رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن حادثة الإسراء والمعراج تكريما لرسول الإسلام

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن حادثة الإسراء والمعراج تكريما لرسول الإسلام



بقلم المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي ,
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن حادثة الإسراء والمعراج كانت إيناسًا وتكريمًا وتشريفًا للنَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - لتُخبره أنَّ الأرض إذا ضاقتْ في وقت، فإنَّ السَّماء تفتح أبوابَها لتستقبله، ولإنْ آذاه بعضُ أهل الأرْض في وقت، فإنَّ أهل السَّماء يقِفون له مستقْبلين ومرحِّبين
كما كانت الإسراء والمعراج من خصائص نبيِّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - العظيمة، وآياته المبينة، "فبيْنما هو - صلَّى الله عليه وسلَّم - نائم في الحجْر في الكعبة قبل الهجرة إذْ أتاه آتٍ، فشقَّ ما بين ثغْرة نحره إلى أسفل بطنه، ثمَّ استخرج قلْبَه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فملأه حكمةً وإيمانًا، ثمَّ أُتِي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بدابَّة بيْضاء، يقال لها: البراقُ، يضع خطْوَه عند منتهى طرفِه، فركب - صلَّى الله عليه وسلَّم - ومعه جبريل حتَّى أتيا بيتَ المقْدس، فدخل المسجِد، فلقي الأنبياءَ جميعًا فصلَّى بهم ركعتَين، كلُّهم يصلِّي خلف محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثمَّ خرج - صلَّى الله عليه وسلَّم - من المسجِد الأقْصى، فجاءه جبريل بإناءٍ فيه خَمْر وإناءٍ فيه لبن، فاختار رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - اللَّبن، فقال له جبريل: اخترت الفطرة.
ثمَّ عَرجَ به جبريل إلى السَّماء الدنيا فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومَن معك؟ قال: محمَّد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبًا به، فنِعْم المجيء جاء، ففتح له فوجد آدم فسلَّم عليْه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فردَّ آدمُ عليه السَّلامَ، وقال: مرحبًا بالابن الصَّالح والنَّبيِّ الصَّالح، ثمَّ عُرج به - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى السَّماء الثَّانية، فاستفتح جبريل ففتح له، فرأى فيها النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عيسى بن مريم ويَحيى بن زكريا - صلوات الله وسلامه عليهم - فرحَّبا به ودعوَا له بالخير، ثم عرج به إلى السَّماء الثالثة، فإذا هو بيوسُف - عليه السَّلام - وقد أُعْطِي شطر الحسن، فرحَّب به ودعا له بِخير، ثمَّ عرج به إلى السَّماء الرَّابعة فإذا هو بإدْريس - عليه السَّلام - فرحَّب به ودعا له، ثمَّ عرج به إلى السَّماء الخامسة، فإذا هو بهارون - عليْه السَّلام - فرحَّب به ودعا له، ثم عرج به إلى السَّماء السَّادسة، فإذا هو بموسى - عليْه السَّلام - فرحَّب ودعا له بالخير، ثم عرج به إلى السماء السابعة، فإذا هو بإبراهيم - عليه السلام - مسندًا ظهرَه إلى البيت المعمور، وهو بيتٌ يدخلُه كلَّ يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليْه.
ثمَّ ذهب به إلى سدرة المنتهى، فلمَّا غشيها من أمر الله ما غَشِيَ تغيَّرت، فما أحدٌ من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، فأوحى الله إليه ما أوحى، وفرض عليه خمسين صلاةً في كلِّ يوم وليلة، فنزل إلى موسى - عليْه السَّلام - فقال: ارْجع إلى ربك، فاسألْه التَّخفيف، فإنَّ أمَّتك لا يطيقون ذلك، فرجع - صلَّى الله عليه وسلَّم - فوضع الله عنْه عشرًا، وما زال يُراجع حتَّى استقرَّت على خمس فرائض في اليوم والليلة، ثمَّ نادى منادٍ: قد أمضيتُ فريضتي، وخفَّفت عن عبادي، ثمَّ عاد رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى فراشه قبل الصبح"؛ أخرجه البخاري:
إنَّ الأمَّة الإسلاميَّة ينبغي عليها أن تُدْرِك قدر المعجزات الربَّانية، وأن تعي أنَّ في دينها قدرًا من الغيبيَّات تستلزم الإيمان والتَّسليم، لقد رجع - صلَّى الله عليْه وسلَّم - من ليلته، فلمَّا أصبح حدَّث النَّاس بما أراه الله من آياته الكبرى، فاشتدَّ تكذيبهم له، وإيذاؤهم إيَّاه وتعدِّيهم عليه، وقالوا: إنَّ العير لتطرد شهرًا إلى الشَّام من مكَّة مُقبلةً، وشهرًا مدْبرة، أفيذهب ذلك محمَّد في ليلة واحدة ويرجع إلى مكة؟!
