رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الطفل بين الحياء والخجل

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الطفل بين الحياء والخجل


رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي  يتحدث عن الطفل بين الحياء والخجل
بقلم \   المفكرالعربى الدكتور خالد محمود عبد القوي  عبد اللطيف
مؤسس  ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لا شك فيه أن الله تعالى ذكر كلمة الحياء بصيغ مختلفة في القرآن، ولكن لم يذكر كلمة واحدة عن الخجل.
قال الله عز وجل: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}(البقرة:26).
وقال تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}(القصص:25).
وقال الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}(الأحزاب:53).
وفي السنة الشريفة، هناك العديد من الأحاديث التي تتحدث عن الحياء، كفضيلة لابد من تخلق المسلم بها، مثل قول الرسول الكريم ” صلى الله عليه وسلم” : «الحياء كله خير»(صحيح مسلم)، والحديث بلفظ البخاري: «الحياء لا يأتي إلا بخير» (صحيح البخاري) وقال أيضا «لكل دين خلق، وخلق الإسلام الحياء» (ابن ماجه) وغيرها كثير من الأحاديث.
بينما لم نجد كلمة واحدة تتحدث عن الخجل، وهذا دليل واضح على مدح الحياء، وذم الخجل، فما تعريف كل منهما؟
الحياء لغة
الحياء، الحشمة و«استحى منه»، احتشم، والحياء من الحياة أي نقيض الموت (1).
الحياء اصطلاحا
هو التزام مناهج الفضيلة وآداب الإسلام، كما عرفه العلماء أيضا، بأنه خلق يبعث على اجتناب القبح حتى ولو لم يرك أحد.
الخجل لغة
خجل خجلا: أي استحيا – وفي النبات، كثر والتف (2).
اصطلاحا
«هو اضطراب نفسي يتمثل بانطواء الطفل على ذاته وتجنب مواجهة الآخرين، لخوفه من انتقادهم وسخريتهم، لشعوره بالنقص في جانب ما من شخصيته. وهو نوع من وسائل التعويض لدى الطفل للتكيف مع من حوله» (3).
وبناء على تعريف المفهومين، نقول: إن كثيرا من الناس يظنون أن الحياء هو الخجل، أو أن الخجل جزء من الحياء، ولكن في الحقيقة، إن الخجل عكس الحياء، فسبب الخجل هو شعور بالنقص داخل الطفل، فهو يشعر أنه أضعف من الآخرين أو أن إمكاناته أقل من غيره، ولا يستطيع مجاراتهم ومواجهتهم، وهذا مختلف تماما عن الحياء، فالحياء شعور نابع من الإحساس برفعة وعظمة النفس.. فالنفس الرفيعة العالية تستحي من أن تضع نفسها في الدنايا، فالحيي، يستحي أن يزني أو يكذب، لأنه لا يقبل أن يكون في هذه المهانة، وإن لم يره أحد، لكن الخجول إذا أتيحت له الفرصة دون أن يراه أحد فإنه يفعل.
«فالحياء صفة مطلوبة في الإنسان الذي يعيش في المجتمع الحديث، أما الخجل فهو الصورة المتطرفة الشاذة للحياء» (4).
فمن تمثل الحياء في سلوكه فقد فاز فوزا عظيما، ومن استولى الخجل على حياته فقد أضاع فرصا كثيرة، لأنه يعاني من تدني مستوى الثقة بالنفس التي تؤدي في النهاية لحالة من السلبية.
تربية الأطفال على الحياء وليس على الخجل
يقول علماء النفس عن الطفل: إنه مجموعة من القدرات والاستعدادات والميول، ستتفتح فيما بعد بعامل التوجيه والتربية، وكما لا تستطيع أن تستنبت من بذرة المشمش شجرة للتفاح مهما استعنت بالأساليب الزراعية الحديثة. كذلك لا تستطيع أن تجعل من الطفل مؤدبا، إذا لم تغرس فيه القيم (5).
وأيام الرسول الكريم ” صلى الله عليه وسلم” مع صحابته كانت كلها تربية وتهذيبا للخلق، لأنه قال عن نفسه: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، والحياء، من الخلق الكريم الذي ربى رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” نفوس الصحابة مع أبنائهم عليه، «فهذا رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” يمر على رجل من الأنصار وهو يعاتب أخاه في الحياء، يقول: إنك لتستحيي حتى كأنه يقول: قد أضر بك، فقال رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” دعه، فإن الحياء من الإيمان» (صحيح البخاري).
