رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الثقافة الإسلامية مصباح الحياة

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الثقافة الإسلامية مصباح الحياة




بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف

مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن الثقافة الإسلامية هي مصباحُ الحياة الذي ينير عقلَ الإنسان، بعد أن غطَّته الثقافاتُ الأخرى بحُجُب من الظلام الكثيف.
وثقافةُ الأمَّة هي معيارُ تقدُّمها، ومقياس سمعتها، وميزان رُقيِّها بين سائر الأمم والحضارات المختلفة.
فثقافةُ المسلم تنعكس بالضرورة على شخصيته، فما من وسيلةٍ لتشكيل أفكارِ الأفراد ومعتقداتهم، وخبراتهم وانفعالاتهم، بل عاداتهم وتقاليدهم، إلا بما يحصلونه من ثقافات؛ فالثقافة هي: الكيان المادي والروحي للفرد؛ وبالتالي للمجتمع.
والثقافة الإسلامية تصوغ الشخصية، وتشكِّل الهُوية، تغذي في الفرد روح الانتماء، وتُذكِي في المجتمع روحَ الولاء، وتشعل في الأمة دافع العطاء، فبها يعِي الفردُ وعيًا علميًّا صحيحًا حقيقةَ الإسلام وشموليته، ومدى صلاحيته لأن يكون منهجًا للحياة في كافَّة نواحيها، وهذا لا شك يُنَمِّي شعورَ الولاء لهذا الدين.
فبالثقافة الإسلامية يدرك المرءُ دينه إدراكًا صحيحًا، خاليًا من التحريفات والشبهات والأباطيل التي لا يفتأ أعداءُ الإسلام يدسُّونها ضد ثقافتنا ومذهبنا.
وبالثقافة الإسلامية يمكن للمسلم دَحْض هذه المفتريات الدخيلة، التي حاكها الأعداءُ ضدَّ الإسلام في القديم والحديث.
ودراسة الإسلام تؤدِّي إلى ترقية مشاعر الإنسان، وصقل مواهبه، وتنمية مداركه، وزيادة نشاطاته الفكرية والحركيَّة، فتنطلق النفسُ متطلعةً إلى آفاق جديدة.
وما من علمٍ كالثقافة الإسلامية، التي هي ربطٌ بين حاضر الإنسان وماضيه المجيد، وواقعه الحالي وتراثه التليد، فتحفظ تاريخَه عن الضياع والاندثار، وتَكتب لفكره الذيوعَ والانتشار، فهي توثِّق الصلةَ بين العقل والقلب والجوانح، وتربط بين الماضي المشرِق الزاهر، والحاضر المقلِق، والمستقبل المنشود.
ولهذا كان الغزوُ الفكري أشدَّ خطرًا وأعمق أثرًا من الغزو العسكري؛ حيث يدمِّر ثقافةَ الأمم، مخلفًا وراءَه أمَّة متخبطةً مُحْبَطَة، بعد أن فقَدت هُويتها، وشُوِّهت ثقافتها.
والثقافة الإسلامية تساهم في تفتيح العقل وتخليصه من التعصُّب المذهبي الأعمى، فتحرِّر العقلَ من التعصب لآراء الرجال، إلى الإنصافِ والانتصار للحقِّ المشفوع بالأدلة الثابتة، والبراهين القاطعة، فيستقيم الفكر بموازين العلم بعيدًا عن الهوى والظنِّ، فهي ثقافةُ الاتزان والاعتدال، لا تجنح بالحياة إلى جانبٍ على حساب جانب، ولا تتحيَّز لمذهب، ولا تستعلي على الناس أو تُهوِّن من شأنهم إن لمست فيهم نقصًا أو قصورًا.
ودراسة العقيدة والتاريخ وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، من الأمور الهامَّة التي تؤصِّل مشاعرَ الحب والولاء لهذا الدين، وتجعل الالتزامَ بالشريعة الإسلامية والاقتداء بسنته المطهرة أمرًا محببًّا للنفس، تقتدي به حُبًّا، وتتبعه رَغَبًا.
فالأمم تفزع إلى ثقافتها وتاريخها عند تعرُّضها للمحن والأزمات، تستمد منها صدق العزيمة، وتبعث فيها علوَّ الهمة.
ولتعزيز الانتماء لهذا الدين لا بدَّ أن تتوازنَ القوتان العلميَّة والعملية، فلا بد من اجتماع علمٍ نافع، مع إرادة عاملةٍ منفِّذة لنهضة هذه الأمة، التي هي خيرُ أمَّة أُخرجت للناس.
فتعزيز الانتماء لهذا الدين لا يتأتى بمجرد التقليد والمحاكاة، فقد أتى على الناس حينٌ من الدهر لم يُعْمِلوا فكرَهم في النظر لهذا الدين، بل اكتفوا بالتقليد يقولون: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 22].
