رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن فلسفة فهم معانى أسماء الله الحسني

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن فلسفة فهم معانى أسماء الله الحسني

بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي  عبد اللطيف 
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي 
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين 
مما لاشك فيه أن أعظم ما يدعى إليه من العلم: العلم الذي يعرف العبد بربه سبحانه وتعالى، فإن العبد إذا عرف ربه حق المعرفة فعرف عظيم أسمائه وجليل صفاته علم كيف يعبد الله ويدعو إليه على بصيرة، فمن كان أخبر بغيره كان أعرف بالسبل المقربة إليه وبالطريق الموصلة إليه، يقول ابن القيم رحمه الله في علم الدعوة إلى الله: والبصيرة على ثلاث درجات من استكملها فقد استكمل البصيرة: بصيرة في الأسماء والصفات، وبصيرة في الأمر والنهي، وبصيرة في الوعد والوعيد.[1]
وقد أمرنا الله تعالى أن نتعرف عليه سبحانه، وفي الحديث الصحيح: "تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفْك في الشدة"، وإنما يكون التعرف على الله بالتعرف على أسمائه وصفاته وأفعاله الحسنى، فربنا عز وجل لما عرف نفسه في القرآن الكريم عرفها بما له من الأسماء والصفات، يقول عز وجل: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الحشر: 24]، ومرجع الضمير في قوله تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ ﴾ [الكهف: 38] إلى سؤال تقديره من هو الرب؟ فكان الجواب بتعريف العبد بربه وأسمائه وصفاته، وهو قوله تعالى من سورة الإخلاص: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، وفي الآية الأخرى: ﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 49، 50].[2]
أهمية معرفة معاني أسماء الله تعالى: 
تتضح أهمية معرفة أسماء الله إذا عرفنا أن شرف العلم من شرف المعلوم، وعلم الأسماء والصفات يبحث في معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله معرفة توجب تعظيمه وإجلاله، يقول قوام السنة الأصفهاني: قال بعض العلماء: أول فرض فرضه الله على خلقه: معرفته، فإذا عرفه الناس عبدوه، قال الله تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: 19]، فينبغي للمسلمين أن يعرفوا أسماء الله وتفسيرها؛ فيعظموا الله حق عظمته، ولو أراد رجل أن يعامل رجلاً: طلب أن يعرف اسمه وكنيته، واسم أبيه وجده، وسأل عن صغير أمره وكبيره، فالله الذي خلقنا ورزقنا، ونحن نرجو رحمته ونخاف من سخطه أولى أن نعرف أسماءه ونعرف تفسيرها. [3]
أن معرفة أسماء الله وصفاته تدعو إلى محبة الله وهيبته التوكل عليه والإنابة له، وتحيي العبادات القلبية في قلب العبد، يقول العز بن عبد السلام: فهم معاني أسماء الله وسيلة إلى معاملته بثمراتها من: الخوف، والرجاء، والمهابة، والمحبة، والتوكل، وغير ذلك من ثمرات معرفة الصفات. [4]
أن معرفة أسماء الله وصفاته يقتضي الإيمان بتوحيد الربوبية والالتزام بتوحيد الألوهية، فبوابة توحيد الأولوهية وعبادة الله حق عبادته هي الإيمان بأسماء الله وصفاته، وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله: لا يستقر للعبد قدم في المعرفة بل ولا في الإيمان، حتى يؤمن بصفات الرّب ويعرفها معرفة تخرج عن حدّ الجهل بربه، فالإيمان بالصفات وتعرّفها هو أساس الإسلام، وقاعدة الإيمان، وثمرة شجرة الإحسان، فضلاً عن أن يكون من أهل العرفان.[5]
أنه داخل في معنى الإحصاء المشار إليه في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن لله تعالى تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة"، متفق عليه، يقول ابن القيم رحمه الله عند بيان مراتب إحصاء أسمائه الَّتي من أحصاها دخل الجنّة: المرتبة الأولى: إحصاء ألفاظها وعددها، المرتبة الثّانية: فهم معانيها ومدلولها، المرتبة الثالثة: دعاؤه بها، كما قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180]؛ وهو مرتبتان: إحداهما: دعاء ثناء وعبادة، والثّاني: دعاء طلب ومسألة[6]، وقال أبو نعيم الأصبهاني رحمه الله: الإحصاء المذكور في الحديث ليس هو التّعداد، وإنّما هو العمل والتعقّل بمعاني الأسماء، والإيمان بها.[7]
معنى أسماء الله الحسنى:
الاسم ما دلّ على ذات الشّيء وحقيقته، وأسماء الله أعلام وأوصاف، فهي تدل كذلك على صفاته العظيمة سبحانه.