«والظاهر أن الناهي -الذي يعاتب أخاه- ما كان يعرف أن الحياء من مكملات الإيمان، وكأن الرجل كان كثير الحياء، فكان ذلك يمنعه من استيفاء حقوقه، فعاتبه أخوه على ذلك فقال النبي ” صلى الله عليه وسلم” للمستحيي: «دعه» أي اترك معاتبتك، واعلم أن الحياء من الإيمان» (6).
ولم يترك رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” مناسبة إلا واستغلها في لفت انتباه الصحابة إلى خلق الحياء، «وهذا ابن مسعود يروي لنا أن نبي الله ” صلى الله عليه وسلم” قال ذات يوم لأصحابه: استحيوا من الله حق الحياء، قالوا: إنا نستحي يا نبي الله، والحمد لله، قال: ليس ذلك، ولكن من استحيا من الله حق الحياء، فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء» (الترمذي وأحمد).
وكان الصحابة الكرام يربون أبناءهم على ما رباهم عليه رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” ، فيعززون في نفوس الأطفال خلق الحياء وليس الخجل، أو ما يسمى الحياء السلبي، فهذا ابن عمر ينقل رأي أبيه في هذا الموضوع، عن عبدالله بن عمر أن رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” قال: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مثل المسلم. حدثوني ما هي؟» فوقع الناس في شجر البادية ووقع في نفسي أنها النخلة، قال عبدالله: فاستحييت. فقالوا: يا رسول الله، أخبرنا بها، فقال رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” «النخلة» قال عبدالله: فحدثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا»(صحيح البخاري).
فانظر إلى حنكة عمر، علم أن الخجل هو الذي منع ابنه من أن يفصح عما عرفه هو ولم يعرفه الكبار، فعاتبه على أنه لم يتكلم وأشعره بأنه سيفتخر به لو كان تكلم بما عرفه بين يدي رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” والصحابة رضي الله عنهم، وأشعره أيضا أن صمته هو نقص وعيب، وهذا عكس الحياء.
وقال مجاهد: «لا يتعلم العلم مستح ولا مستكبر». لأنه برأيه سيفوته الخير الكثير، وبالطبع يقصد بكلمة «مستح» أي الخجول الذي يمنعه خجله من السؤال، وليس معناه الحياء المأمور به كخلق.
وقالت عائشة رضي الله عنها: «نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين» (صحيح البخاري).
وهكذا كسا رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” صحابته، ثوب الحياء، وهم بدورهم كسوا أبناءهم به، حتى أضحى لبنا أرضعته الأمهات للأبناء، وحلة ألبسها الكبار للصغار، وهذا كان دأب من بعدهم من التابعين، ولقد زخرت كتب السيرة بقصص، تظهر أطفال المسلمين وقد ربوا على الحياء الحقيقي، وليس على الخجل.
فهذا طفل لم يبلغ عمره أحد عشر عاما يخاطب عمر ابن عبدالعزيز عندما دخل عليه وفد من أهل الحجاز لتهنئته، فقال عمر: ارجع أنت وليتقدم من هو أكبر منك سنا، فأجابه الصبي: أيد الله أمير المؤمنين، إنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، فإذا منح الله العبد لسانا لافظا وقلبا حافظا فقد استحق الكلام، ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسن، لكان في الأمة من هو أحق منك بمجلسك هذا، فتعجب عمر من الصبي وأكبر شجاعته.
ولكن السؤال هل الحياء صفة يولد بها الإنسان أم أنه يمكن اكتسابه؟
والجواب: نحن جميعا نولد على الفطرة، ولكن هناك حديث يؤكد على أن الفطرة بحاجة إلى جهد الفرد، فقد قال رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” : «إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه» (حسنه الألباني).