وإن كنا لا نهمل دورَ الأسرة والبيئة المحيطة بالإنسان منذ نشأته الأولى، كما لا ننكرُ دورَ المؤسسات التربوية والتعليمية التي تلعب دورًا هامًّا مؤثرًا على ثقافة المرء التي هي جزء حيوي أساسيٌّ من حياته.
لكن مع كلِّ هذا لا بد من النظر والاستدلال؛ حتى يقوى الانتماء لهذا الدين الحقِّ؛ وإلا كيف لنا أن نعرف أنه خيرُ دين اختاره اللهُ وارتضاه؟ وكيف لنا أن نستشعر هذا الدِّين بصدق وحبٍّ، ونشعر بروحه تسري في الأعماق والأوصال؟
إن الامتدادَ الزماني والمكاني لهذا الدين العظيم يجعلُنا نعطي أولويَّة في تعلُّمه وصرف الوقت للتثقُّف فيه، فلا يكفي أن يكون مجرَّد عواطف ومشاعر حبيسة القلب لا تترجمها الأفعال، وإن أُسُس العقيدة وآداب الإسلام وأخلاقه ما هي إلا جزءٌ من الثقافة الإسلامية.
وإذا تأملتَ وجدت أن ضعفَ الثقافة الإسلامية لدى المسلمين أدَّى إلى خروج جيلٍ ضعيف، غير راسخة جذورُه، تتلاعب به الأمواجُ، وتتكالب عليه الأعداء.
لا بد من تعزيز الانتماء إلى الفكرةِ، ووحدة التلقِّي لدعم الانتماء للدين الإسلامي، وصناعة المناعة الفكرية لدى المؤمن ضدَّ الثقافات الانحلاليَّة التي لا تزيده إلا همومًا وأثقالاً وزعزعة عاطفته لهذا الدين، فلا انتماء بلا ثقافة؛ إذ كيف تنتمي لدينٍ لا تعرف عنه شيئًا سوى أمور سطحية لا تعمِّق الولاء، ولا تزيد الانتماء؟
وإن الثقافةَ الإسلامية إذا لم تقدَّم للدارس بالشكل الصحيح الجادِّ والمتقن، فستكون معوَل هدمٍ في حضارة الأمة، وسببًا في اهتزاز صورتها، بدلاً من إحيائها ونهضتها وازدهارها القِيَمِيِّ والحضاري.
إن الانتماء لهذا الدين انتماءٌ مصيري؛ لا نبغي عنه حِوَلاً، ولا نرضى بغيره بَدَلاً، والسعادة كلُّ السعادة في خدمته عن فَهم واقتناع، وذلك لا يتَأَتَّى إلا بتعلُّم مبادئه وأحكامه.
وإن الأعداء لا يَكلُّون ولا يَمَلُّون، ولا يدَّخرون وسعًا في تقويض دعائم هذا الدين، يسعون حَثيثًا في تفريغ الدين من محتواه، ويبذلون جهدَهم في محاولةٍ لطمس هويتنا الإسلامية بهَدْمِ هذا الانتماء وتمييعه في نفوس أبنائه.
لهم خططٌ ومشاريع هم لها عاكفون، يشنون حربًا لا هوادة فيها، يُشَنِّعُون على الإسلام، ويسبُّون رسول السلام، ويتآمرون على لغةِ القرآن، يثيرون الشبهات، ويبثُّون الضلالات والانحرافات؛ حتى نجحوا في شغلِ المسلمين عن أهدافهم العظيمة وقضاياهم الجسيمة بالتفاهات والشهوات.
وبقدر اختراقهم لثقافة الأمة وتمكُّنهم من إصابة ثَوَابتها الثقافية، تكون تابعةً لهم، وهذا بداية الانهزام، ثم الانهيار، وبالتالي ضياع الأمة.
فالتقليد الثقافي لا شكَّ يُحَقِّر الأمة ويقلِّل من شأنها، لا نريد أن نحاكي الآخرين في ثقافتهم ونتقمَّص شخصيتهم؛ فنذوب داخلهم لا نقوى على فعل شيء.
والأمة مُستهدَفَة منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان المشركون يحاولون وَأْدَ الدعوة في مهدها، وإيقاف مدِّها؛ بإثارة الشبهات حول العقيدة تارة، والطعن في النبي صلى الله عليه وسلم تارة أخرى، فليس هذا بجديد.
فعلى المسلم أن يوطِّن نفسَه، ويضبط سلوكه، ويجعل هواه تبعًا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؛ انتماءً وانتسابًا، وعاطفة وتحركًا، وتَكَيُّفًا مع عقيدته وشريعته، وآدابه وأخلاقه.
وقد نهى الإسلامُ عن ذوبان الشخصية المسلمة، وحذَّر من اتباع المبادئ الهدَّامة المنتشرة في سائر المجتمعات التي لا تؤمن بالله ربًّا ولا بالإسلام دينًا؛ فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 51].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((خالفوا اليهود))؛ فالولاء أبدًا لا يكون إلاَّ لهذا الدين، كما قال تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ [المجادلة: 22].
