رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الإستئذان صون للحرمات

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الإستئذان صون للحرمات

بقلم \  المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي  عبد اللطيف 
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين 
عن جابرِ بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال: أتيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - في دَينٍ كان على أبي، فدَقَقتُ البابَ، فقال: ((مَن ذا؟))، فقلتُ: أنا، فقال: ((أنا، أنا))، كأنه كَرِهَها[1].
ضَمِن الإسلامُ حقَّ الفرد في ملك رقبةِ بيتِه، وأن يعيشَ فيه آمنًا مطمئنًّا، محفوظًا: من تطفُّل المتطفِّلين، وفضولِ الفضولِيِّين، وعُدْوَان الصَّائِلين؛ حيث يُلْقِي أعباءَ الحَذَر، ويتحرَّر من قيود التكلُّف، وحَجَر على الآخرِين أن يطَّلعوا على ما فيه من خارجٍ، أو يَلِجُوه من غير إذنِ صاحبِه.
إن البيت كالحَرَم الآمِن لأهلِه، لا يَسْتَبِيحه أحدٌ إلا بعلمِ أهلِه، وإذنهم في الوقت الذي يُرِيدون، وعلى الحالة التي يُحِبُّون أن يَلْقَوا عليها الناس، ولا يَحِلُّ لأحدٍ أن يتطفَّل على الحياة الخاصة للأفراد: بالاستناط، أو التجسُّس، أو اقتحام الدور، ولو بالنظر من قريبٍ أو بعيد، بمنظارٍ أو بدونه[2].
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [النور: 27].
ويعبَّر عن الاستئذان بالاستئناسِ، وهو تعبيرٌ يُوحِي بلُطْفِ الاستئذان، ولُطْفِ الطريقة التي يجيءُ بها الطارِق، فتُحدِث في نفوس أهل البيت أُنْسًا به، واستعدادًا لاستقباله، وهي لفتةٌ دقيقةٌ لطيفةٌ لرعايةِ أحوالِ النفوس، ولتقديرِ ظروف الناس في بيوتهم، وما يلابسها من ضرورات، لا يجوزُ أن يشقَى بها أهلُها، ويحرجوا أمام الطارِقين في ليلٍ أو نهارٍ[3].
والاستئذانُ واجبٌ وجوبَ الفرائضِ، ولا يجوزُ لأحدٍ أن يدخَل بيتًا لغيرِه حتى يستأذِن أهلَه، سواء كان المستأذِن قريبًا للمستأذَن عليه، أو أجنبيًّا عنه، وهو مجمَع على وجوبِه، فمَن ترك الاستئذان، فهو عاصٍ لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم- ومَن جحده، فإنه يَكْفُر؛ لأنه وَرَد الأمر به في الكتاب الكريم[4].
والأصل في الاستئذانِ أن يكونَ باللفظ، وصيغته المُثْلَى أن يقول المستأذِن: "السلام عليكم، أأدخل؟"، فيجمَع بين السلام والاستئذان.
فعن رِبْعِي بن حِراش قال: حدثنا رجلٌ من بني عامرٍ، قال: إنه استأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيتٍ، فقال: أَأَلِجُ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخادمه: ((اخرج إلى هذا، فعلِّمه الاستئذان، فقل له: قل: السلام عليكم، أَأَدْخُل؟))، فسمع الرجل ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: السلام عليكم، أَأَدْخُل؟ فأذِن له، فدخل[5].
ورَوَى مُطَرِّف، عن مالك: أن زيد بن أَسْلَم، استأذن على ابن عمرَ، فقال: "أَأَلِجُ؟"، فأذِن له ابن عمر، قال زيد: فلما قضيتُ حاجتي، أقبل عليَّ ابن عمر، فقال: مالَك واستئذان العرب؟ إذا استأذنت فقل: "السلام عليكم"، فإذا رُدَّ عليك السلام، فقل: "أَأَدْخُل؟"، فإن أذِن لك، فادخل[6].
وينبغي أن يكونَ الاستئذان ثلاثَ مراتٍ، يقول المستأذِن في كل مرة: "السلام عليكم، أَأَدْخُل؟"، فإن لم يؤذَن له في الثالثة، فليرجع ولا يَزِد على الثلاث، وهذا لا ينبغي أن يُختَلَف فيه؛ لثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثبوتًا لا مطعَن فيه.
فعَن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: كنتُ جالسًا بالمدينة في مجلس الأنصار، فأتانا أبو موسى فَزِعًا أو مذعورًا، قلنا: ما شأنك؟! قال: إن عمرَ أرسل إليَّ أن آتِيَه، فأتيت بابَه، فسلَّمت ثلاثًا، فلم يَرُدَّ عليَّ، فرجعتُ، فقال: ما منعَك أن تأتيَنا؟ فقلتُ: إني أتيتُ، فسلَّمت على بابك ثلاثًا، فلم يَرُدُّوا عليَّ، فرجعتُ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا استأذن أحدُكم ثلاثًا، فلم يؤذَن له، فليرجِع))، فقال عمر: أقم عليه البيِّنة، وإلا أوجعتُك، فقال أُبَي بن كعب: لا يقوم معه إلا أصغر القوم، قال أبو سعيد: قلتُ: أنا أصغر القومِ، قال: فاذهب به[7].
