✍️بقلم /آية محمود رزق
كان اسمه الحقيقي ضبابيًا مثل ملامحه التي لم تُرَ بوضوح قط، لكن الناس أطلقوا عليه اسمًا واحدًا لا يُنسى: الحسيني الفلكي، رجل خرج من العدم، كأنه لم يُولد بل تم استحضاره من عالمٍ خلف الجدران، ظهر في ثمانينيات القاهرة ككائنٍ لا يشبه السحرة الذين يملأون الشوارع بالبخور والدجل، بل كعالمٍ غامض يعرف قوانين الفلك ويستحضر الأرواح وينطق بأسماء لا توجد في أي كتاب بشري، كانت خطواته بطيئة وصوته منخفضًا لكن عينيه تلمعان بشيء يشبه التهديد الصامت، لم يكن يبتسم ولم يكن يتكلم كثيرًا، لكنه كان يُشعر من يقف أمامه أن ما يحدث ليس مجرد جلسة علاج، بل اتفاق مكتوب بلغة لا تُفهم، يقال إنه كان يملك سبعة كتب لم تُطبع أبدًا، كتبها بخط يده بعدما قضى سنوات طويلة في صحارى مجهولة وحده مع الكائنات التي لا تُرى، لم يتعلم السحر بل عاشه، لم يتعامل مع الجن بل أصبح صديقًا لهم أو سيدًا عليهم كما كان يقول، لم تكن طلاسمه تُكتب بالمداد بل بالزئبق المذاب على جلد غزال مذبوح لوجه شيطان لا يُسمى، وكان يقول إن من لا يقدم قربانًا لا يستحق المعلومة، وكان يكتب الأسماء على الجدران ويخفيها تحت الطين ثم يعود ليقرأ ما تغير في الطبيعة، وحين يطلبه الناس، لا يستقبل إلا من يختاره، وكان إذا نظر إلى شخص طويلاً، يشعر هذا الشخص بالدوار والرجفة وربما البكاء بلا سبب، وحين دخل عالم السينما في فيلم عاد لينتقم لم يكن يمثل، كان يفعل ما يفعله كل ليلة، لكنه فعله أمام الكاميرا هذه المرة، التعويذة التي قرأها لم تكن جزءًا من السيناريو بل كانت دعوة حقيقية لقوة حاضرة دائمًا، ومن كان في الكواليس حكى أنهم لم يستطيعوا التنفس أثناء الطقس، وأن الأضواء اهتزت دون أن يُمس شيء، وأن الهواء صار أثقل، كأن الغرفة امتلأت بأرواح خفية تراقب، بعد عرض الفيلم ظهرت أول علامات الرعب، ممثل اختفى، مساعد مخرج دخل في غيبوبة، أجهزة توقفت عن العمل دون تفسير، وما قيل عن منع الفيلم لم يكن رقابة فنية بل خوفًا من شيء لا يُقال، بعد ذلك اختفى الحسيني عدة أشهر وعاد مختلفًا، لم يكن يسير بل ينساب، لم يكن يتكلم بل يُسمع صوته كأن هناك من ينقله، قيل إنه صار يكتب بلغة غير موجودة على الورق، وأنه لا ينام إلا بين سبع شمعات لا تُطفأ، وأنه أصبح يرى من يحدثون عنه في أحلامهم، وأنه بدأ يحذّر تلاميذه من الاقتراب من بابٍ معين داخل بيته، بابٌ خشبي صغير عليه رمزٌ محفور، ومن يفتحه لا يعود، ثم جاء اليوم الأخير حين وجده أحدهم ممددًا وسط دائرة من الطباشير محاطة بتمائم مشتعلة، عيناه مفتوحتان وفمه مبتسم، لكنه كان ميتًا دون أن يكون ميتًا، لا دم، لا صوت، لا أثر لأي اعتداء، فقط وجهه المطمئن كأن أحدًا أخبره مسبقًا باللحظة، وبعد الجنازة التي لم تُقم، تفرّق تلاميذه، اختفى البعض، جنّ البعض، احترق بعض البيوت التي ذُكر اسمه فيها، وصار البيت مهجورًا لا يقترب منه أحد، لأن كل من حاول أن يدخل عاد يحكي عن همسات خلف الجدران وظلال سوداء تلمس الرقبة وتختفي، ومنذ ذلك الحين صار الناس لا يذكرون اسمه إلا همسًا، لا خوفًا منه بل خوفًا من استدعائه، لأنهم يقولون إنه لم يمت، بل انسحب إلى العالم الذي جاء منه أول مرة، وسيعود حين يُنطق اسمه بكامل الصوت.
إرسال تعليق