيبة المطمئنة؛ عليك بالقناعة، فإن الحياة الطيبة الهادئة في القناعة.
قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]، وقد ورد عن علي وابن عباس والحسن رضي الله عنهم أنهم قالوا: "الحياة الطيبة هي القناعة".
خذ القناعة من دنياك وارض بها
لو لم يكن لك إلا راحة البدن
وانظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها
هل راح منها بغير القطن والكفن
من أراد طلب الغنى فليطلبه بالقناعة:
قال صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "ليس الغِنَى عن كثرة العرَض، ولكن الغِنى غِنى النفس" متفق عليه.
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يأخذ عني هؤلاء الكلمات، فيعْمَل بهن، أو يُعَلم مَن يعمَل بهن"؟ فقال أبو هريرة: فقلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعدّ خمسا، وقال: "اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب". أخرجه الإمام أحمد والترمذي والطبراني، وحسنه الألباني.
قال سعد بن أبي وقاص لابنه: يا بني: إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة، فإنها مال لا ينفد؛ وإياك والطمع فإنه فقر حاضر.
من أراد الرفعة والمكانة بين الناس، فعليه بالقناعة:
كما جاء في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئتَ فإنكَ ميّت، وأحبِب مَن أحببت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزّهُ استغناؤه عن الناس". رواه الحاكم وصححه، والطبراني والبيهقي. وصححه الألباني.
هل هناك منزلة أعظم من أن يحبك الله ويحبك الناس؟!
تعالوا بنا لننهل من أقوال المصطفى عليه الصلاة والسلام وهو يبن لنا المنزلة الرفيعة التي ينالها صاحب القناعة في الدارين، فعن سهل بن سعد الساعدي قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس؛ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك". أخرجه الحاكم وابن ماجة والطبراني، وصححه الألباني.
لنا في رسول الله قدوة حسنة في القناعة:
أعظم نموذج في القناعة والرضا؛ هو الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهو القدوة والأسوة في كل خلق جميل. فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قنوعاً زاهداً راضيا صابرا محتسبا، كان أبعدَ الناس عن ملذات الدنيا، وأشدهم رغبة في الآخرة. وكيف لا يكون كذلك ورب العالمين سبحانه يخاطبه بقوله: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾.
فيا مَن تشكو من توالي الهموم والأحزان، من قلة المال، من الفقر والحاجة... كن راضيا صابرا محتسبا قنوعا، ولتكن لك في رسول الله أسوة حسنة وقدوة طيبة؛ انظر إلى طعامه، وانظر إلى فراشه ولباسه، وانظر إلى مسكنه، لتدرك أنك في نعم كثيرة وخيرات وافرة.
ففي صحيح مسلم عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما شبع من خبز وزيت في يوم واحد مرتين".
وروى مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ((دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجعٌ على حصيرٍ، فجلست، فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أنا بقبضةٍ من شعيرٍ نحو الصاع، ومثلها قرظًا في ناحية الغرفة، وإذا أفيقٌ معلقٌ، قال: فابتدرت عيناي، قال: ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي، وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصفوته، وهذه خزانتك، فقال: يا ابن الخطاب، ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟، قلت: بلى.. )). (القَرَظ) هو ورَق السَّلَم تدبغ به الجلود. (أفيق) جلد لم يدبغ.
سؤال يهمنا جميعا، كيف نكتسب خلق القناعة، وما الطريق إليه؟
نكتسب هذا الخلق بالإيمان واليقين الجازم من أن الله هو الرزاق، وأنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها، وأبشركم جميعا بهذا الحديث لتطمئن النفوس، عَنْ جابرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ هَرَبَ مِنْ رِزْقِهِ كَمَا يَهَرَبُ مِنَ الْمَوْتِ؛ لَأَدْرَكَهُ رِزْقُهُ كَمَا يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ)) السلسلة الصحيحة: (952).
يقول عامر بن عبد قيس رضي الله عنه: "أربع آيات من كتاب الله إذا قرأتهن مساء لم أبال على ما أمسي، وإذا تلوتهن صباحًا لم أبال على ما أصبح: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَرئيس اتحاد الوطن العربى الدولى يؤكد أن القناعة طريق إلى السعادة
إرسال تعليق