والمستأذِن إذا قال له ربُّ المنزل: "من أنت؟"، فلا يجوز له أن يقول: "أنا"، بل يُفْصِح باسمه وكنيته إن كان مشهورًا بها، كما في حديثِنا الجليل، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - كَرِهَ رَدّ جابرٍ - رضي الله عنه - بـ "أنا"؛ لأنه أجاب بغير ما يُفِيد علمَ ما سأل عنه، وليس فيه بيانٌ شافٍ، ولا فائدةٌ تُذْكَر.
قال النووي: "ولا بأس بقوله: أنا أبو فلان، أو القاضي فلان، أو الشيخ فلان، إذا لم يحصل التعريف بالاسم لخفائه"[8].وعلى هذا ينبغِي لكلِّ مؤمنٍ مُنقادٍ لحكم الله - عز وجل - ورسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يعرِف أن الشريعة السَّمحة قد أعطت بهذا التشريعِ ربَّ البيتِ الحقَّ في أن يتعرَّف على شخصية المستأذِن، بصورة واضحة، لا لبْسَ فيها، ولا تعريض، ولا التواء؛ حتى يبنِيَ على ذلك: هل يأذَن له بدخول بيته، أم لا؟ لأنه ربما تسمَح ظروفه باستقبال شخصٍ دونَ آخرَ؛ تبعًا لاعتباراتٍ عدَّة، فتحقيقًا لهذه المصلَحة؛ ينبغِي أن يُجِيب مَن قيل له: "من؟" بجوابٍ مطابِقٍ للسؤالِ، بأن يقول: "فلان"، لا كما يفعله مَن غابت عنهم الآداب الشرعية، بل الحقائق اللغوية، فيقول في جواب "من؟": هل فلانٌ موجودٌ؟ فإن السؤال لا يُجَاب بسؤالٍ[9].
ومن المواقف الطَّرِيفة في توبيخِ مَن يُجِيب بـ" أنا": ما حدث مع الإمام المحدِّث أبي نُعَيم الفَضْل بنِ دُكَين، وكان - رحمه الله - ذا دعابة؛ حيث دقَّ رجلٌ عليه الباب، فقال أبو نعيمٍ: "مَن ذا؟ قال: أنا، قال: مَن أنا؟ قال: رجلٌ من ولد آدم، فخرَج إليه أبو نعيم، وقبَّله، وقال: مرحبًا وأهلاً، ما ظننتُ أنه بَقِي من هذا النسل أحدٌ[10].
ومن آداب الاستئذان: أن لا يقف المستأذِن قبالة البابِ مستقبلاً إيَّاه، ولكن يَقِف بجنبٍ وينحرِف، جاعلاً الباب عن يمينِه أو يسارِه، والمقصود أن يَقِف على صفةٍ، لا يطَّلع معها على ما بداخل البيت في إقبالِه وإدبارِه؛ فعن عبدالله بن بُسْرٍ، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أَتَى بابَ قومٍ، لم يستقبلِ البابَ من تلقاء وجهِه، ولكن من ركنِه الأيمن أو الأيسر، ويقول: ((السلام عليكم، السلام عليكم))، وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذٍ ستورٌ[11].
وأخيرًا قد يأتي اعتذارُ صاحبِ البيت عن الإذنِ بدخوله ضمنيًّا أو صريحًا:
وقد دلَّ قولُه تعالى: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا ﴾ [النور: 28] على حالة الاعتذار الضمنيِّ، فربما كان في البيت صاحبُه، لكنه لم يشأ أن يَرُدَّ على المستأذِن، فيصدق على المستأذِن أنه لم يَجِدْ فيها أحدًا؛ لأنه تعالى نَفَى الوجدان، ولم ينفِ الوجود، ولو قال: "فإن لم يكن فيها أحد"، لما كان هذا المنزع اللطيف، والسر الدقيق.
ودلَّ على الاعتذارِ الصريحِ قولُه تعالى: ﴿ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ ﴾ [النور: 28].
فإذا استأذَن شخصٌ وأُجِيب بقول صاحبِ الدارِ:  ارجِعوا، فالواجِب الانصراف فورًا، وهو على يقين أن هذا أفضل له؛ لأن ما قال الله: إنه أزكى لنا، لا شكَّ أن لنا فيه خيرًا وأجرًا.
________________________________________
[1] رواه البخاري، كتاب الاستئذان، باب "إذا قال: من ذا؟ فقال: أنا"، رقم 5781، ومسلم، كتاب الآداب، باب "كراهة قول المستأذن: أنا، إذا قيل: من ذا؟"، رقم 4011.
[2] الأدب الضائع؛ محمد بن إسماعيل، الدار السلفية بالإسكندرية.
[3] في ظلال القرآن: 2508.
[4] انظر كفاية الطالب الرباني، وحاشية العدوي 2/439-440.
[5] صحيح الأدب المفرد ص 418 - 419، وأيضًا صحَّحه الألباني في صحيح الجامع، انظر: حديث رقم:  4397 في صحيح الجامع، والحديث رواه أبو داود 5168، أبواب النوم، باب كيفية الاستئذان، ورواه أحمد 5/369، وقال الحافظ في الفتح 11/3: سنده جيد، وقال: صحَّحه الدارقطني.
[6] أخرجه عبدالرزاق في مصنفه (10/383)، وابن أبي شيبة في مصنفه 8/608.
[7] رواه مسلم، كتاب الآداب، رقم 5435.
[8] شرح النووي لمسلم 14/135 - 136.
[9] الأدب الضائع؛ محمد بن إسماعيل، الدار السلفية بالإسكندرية، ص62.
[10] سير أعلام النبلاء، الذهبي، 10/154.
[11] رواه البخاري في الأدب المفرد رقم 1082، وأبو داود 5186، وصحَّحه الألباني في صحيح الأدب المفرد ص 417، رقم 822.

اكتب تعليق

أحدث أقدم