ثمَّ أراد المشركون استغلالَ هذا الخبر في تضْعيف نبوَّتِه - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتوْهين صحابتِه، لكنَّهم واجهوا قلوبًا قويَّة صادقةً من أمثالِ أبي بكر - رضِي الله عنْه - حيثُ لَم يمنعْه من التَّصديق واليقينِ لخبر الإسراء والمعراج، إلاَّ التوثُّق من صحَّة نسبتِه للرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فجاءتْه قُريْش، فقالوا له: يا أبا بكرٍ، هل لك في صاحبِك، يزعُم أنَّه قد جاء هذه الليلة بيتَ المقدس، وصلَّى فيه ورجع إلى مكَّة، فقال لهم أبو بكر: إنَّكم لتكذِبون عليْه، فقالوا: بلى، ها هو ذاك في المسجِد يحدِّث الناسَ به، فقال بإيمان الصَّادق المؤمن: والله لإن كان قاله فقد صدق، وما يعجبكم من ذلك؟ فوالله، إنَّه ليُخبرني أنَّ الخبر يأتيه من السَّماء إلى الأرض في ساعةٍ من ليلٍ أو نَهار، وهذا أبعد ممَّا تعجبون منه، ثمَّ أقبل على رسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - فقال: يا نبيَّ الله، أحدَّثتَ هؤلاء القومَ أنَّكَ جِئْتَ بيت المقدِس هذه الليلة؟ قال: ((نعم))، قال: يا نبيَّ الله، فصِفْه لي فإنِّي قد جئْتُه؛ يقول - عليه الصَّلاة والسَّلام -: ((فرُفع لي حتَّى نظرتُ إليه))، فجعل رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يصِفُه لأبي بكرٍ والنَّاس، وكلَّما ذكر شيئًا يقول أبو بكر: صدقت، أشهد أنَّك رسولُ الله، حتَّى إذا انتهى، قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأبي بكر: ((وأنت يا أبا بكر الصِّدِّيق))، فسمَّاه يومئذ الصدِّيق
إنَّ الصدِّيق لم يسبق الأمَّة بكثير صومٍ ولا صلاة، ولكن بشيءٍ وقَر في قلبِه، فأثْمر الإيمان واليقين، واستحقَّ به فضل الصُّحبة والقرْبى من النَّبيِّ الكريم، عرف ذلك له المسلمون، وأفْصح عنها - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لو كنت متَّخذًا خليلاً، لاتَّخذت أبا بكر خليلاً))، فما أحوجَنا - عباد الله - إلى إيمانٍ كإيمان أبي بكر يَحمينا به الله من الشُّكوك والارتياب، ويدفعنا إلى عمل الصَّالحات بأنفُسٍ راضية مطمئنَّة.
لقد سجَّلت كتُب السيرة وكتُب السنَّة، بل القرآن العظيم سجَّل هذه الآية العظيمة والمعجزة البليغة في سورةٍ كاملة، ولم يسجَّل لها تاريخ معين، ولم يُعْرَف في أي يوم، ولا أي شهر، ولا أي عام تمَّ الإسراء والمعراج، ولم يرِدْ في السنَّة تَخصيص يوم أو ليلة للاحتفال بها، فهل كان النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - جاهلاً بفضلها، أو كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يعلم فضل هذه الليلة، لكنَّه كتم الأمر ولم يخبر به أمَّته - صلَّى الله عليه وسلَّم؟
إنَّ عدم ذكر تاريخ ليلة الإسراء والمعراج وعدم إخبار النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - الصَّحابة عنْها، وعدم معرفة الصَّحابة بذلك التَّاريخ يدلُّ دلالةً واضحة على أنَّ ذلك اليوم يمرُّ كغيره من الأيَّام والليالي، ولو كان الاحتِفال بها في ليلة مخصوصةٍ قربةً إلى الله - تعالى - لقال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذلك، مثل ما قال للأنصار حينما رآهُم يَحتفلون بيومين: ((لقد أبدلكم الله خيرًا منهُما يومي الفطر والأضحى))، ولم يقل: وليلة الإسراء.
ولو كان هناك ذكر وعبادة معيَّنة في يوم أو ليلة الإسراء والمعراج، لقال النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذلك وحضَّ عليه، مثل ما حضَّ على قيام ليلة القدْر، أو صيام الأيَّام البيض، أو غير ذلك من الفضائل.
والواقع أنَّه ليس في ليلة الإسراء ولا يومِها فضل خاص ولا عبادة خاصَّة، فلا تخصُّ بقيام ولا صيام ولا احتفال، فإنَّ هذا كلَّه من البدع، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار، أجارنا الله منها أجْمعين.
إنَّ الصَّلاة شرعها الله؛ لتكونَ مِعراجًا يرْقَى بالنَّاس كلَّما تدلَّت بهم شهوات النفوس وأغراض الدُّنيا، فهي رحلة الأرْواح إلى الله كلَّ يوم وليلة خَمس مرَّات، تؤدَّى بقلب خاشع لا تلهيه تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة، يخاف يومًا تتقلَّب فيه القلوب والأبصار، وهي غير الصلوات التي يؤديها بعض النَّاس اليوم مجرَّد حركات لا لبَّ فيه ولا خشوع.
لقد ساد المسلمون الدنيا وكانوا ملوكَها وأساتذتَها، وكانوا حَمَلة منار الحضارة فيها، لَمَّا كانوا يصلُّون حقيقة، وكانت صلاتهم جسدًا وروحًا، لم تكن كصلاة كثيرٍ منَّا، جسدًا بلا روح، فهل نعودُ إلى مثل تلك الصَّلاة؛ ليعود لنا مثل ذلك المجد.
ما أسعدَ الَّذين يستشْعِرون هذه المعاني في الصَّلاة، فيؤدُّونَها في أوقاتها، مُحافظين على أركانِها وواجباتها وسُنَنها، وويلٌ لِمن فرَّط في هذه الصَّلاة وأضاعها، وهي فريضة الله على محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأمَّته وهو في السَّماء، وهي آخِر وصيَّة لمحمَّد - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لأمَّته وهو يودِّع الدنيا: ((الصلاةَ الصلاة وما ملكت أيمانكم)).
y

اكتب تعليق

أحدث أقدم