ويتميّز الاسم عن الفعل والحرف بعدة علاماتٍ، منها: الكسرة، التّنوين، والنِّداء؛ أي وقوع الكلمة منادى، ودخول أل، والإسناد إليه؛ أي الإخبار عنه بشيء والحكم عليه بحكم إثبات أو نفي.
والحسنى مؤنّث الأحسن؛ والأحسن أفعل تفضيل من الحسن؛ وهو الجمال والكمال، والمراد أن هذه الأسماء قد بلغت في الحسن غايته وفي الكمال نهايته.
وليعلم أن أسماء الله توقيفية؛ يتوقف فيها على ما جاءت به النصوص، وهي لابد أن تتضمن الكمال المطلق لله تعالى دون عيب أو احتمال نقص.
مسالك لفهم أسماء الله الحسنى وعبادة الله تعالى بها:
والمقصود بهذا المبحث البحث عن القواعد والوسائل التي يفقه بها العبد أسماء ربه جل وعلا، ويفهم معانيها وما دلت عليه من صفات، وما اقتضته من أحكام، وما ترتب عليها من آثار، وكيفية عبادة الله ودعاءه بها.
ولنضع منهجية تحدد ذلك كان لزامًا أن نعود في بحثنا هذا للأصلين المحكمين: كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لنتلمس منهج القرآن والسنة في عرض أسماء الله تعالى وبيان معانيها وآثارها، ولمعرفة كيف تعبد النبي صلى الله عليه وسلم أعظم العباد بها إلى ربه عز وجل، ثم بيان مسلك السلف الصالح رحمهم الله تعالى في فهمها وتقوية الإيمان بها والتعبد لله عز وجل بمعانيها ودلالاتها.
ولبيان هذا المنهج سنسلك إليه من خـلال المسالك التالية:
المسلك الأول: فهم دلالة معنى اسم الله تعالى من أصله اللغوي:
ببيان اشتقاق الاسم واستعمالاته في كتب اللغة، وفي نصوص الكتاب والسنة؛ ليظهر جليًا أصل المعنى وما استعمل فيه من المعاني.
المسلك الثاني: فهم معنى اسم الله تعالى من خلال ما دل عليه من صفات الله تعالى:
وذلك باعتبار ثلاثة دلالات: دلالة المطابقة ودلالة التضمن ودلالة الالتزام، فدلالة المطابقة للاسم دلالته على الاسم والصفة معًا، ودلالة التضمن دلالته على الاسم وحده، وكل صفة وحدها إن كان الاسم يتضمن الدلالة على أكثر من صفة، ودلالة الالتزام، وهي دلالته على صفة أخرى أو أكثر بغير طريقي المطابقة والتضمن.
المسلك الثالث: فهم معنى اسم الله تعالى من خلال شرح أهل العلم له:
بالوقوف على عباراتهم في التعريف بهذا الاسم، ودلالات معانيه أو أحكامه أو آثاره.