وليس معنى هذا ألاَّ يكون المسلمُ على علمٍ بالثقافات الأخرى، يأخذ ما ينفعه ويدع ما يضرُّه، بعيدًا عن اختلاط المفاهيم؛ فـكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الكَلِمَةُ الحِكْمَةُ ضالَّةُ المؤمن؛ فَحَيْثُ وَجَدَهَا، فَهُوَ أَحَقُّ بِها))؛ رواه الترمذي.
نحن لا نعارض الثقافات الأخرى والإفادة منها، أَمَّا أن تكون سببًا في تمييع هويتنا، وانسلاخنا عن ديننا، وتقوية ولائنا لهم، فلا؛ عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَعَلَّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِن كِتَابِ يَهُودَ، قَالَ: ((إِنِّي وَاللهِ مَا آمَنُ يهُودَ عَلَى كِتَابٍ))، قَالَ: فَمَا مَرَّ بِي نِصفُ شَهْرٍ حَتَّى تَعَلَّمْتُه لَهُ، قَالَ: فَلَمَّا تَعَلَّمْتُهُ كَانَ إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ كَتَبتُ إِلَيْهِمْ، وَإِذَا كَتَبُوا إِلَيْه قَرَأْتُ لَهُ كِتَابَهُمْ))؛ رواه الترمذي.
إن سبب انحطاط المسلمين وتأخُّرهم عن ركب الحضارات المتقدمة - هو نكوصهم عن اتِّباع دينهم، وإحجامهم عن التثقيف والتعليم الذي يُبَصِّرهم حقائقَ هذا الدين، فلا يتأمَّلون في أسباب الإيمان ودواعيه.
إن الحفاظ على الهوية الإسلامية، وتعزيز الانتماء لهذا الدين: يتطلَّب جهودًا ضخمة مكثفة؛ فشعبٌ بلا هوية، جسدٌ بلا حياة، فالهوية هي أثير النفس وإكسيرُ الحياة، والأمَّة التي تنسلخ عن هويتها وثقافتها فهي إنما تعلن صراحةً تخليها عن حياتها وقوام وجودها، فعَزْل الثقافة عن الحياة العامة يعتبر بمثابة دعوة للثقافات الأخرى - التي تتعارض كليًّا وجزئيًّا مع شريعتنا وعقيدتنا، وسياستنا وأخلاقنا، وسائر أفكارنا - لتتغلغَل داخل كياننا الإسلامي المتميز الفريد، فتقودنا إلى التبعية والعبودية، وبالتالي إلى الانهزامية.
فلا بد من تَضَافر القُوى وتكاتف الجهود؛ للحفاظ على هذه الهوية؛ بنشر الثقافة الإسلامية، وتوعيةِ الناس بتعليمهم العقيدة الصحيحة، واسترجاع أمجادِنا بنشر تاريخنا وملءِ الفراغ الحضاري الذي آل إليه حالُنا بتنمية معارفنا، بالاطِّلاع على كتب التراث العريقة التي خلفها أجدادُنا على امتداد الأزمان البعيدة والقرون المديدة، والانفتاح على الثَّقافات المعاصرة بعقلية ناضجة تميز الغثَّ من السمين، تفيد من العلوم النافعة وتَلفظ الأباطيلَ.
ولا بد لتحقيق هذا من الاستعانة بإعلامٍ إسلامي منصف متقدِّم يساير العصرَ، في مواجهة الإعلام المضلل الذي سيطر على أفكار الناس حِقَبًا من الزمن، وظيفته تحريف الكَلِم عن مواضعه، يشوِّه الحقائق ويزين الأباطيلَ.
لا بدَّ من تقديم الانتماء والولاء للإسلام على ما عداه من انتماءاتٍ أخرى قومية أو عرقية أو عنصرية.
لا بدَّ من استغلال مكتسباتنا العلمية والثقافية والأدبية لصالح هذا الدين.
حِقَب من الزمان توالَت حافَظَ فيها أجدادُنا على ثقافتهم الإسلامية العريقة، فكانوا بحقٍّ جيلاً فريدًا، صاغوا أسمى منهج لأرقى حياة.
ثم خلف من بعدهم خَلْفٌ أَفْسَدَتِ الثقافةُ الدخيلةُ صفاءَ إيمانه، فلم يعُد يطمئن إلى ما اطمأن إليه أسلافُ الأمة وجيلها الأول؛ حيث تأثروا بدعاة الفتن ومختلقِي الشبهات الذين يهدفون إلى هدم أصولِ الشريعة وأركانها.
ليتنا نعي جيدًا مكرَ أعدائنا، وما يُدَبَّر بِلَيْلٍ لثقافتنا؛ فنأخذ حذرنا، ونذود عن حياضنا، ونُعَلِّم أبناءَنا ديننا، ونعمق ولاءَهم وانتماءهم لهذا الدين الحقِّ؛ ليكون امتدادًا لهذه الحضارة المستنيرة على مدى الأزمان.

اكتب تعليق

أحدث أقدم