حقيقة السحر الأسود وكيف يمكن أن يدمّر الإنسان قبل أن يمسه شيء
بقلم آية محمود رزق
السحر من أكثر المفاهيم التي أثارت خوف الإنسان منذ القدم، ليس فقط لأنه ذُكر في القرآن، بل لأن تأثيره الحقيقي لا يأتي من طقوس غامضة أو قوى خارقة، بل يأتي من منطقة أخطر بكثير: النفس البشرية. فالإنسان عندما يخاف، ويصدق أن هناك قوة خفية تلاحقه، يبدأ جسده في الانهيار قبل أن يلمسه أي شيء. والسحر الأسود الذي يخشاه الناس ليس قوة تستطيع قتل الإنسان مباشرة، بل منظومة من التلاعب النفسي والخوف والإيحاء والمرض النفسي الذي يتحول مع الوقت إلى مرض جسدي حقيقي، حتى يظن المصاب أنه ضحية قوة لا تُقاوَم. والحقيقة أن السحر قد يؤذي الإنسان، لكنه لا يفعل ذلك كما يتخيل البعض، بل بطريقة خفية تعتمد على خوف الإنسان وضعفه واهتزازه الداخلي.
الساحر لا يملك قوة إلهية، ولا يستطيع أن يأمر الجن بقتل أحد، فكل ما يحدث في الحياة يجري بإذن الله وحده. لكن الساحر يستغل شيئًا موجودًا في البشر جميعًا: القابلية للخوف. يبدأ الأمر عندما يُقنع الساحر شخصًا بأنه مصاب، يرسل له إيحاءات، رموزًا، كلمات محسوبة، نظرات مدروسة، أو حتى يهدده بأنه “سيذبل ويموت”، فيبدأ الشخص يتعامل مع هذه الجملة كحقيقة ثابتة. ومع مرور الأيام، يبدأ جسده بالتفاعل مع هذا الخوف بصورة لا إرادية، فيفقد شهيته، ويعاني الأرق، وتنهار أعصابه، ويضعف جهاز المناعة لديه. هنا يبدأ المرض الجسدي. الجسد لا يميز بين الخطر الحقيقي والخيال، فإذا عاش الشخص تحت ضغط نفسي مستمر، سيعيش الجسد في حالة طوارئ دائمة، وهذا كفيل بتدمير القلب، وإضعاف المناعة، وإحداث اضطرابات هرمونية خطيرة، وقد يصل الأمر إلى انهيار صحي كامل. عند هذه اللحظة يظن الناس أن “السحر قتله”، والحقيقة أن الخوف والضغط النفسي هما من قتلاه.
في بعض الحالات يستخدم من يسمون أنفسهم “سحرة” طرقًا مادية تؤذي الإنسان، مثل تسميم الطعام، أو وضع مواد ضارة، أو استخدام أعشاب خطيرة، ثم ينسبون هذه الأذى إلى “سحر أسود”، بينما ما جرى هو جريمة بشرية خالصة حصلت تحت ستار الخرافة. وإن حدث اقتران أو وسوسة من الجن، فهو لا يكون قتلًا مباشرًا، بل تأثيرًا نفسيًا يدخل من خلال نقاط الضعف في النفس. فالإنسان إذا عاش في قلق دائم ووهم مستمر، قد ينهار كما ينهار أي جهاز يعمل فوق طاقته. وبذلك يصبح الضحية مقتنعًا بأنه يموت بسبب قوة خارقة، بينما هو يموت تدريجيًا بسبب انهيار نفسي لم يجد من يخرج إليه منه.
الناس لا تدرك أن أغلب ما يسمى بالسحر القاتل هو في الحقيقة مزيج من تلاعب نفسي، إيحاءات قوية، ضغوط طويلة، وصدمة نفسية تتراكم داخل أعماق الإنسان، ومع الوقت تتحول إلى مرض جسدي حقيقي قد ينهك الجسد حتى النهاية. ولولا الإيمان الضعيف، والخوف، والتوتر، لما استطاع الساحر أن يقترب من الإنسان أصلًا. فالسحر لا يعيش إلا في بيئة يخيم عليها الخوف، ولا يتحرك إلا عندما يفتح الإنسان له الباب، ولا ينجح إلا عندما يُسلم الشخص عقله لتوقعات مرعبة تلاحقه ليلًا ونهارًا.
الحقيقة التي يغفل عنها كثيرون أن أقوى سحر في العالم لا يستطيع أن يتخطى حصانة النفس الواثقة بالله، ولا يستطيع أن يهزم إنسانًا لا يستسلم للتهويل والإيحاء، ولا يقدر على تدمير شخص يعرف أن القوة كلها لله وحده. السحر يتغذى على الخوف؛ فإذا جف الخوف، مات السحر. وإن أقوى ما يحمي الإنسان ليس طقوسًا ولا أعشابًا ولا عرافين، بل قلب ثابت لا يهتز، وروح لا ترتعش، ونفس لا تسمح لأي قوة بشرية أو وهمية أن تدخل إليها.
وهكذا نفهم أن السحر الأسود ليس قوة خارقة تقتل الإنسان مباشرة، بل هو خوف ينهش الروح حتى تذبل، وقلق يمزق الأعصاب حتى تنهار، ووهم يتسلل إلى العقل حتى يفقد الإنسان توازنه. وإذا أراد المرء أن يحمي نفسه من هذا كله، فليحمِ عقله أولًا، فالعقل هو البوابة الأولى، وإذا أُغلقت، لم يستطع أي ساحر في الدنيا أن يعبر منها.

إرسال تعليق