المسلك الرابع: معرفة ما دل عليه اسم الله تعالى من تنزيه لله عز وجل:
وهذا يشمل ما تدل عليه بعض الأسماء من تنزيه مطلق لله عن كل عيب ونقص؛ كاسم الله القدوس والسلام، وما تدل عليه أكثر الأسماء من نفي أعيان النقائص، فاسم الله العليم ينفي الجهل، واسم الله القوي ينفي الضعف، والدلالة الثالثة للأسماء على تنزيه الله تنويهه سبحانه عن الشريك والمثيل سبحانه، فكل اسم بلغ في الكمال غايته وتنزه الله في كل اسم وصفة له عن المثيل، قال سبحانه: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].[8]
المسلك الخامس: فهم آثار اسم الله تعالى من خلال ما ارتبط به في النصوص من مخلوقات أو أحكام:
فكل صفة لها مقتضى وفعل، وفعلها إما لازم، وإما متعدٍّ، ولذلك الفعل تعلق بمفعول هو من لوازمه، وهذا يشمل ما تعلق به الاسم من خلقه سبحانه وأمره وثوابه وعقابه.
فتارة يرتبط ذكر الاسم بعجيب من عجائب خلق الله، أو بآية من آيات الكون، أو حكم شرعي جليل، وبالنظر في ذلك يزداد إيمان العبد بهذا الاسم.
المسلك السادس: فهم كمال معنى اسم الله تعالى من خلال ما اقترن به من أسماء الله الحسنى في نصوص الكتاب والسنة:
فتجمع الأسماء التي اقترن بها الاسم موضع الدراسة، وينظر في سبب وعلاقة الاقتران من خلال السياق، وينظر في توارده في نظائر ذلك.
فكثيرًا ما يقترن العفو بالقدير، والعزيز بالحكيم، وفي ذلك من معاني الكمال ما يحتاج إلى تأمل خاص.
المسلك السابع: فهم أسماء الله من خلال ضم بعضها لبعض والنظر فيها كمجموعات متحدة متسقة[9]:
فأسماء تدل على تمجيد الله وإجلاله، وأسماء تدل على إحسانه الله وجماله، وأسماء تدل على سعة علمه وخبرته، وأسماء تدل على عظيم قدرته ونفاذ مشيئته، وهكذا، حتى يحصل له عمق الفهم وقوة التعبد، ويتعبد مع كل مجموعة من الأسماء بما تقتضي مجتمعة من أخلاق وعبادات، يقول ابن القيم رحمه الله: والمراقبة هي التعبد باسمه: الرقيب، الحفيظ، العليم، السميع، البصير فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها حصلت له المراقبة.[10]
وذكرُ الله بأوصاف الجمال موجب للرحمة، وبأوصاف الكمال موجب للمهابة، وبالتوّحد بالأفعال موجب للتوكل، وبسعة الرحمة موجب للرجاء، وبشدة النقمة موجب للخوف، وبالتفرّد بالإنعام موجب للشكر، ولذلك قال سبحانه: ﴿ اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 41].[11]
المسلك الثامن: معرفة الفروق بين اتصاف الله بهذه الصفة واتصاف العبد بها:
فليس الاشتراك في أصل المعنى موجبًا للاشتراك في كماله وكيفيته، بل لله عز وجل المثل الأعلى، فيبحث العبد في تعظيم لله تعالى بكل اسم متأملاً عظيم الفارق بين صفات الله وصفات خلقه، وفي هذا حكي أن بعض الخلفاء أراد أن يكتب جِراية لبعض العلماء، فقال: لا أريده، أنا في جراية من إذا غضب عليّ لم يقطع جرايته عني، قال الله تعالى: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ﴾ [العنكبوت: 60].[12]
وتأمل قول الله تعالى:﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [لقمان: 27]، فلو فنيت البحار ونفدت الأقلام لم تنفد كلمات الله سبحانه، وهذا ابن القيم رحمه الله يقول في بيان جوانب من عظمة اسم الله السميع:
وهو السميع يرى ويسمع كل ما  
في الكون من سر ومن إعلان  
ولكل صوت منه سمع حاضر  
فالسر والإعلان مستويان  
والسمع منه واسع الأصوات لا  
يخفى عليه بعيدها والداني  
المسلك التاسع: فهم سبيل التعبد باسم الله تعالى من خلال معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وهذا يشمل أمرين:
أ‌- استقراء الحالات التعبدية التي شرع فيها النبي صلى الله عليه وسلم التعبد لله بهذا الاسم، فقد يكون صلى الله عليه وسلم جعله ذكرًا حال سجوده أو ركوعه أو عن جهاده أو قبل نومه، وفي ذلك دلالات أخرى لفهم اسم الله تعالى، وكيفية التعبد به؛ فلو تأمل العبد حال سجوده، وارتفاع أسافله وتسفل أعاليه ثم ذكر اسم الله الأعلى حال السجود وجد حلاوة في تذوق معنى هذا الاسم والتعبد لله به.