وكأن النبي ” صلى الله عليه وسلم” يقول لنا ليس هناك خلق لا يمكنك اكتسابه، فإذا صبرت تتعلم الصبر، وإذا كنت كاذبا يمكنك أن تكون صادقا بالتدريب، وإذا لم تكن حييا فيمكنك أن تكون صاحب حياء بالتدريب أيضا.
وأكبر دليل على ذلك أن صحابة رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” ، اختلف حالهم بعد أن أسلموا وارتبطوا بهذا الدين وتخلقوا بأخلاقه.
وقد قال رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” لرجل «استحي من الله كما تستحي رجلا من صالح عشيرتك») (7).
نماذج لشخصيات عرفت بالحياء
كان رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” يثني على من عرف بالحياء وتميز به من أصحابه ثناء الحاض على الاقتداء بهذا الخلق المرغب فيه، ذلك لأنه أول المتشربين به وأول من عرف بالحياء، فعن أبي سعيد الخدري “رضي الله عنه” قال: «كان النبي ” صلى الله عليه وسلم” أشد حياء من العذراء في خدرها» (صحيح البخاري).
يقول أبوالعباس القرطبي: لقد جمع رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” بين نوعي الحياء: المكتسب والغريزي، فكان في الغريزي أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان في الحياء المكتسب في الذروة العليا (😎.
وأما من اشتهر بالحياء بعد رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” فرجل قال عنه رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” : إن الملائكة تستحي منه، يا لها من منزلة! إنه الحيي عثمان بن عفان “رضي الله عنه” ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: إن أبا بكر استأذن على رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” وهو مضطجع على فراشه، لابس مرط عائشة، فأذن لأبي بكر، وهو كذلك، فقضى إليه حاجته ثم انصرف، ثم استأذن عمر، فأذن له، وهو على تلك الحال، فقضى إليه حاجته، ثم انصرف. قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس، وقال لعائشة: «اجمعي عليك ثيابك» فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت، فقالت عائشة: يا رسول الله، ما لي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان؟! قال: رسول الله ” صلى الله عليه وسلم” : «إن عثمان رجل حيي، وإني خشيت، إن أذنت له على تلك الحال، أن لا يبلغ إلي حاجته» (صحيح مسلم)، وفي رواية أنه ” صلى الله عليه وسلم” قال لعائشة: «ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟» (صحيح مسلم).
همسة في أذن الآباء
يقال: إن جذور التربية مرة، ولكن ثمارها لذيذة، ويقال: من أدب ولده صغيرا سر به كبيرا، فطوبى لمن ربى أبناءه على الحياء، وأسفا لأسرة كانت سببا في وصول بعض أبنائها إلى الخجل.
وأخيرا يقول الغزالي: «طفلك جوهرة نفيسة، فحافظ عليها».
ونحن نقول: طفلك كنز دفين، خبئ فيه كل سلوك ثمين، ثم انتظر أن يعم خيره عليك وعلى الناس أجمعين.
الهوامش
1- زين العابدين بن الحسين التونسي، معجم المدرسي، دمشق، دار المعارف، 1427هـ/ 2006م، ص142.
2- زين العابدين بن الحسين التونسي، المصدر السابق، ص145.
3- عبداللطيف أحمد، المستشار النفسي، حمص، دار المعارف، ط1، 1995م، ص26 بتصرف بسيط.
4- معروف زريق، مشاكلنا النفسية، دمشق، دار الفكر، ط1، (1405هـ/1985م)، ص83.
5- مشاكلنا النفسية المرجع السابق ص88/89 بتصرف.
6- ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، م2، ص94.
7- ابن رجب، جامع العلوم والحكم بشرح خمسين حديثا من جوامع الكلم، المحقق: ماهر ياسين فحل، د.م، د.ن، د.ت، الحديث العشرون ص4.
8- ابن حجر العسقلاني فتح الباري المجلد العاشر، ص 611.
 تحرير المقال

 

اكتب تعليق

أحدث أقدم