مخططات إسرائيل كما كُتبت في الكتب

مخططات إسرائيل كما كُتبت في الكتب



مخططات إسرائيل كما كُتبت في الكتب
✍️بقلم /آية محمود رزق 
منذ اللحظة التي أُعلن فيها عن قيام دولة إسرائيل عام 1948 والكتب والدراسات لم تتوقف عن محاولة فهم طبيعة هذا الكيان واستراتيجيته في المنطقة العربية، فالمشروع الصهيوني لم يكن مشروعًا مؤقتًا أو رد فعل لظروف سياسية محددة بل كان مشروعًا ذا جذور فكرية وتاريخية أعمق، وقد تناولت كتب ومذكرات عربية وغربية وإسرائيلية ملامح هذا المشروع من زوايا مختلفة بعضها عسكري وبعضها اقتصادي وبعضها ثقافي وفكري. القراءة في هذه الكتب تكشف أن إسرائيل منذ بداياتها لم تكن ترى حدودها في نطاق جغرافي ضيق بل وضعت تصورًا أوسع يقوم على فكرة أن أمنها لا يتحقق إلا بإضعاف محيطها العربي ومنع قيام أي قوة إقليمية موحدة، ويظهر ذلك في خطابات مؤسسيها وفي وثائق نُشرت لاحقًا على لسان قادتها مثل دافيد بن غوريون وموشيه ديان.

عدد من الدراسات العربية تحدث عن مفهوم التفتيت الطائفي باعتباره من أبرز الأدوات التي اعتمدت عليها الاستراتيجية الإسرائيلية، حيث سعت إسرائيل إلى الاستفادة من الصراعات الداخلية في الدول العربية ورأت في الفوضى وسيلة لبقاء تفوقها العسكري والسياسي، وقد حلل محمد حسنين هيكل في كتبه هذه النقطة عندما تناول المفاوضات السرية وما تخللها من رؤية إسرائيلية ترى أن انقسام العرب هو الضمان الحقيقي لبقاء الدولة العبرية. كما أشار باحثون آخرون إلى أن إسرائيل لم تتردد في دعم حركات انفصالية أو في تغذية خلافات طائفية وعرقية بما يضمن بقاء المنطقة في حالة ضعف وانقسام.

البعد الاقتصادي والتكنولوجي أخذ مساحة واسعة من التفكير الإسرائيلي كما ظهر في كتاب شمعون بيريز "الشرق الأوسط الجديد"، حيث طرح فيه أن المستقبل للمنطقة يجب أن يُبنى على التكامل الاقتصادي، غير أن التحليل العربي قرأ هذا الطرح باعتباره محاولة لإدماج إسرائيل في محيطها وفتح الأسواق أمامها بشكل تدريجي بما يسمح لها بالهيمنة عبر الاقتصاد لا فقط عبر السلاح، وهناك أيضًا كتب تناولت مسألة المياه مثل تحويل مجرى نهر الأردن أو محاولات السيطرة على مصادر المياه اللبنانية باعتبار أن المياه مورد استراتيجي تستخدمه إسرائيل كورقة ضغط.

وفي جانب آخر أولت إسرائيل أهمية كبرى للحرب النفسية والإعلامية، وهو ما أوضحته كتب مثل "الحرب النفسية الإسرائيلية" التي عرضت كيف اعتمدت الدولة العبرية على الإعلام الموجه لإقناع العالم بأنها ضحية محاطة بالأعداء، وبالمقابل تُظهر نفسها كجزء من العالم الغربي المتقدم القادر على نشر التكنولوجيا والعلم في الشرق الأوسط، وقد ساعدها على ذلك نفوذ لوبيات قوية في الولايات المتحدة وأوروبا، جعلت من سرديتها هي الرواية الغالبة في المحافل الدولية.

المثير للاهتمام أن بعض الكتب الإسرائيلية نفسها لم تُخف هذه الاستراتيجيات بل كشفتها بشكل غير مباشر، مثل مذكرات موشيه ديان التي اعترف فيها بأن إسرائيل لا يمكنها أن تعيش دون حروب متكررة لأنها وسيلتها للحفاظ على ردع دائم، وكذلك كتب صحفيين إسرائيليين مثل "التاريخ السري لإسرائيل" الذي تضمن شهادات حول عمليات استخباراتية واغتيالات نفذها الموساد في دول عدة. هذه الشهادات تضعنا أمام حقيقة أن العقلية الإسرائيلية ترى في الصراع المستمر شرطًا لبقاء كيانها، وهو ما يفسر حالة التعبئة الدائمة داخل المجتمع الإسرائيلي.

أما على الجانب العربي فقد ظهرت مجموعة من الأعمال الفكرية والبحثية التي سعت إلى تفكيك المشروع الصهيوني، من أبرزها موسوعة عبد الوهاب المسيري "اليهود واليهودية والصهيونية" التي قدمت تحليلًا عميقًا لبنية الفكر الصهيوني وكيفية صياغة أساطيره المؤسسة، وكذلك كتابات هيكل عن المفاوضات السرية، وأبحاث تناولت الاقتصاد والسياسة مثل دراسات إسماعيل صبري عبد الله وكمال ديب. هذه الكتب مثلت محاولة عربية واعية لرصد المخططات الإسرائيلية وتقديمها للقارئ كحقائق موثقة وليست مجرد شعارات سياسية.

الخلاصة أن ما كُتب عن إسرائيل في مختلف الكتب يوضح أن جوهر استراتيجيتها ظل ثابتًا رغم تغير الظروف، وهو يقوم على ثلاث ركائز أساسية أولها السعي للتوسع ولو بطرق غير مباشرة، وثانيها الاعتماد على تفتيت المحيط العربي داخليًا كي تبقى الأقوى، وثالثها بناء صورة ذهنية عبر الاقتصاد والإعلام والتكنولوجيا تجعلها حاضرة ومتفوقة. هذه الركائز ليست مجرد افتراضات بل هي حقائق يمكن للقارئ أن يلمسها في سطور الكتب والمذكرات التي صدرت عبر العقود.

إن قراءة هذه المؤلفات بعين ناقدة لا تهدف إلى تأجيج المشاعر بقدر ما تهدف إلى بناء وعي معرفي، فالوعي هو السلاح الأقوى الذي يتيح للشعوب أن تفهم طبيعة التحديات التي تواجهها، وأن تدرك أن مواجهة هذه المخططات تبدأ بالفكر والمعرفة بقدر ما تبدأ بالدفاع عن الأرض. وإذا كانت إسرائيل قد راهنت منذ البداية على إضعاف العقل العربي وتشتيت جهوده فإن الرد الحقيقي يكون في البحث والدراسة والوعي النقدي، وهي مهمة لا تقع على عاتق السياسيين وحدهم بل على المثقفين والكتاب والإعلاميين أيضًا.

اكتب تعليق

أحدث أقدم