ب‌- جمع الأذكار التي ذكر فيها هذا الاسم وتأمل سبب إيراده فيها، وربطه بهذا الحال أو الزمن.
المسلك العاشر: فهم هدي السلف رحمهم الله في التعبد لله بهذا الاسم وأخبارهم في ذلك:
فيبحث في مواعظهم وفي أذكارهم، وتنظر توسلاتهم وأدعيتهم، لنقف على المسلك الصحيح للتعبد بهذا الاسم.
يقول سهل التستري رحمه الله: كان خالي محمد بن سوار يقول لي وأنا ابن ثلاث سنين، قل: الله معي، الله ناظر إلي، الله شاهد علي، ويأمرني أن أكرر ذلك.
المسلك الحادي عشر: تربية النفس على التعبد لله بهذا الاسم من خلال:
أ- التوسل إلى الله به في دعاء المسألة: كما قال سبحانه: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180]، وهذا يأتي على صورتين:
الأولى: أن يذكر في أول الدعاء توسلاً به، ومنه ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا آوى إلى فراشه قال: " اللهمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شيء فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شيء أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللهمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شيء، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شيء وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شيء، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شيء، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَاغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ".
والثانية: أن يذكر في آخر الدعاء كالتعليل به، ومنه ما رواه البخاري من حديث أبي بكرٍ رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، قَالَ: " قُلِ اللهمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ".
ولكلا الصورتين أحوال:
الحالة الأولى: أن يؤتى بالاسم المطلق، ومن ذلك استعاذة مريم ابنة عمران: ﴿ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ﴾ [مريم: 18]، وقوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: ﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الممتحنة: 5].
الحالة الثانية: أن يكون دعاء المسألة بالاسم المقيد، ومن ذلك قوله تعالى عن زكريا عليه السلام: ﴿ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ﴾ [آل عمران: 38]، فاسم الله السميع من الأسماء الحسنى المطلقة ولكنه ورد مقيدًا في هذا الموضع، ومنه ما رواه أبو داود وصححه الألباني من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا غَزَا قَال: " اللهمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي بِكَ أَحُولُ وَبِكَ أَصُولُ وَبِكَ أُقَاتِلُ ".
الحالة الثالثة: الدعاء بالوصف الذي دل عليه الاسم سواء كان وصف ذات أو وصف فعل، فمن الأول الدعاء بالعزة التي دل عليها اسم الله العزيز فيما رواه مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " اللهمَّ إني أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَنْ تضلني، أَنْتَ الحي الذي لاَ يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ"، ومن الثاني: الدعاء بالفتح الذي دل عليه اسم الله الفتاح في دعاء نوح عليه السلام: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 117، 118].
الحالة الرابعة: أن يكون المدح والثناء بلسان المقال، ويكون دعاء المسألة بلسان الحال، ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو عِنْدَ الكَرْبِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ ".
الحالة الخامسة: الدعاء بمقتضى الاسم، كأن يأتي الاسم في سياق الخبر ويراد به الطلب، كقوله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 74].
ب- الاستشفاء بأسماء الله، وهو نوعٌ من الذي قبله، وأفردته لأمرين: الأول: ما يحدث في قلب المبتلى غالبًا من تعلق بالله يجعله يستشعر كثيرًا من معاني أسماء الله وصفاته، والثاني: ما حدث في هذا الباب من محدثات، فمنهم من يكرر اسم من أسماء الله الحسنى بعدد معين لمرض معين، ومنهم من يكتب أسماء الله تعالى على جبين المريض في كل أيام مرضه، وهذا والذي قلبه من الإلحاد في أسماء الله والخروج بها عما يراد منها، وقد قال تعالى: ﴿ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 180].
ج- تعبيد الأسماء لله تعالى بهذا الاسم: فيسمى بعبد الرحمن، وأمة الرحمن، ونحوها من الإضافات الجائزة؛ كضيف الله وجار الله وحفظ الله، وأفضلها التعبيد.
د- الإكثار من تسمية الله به في قوله أو كتابته: ويقرنه بما اقترن به من الأسماء في النصوص الشرعية، والحلف بهذا الاسم.
هـ- تحقيق ما يقتضيه من فِعْل المأمورات وترك المحظورات: فاسم الله السميع يقتضي ترك الكلام الذي يغضب الله سماعه، والسميع يقتضي كذلك الإكثار من الكلم الطيب من ذكر وقراءة قرآن ودعوة لله تعالى.
المسلك الثاني عشر: ظهور أثر الاسم في سلوك العبد وأخلاقه:
فالله عز وجل يحب موجب أسمائه وصفاته، فهو عليم ويحب كل عليم، وهو كريم ويحب الكرماء من عباده، وهو سبحانه يكون مع عباده بحسب اتصافهم بما يحبه سبحانه، وهذه هي المعية الخاصة.
فيتصف بالصفات التي يحبها الله تعالى: كالعلم، والعدل، والصبر، والرحمة، والرفق، والإحسان، ونحو ذلك، وينتهي عن الصفات التي يكرهها الله تعالى له مما ينافي عبوديته لله تعالى، كالصفات التي لا يصح للمخلوق أن يتصف بها كالكبر والعظمة والجبروت، يقول ابن تيمية رحمه الله: إن من أسماء الله تعالى وصفاته ما يُحمد العبد على الاتصاف به؛ كالعلم والرحمة والحكمة وغير ذلك، ومنها ما يذم العبد على الاتصاف به كالإلهية والتجبر والتكبر، وللعبد من الصفات التي يُحمد عليها ويؤمر بها ما يمنع اتصاف الربّ به كالعبودية والافتقار والحاجة والذل والسؤال، ونحو ذلك،[13] وفي بيان هذا يقول ابن بطّال رحمه الله: طريق العمل بها: أن الذي يسوغ الاقتداء به فيها كالرحيم والكريم؛ فإن الله يحب أن يرى حالاها على عبده، فليمرن العبد نفسه على أن يصح له الاتصاف بها، وما كان يختص بالله تعالى كالجبار والعظيم؛ فيجب على العبد الإقرار بها، والخضوع لها، وعدم التحلي بصفة منها، وما كان فيه معنى الوعد: نقف منه عند الطمع والرغبة، وما كان فيه معنى الوعيد: نقف منه عند الخشية والرهبة.[14]
المسلك الثالث عشر: معرفة أثر ذلك في تقوية جناب التوحيد:
فيبحث العبد مع كل اسم عن جوانب تقويته للتوحيد والإيمان، وحراسته من الشرك والتنديد، وهذا ما أشار إليه ابن القيم بقوله: لكل صفة عبوديةٌ خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها، أعني: من موجبات العلم بها والتحقيق بمعرفتها، [15] ويقول ابن القيم رحمه الله مبينًا مدى ارتباط التوحيد بالإيمان بأسماء الله وصفاته، وارتباط الشرك بضد ذلك: كل شرك في العالم فأصله التعطيل، فإنه لولا تعطيل كماله أو بعضه وظن السوء به، لما أشرك به، كما قال إمام الحنفاء وأهل التوحيد لقومه: ﴿ أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 86، 87]؛ أي: فما ظنكم به أن يجازيكم وقد عبدتم معه غيره؟ وما الذي ظننتم به حتى جعلتم معه شركاء؟ أظننتم أنه محتاج إلى الشركاء والأعوان؟ أم ظننتم أنه يخفى عليه شيء من أحوال عباده حتى يحتاج إلى شركاء تعرفه بها كالملوك؟ أم ظننتم أنه لا يقدر وحده على استقلاله بتدبيرهم وقضاء حوائجهم؟ أم هو قاسٍ فيحتاج إلى شفعاء يستعطفونه على عباده؟ والمقصود: أن التعطيل مبدأ الشرك وأساسه، فلا تجد معطلاً إلا وشركه على حسب تعطيله، فمستقلّ ومستكثرٌ.[16]
ويبين رحمه الله هذا المسلك ممثلاً لذلك ببيان اسمين عظيمين من أسماء الله فيقول: من عبد الله تعالى باسمه الأول والآخر حصلت له حقيقة هذا الفقر؛ فإن انضاف إلى ذلك عبوديته باسمه الظاهر والباطن فهذا هو العارف الجامع لمتفرقات التعبد ظاهرًا وباطنًا، فعبوديته باسمه الأول تقتضي التجرد من مطالعة الأسباب والوقوف أو الالتفات إليها، وتجريد النظر إلى مجرد سبق فضله ورحمته، وأنه هو المبتدئ بالإحسان من غير وسيلة من العبد، وعبوديته باسمه الآخر تقتضي أيضاً عدم ركونه للأسباب، فإنها تنعدم لا محالة وتنقضي بالآخرية، ويبقى الدائم الباقي بعدها، فالتعلق بها تعلق بما يعدم وينقضي، والتعلق بالآخر سبحانه تعلق بالحي الذي لا يموت ولا يزول، فالمتعلّق به حقيق أن لا ينقطع، بخلاف التعلق بغيره مما له آخر يفنى به.[17]
وأخيرًا:
فأكمل الناس عبودية هو المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي يطلع عليها البشر، فلا تحجبه عبودية اسم عن آخر؛ كمن يحجبه التعبد باسمه القدير عن التعبد باسمه الحليم أو الرحيم، أو يحجبه عبودية اسم الرحيم والعفو والغفور عن اسمه المنتقم.
فإن سما العبد بهذه المسالك وتفقه بها حق الفقه بلغ رتبة عظيمة من مقامات العبودية لله تعالى، وتوحيده وتعظيمه، "وإذا بلغ العبد في مقام المعرفة إلى حدٍّ كأنه يكاد يطالع ما اتصف به الرب سبحانه من صفات الكمال ونعوت الإجلال، أحست روحه بالقرب الخاص، حتى يشاهد رفع الحجاب بين روحه وقلبه وبين ربه، فإن حجابه هو نفسه، وقد رفع الله عنه ذلك الحجاب بحوله وقوته، فأفضى القلب والروح حينئذ إلى الرب، فصار يعبده كأنه يراه".[18] 
________________________________________
[1] مدارج السالكين 1/ 124.
[2] منهج التعرف إلى الله والتعريف به ( 1 - 2 ) د. فريد الأنصاري، مجلة البيان - العدد [‌ 179 ] ص‌26، رجب 1423 - أكتوبر 2002.
[3] الحجة في بيان المحجة 1 / 122.
[4] شجرة المعارف والأحوال/ 1.
[5] مدارج السالكين، ج 3، ص 347.
[6] بدائع الفوائد لابن القيّم 1/ 164.
[7] فتح الباري 11/ 226.
[8] راجع رسالة دلالة الأسماء الحسنى على التنزيه، للدكتور عيسى بن عبدالله السعدي.
[9] انظر مقال الإيمان بالله وأسمائه وصفاته وتقوية المراقبة الإلهية بقلم: عبد السلام الأحمر مجلة البيان - العدد [‌ 123 ] ص30 ذو القعدة 1418 - مارس 1998.
[10] مدارج السالكين 2/ 66.
[11] الكلام للعز بن عبد السلام، نقلاً عن مقال أسماء الله الحسنى الفقه والآثار، بقلم: د. عبدالعزيز آل عبداللطيف، مجلة البيان - العدد [‌ 99 ] ص86  - ذو القعدة 1416 - أبريل 1996.
[12] الحجة في بيان المحجة 1/ 138.
[13] الصفدية 2/ 338.
[14] فتح الباري 11/ 229.
[15] مفتاح دار السعادة 2/ 90.
[16] انظر مدارج السالكين 3/ 347.
[17] طريق الهجرتين 1/ 40.
[18] راجع تهذيب مدارج السالكين

اكتب تعليق

أحدث أقدم