رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الإتقان في العمل

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الإتقان في العمل

بقلم \  المفكر العربى الدكتور  خالد محمود عبد القوي  عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى 
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين 
مما لا شك فيه أننا أُمرنا بالإتقان في العمل وطلب من الرسول الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - الإتقان على أحسن أوجهه حين قال: (...فاستقم كما أمِـرت..) [(الشورى]، وقال - تعالى - أيضاً: (..واستقم كما أمِرت..) [هود]، وقال - تعالى - بشأن تبليغ الرسالة: (يا أيها الرسول بلـّغ ما أنزِل إليك من ربك وإنْ لم تفعل فما بلـّغت رسالته والله يعصمك من الناس إنَّ الله لا يهدي القوم الكافرين) [المائدة]، وقال أيضاً: (يا أيها المدثــّر * قم فأنذر) [المدثر]، وغيرها من الآيات التي تحث على العمل والإتقان، إنها كلمات ربانية جامعة تحث على التهيئة والنشاط والاستقامة والإتقان.
ولقد جاء الله بمفهوم الإتقان في آياته وطلب من عباده الإتقان في أعلى درجاته والله الحكيم الخبير هو أولاً وأخيراً بديع السموات والأرض وما بينهما، فله المثل الأعلى، والله - عز وجل - ليس كمثله شيء.
سنطرح بشكل مختصر مفهوم الإتقان من ناحية أحد الأنظمة العالمية في الجودة وهو الآيزو 9000، هذا النظام المتبع عالمياً من قبل كثير من الشركات الكبيرة ذات السمعة العالية في الجودة والإتقان في العمل وغيرها من الشركات مختلفة الأحجام، ونعرج بعد هذا الطرح على مفهوم الإتقان في القرآن الكريم، وما أراد الله - تعالى - للفرد خاصة وللبشرية عموماً في موضوع الإتقان في العمل.
أولاً لنضع مبدأ الوصول إلى الجودة في العمل نصب أعيينا، فالمبدأ العام لتحقيق الجودة هو: "التخطيط، العمل، التحقق، التصحيح"، نرى أنّ الغالبية العظمى من أنظمة الجودة العالمية المعتمدة وغير ذلك مبينة على هذا المبدأ.
نظام الآيزو 9000 هو عبارة عن مجموعة من المفاهيم المتعلقة بالجودة والتي تشكل نظاماً إجرائياً وإدارياً تتبعه الشركة أو جزء منها وتكون موثقة، وتحصل بذلك على شهادة بأن المنتج خاضع للرقابة من قبل القوانين التابعة لهذا النظام "مع العلم أن الشهادات تابعة لمهارة أو نزاهة القائمين على التطبيق أو التفتيش أو كليهما"، وهذا النظام تابع للمنظمة العالمية للمقاييس وهو أحد منتجاتها، ونظام الآيزو 9000 هو نظام جودة متبع في أكثر بلدان العالم ويعطي الثقة بالمنتج، وليس لهذا النظام علاقة بطعم المنتج أو رائحته مثلاً بالنسبة للأغذية أو شكله أو مقاييسه إلخ.. إنما هي إجراءات تتبعها الشركة نابعة من مبدأ التحكم بالإجراءات وبالعمليات المؤدية إلى خروج المنتج إلى حيز الوجود بما يتناسب مع تحقيق المتطلبات والمواصفات.
فمفهموم نظام الآيزو 9000 هو مجموعة خطوات، وإجراءات تتخذها الشركة للتأكد من الحصول على منتج مطابق للمواصفات المرجوّة أو المعتمدة، وليس بالضرورة أن يكون المنتج على أعلى المستويات التي يمكن الحصول عليها على الإطلاق.
وهناك أربع فقرات تلخص هذا النظام:
* تحديد مسؤوليات الإدارة.
* إدارة المصادر والكوادر الضرورية.
* التحكم بعمليات الإنتاج كلّها، ووضع أسس لها ولعلاقاتها مع بعضها.
* القياس والتحليل والتطوير.
أمّا الأسس التي بـُني عليها نظام الآيزو 9000 فهي ثمانية:
* التركيز على العميل ومتطلباته.
* القيادة في العمل.
* إعمال العاملين.
* الترابط بين العمليات.
* الأنظمة في الإدارة.
* عملية تطوير الأداء المستدامة.
* اتخاذ القرارات بناء على علم ومعلومات.
* العلاقة المتبادلة بين عناصر الإنتاج.
وهذه الأسس هي جزء بسيط من المفهوم الكلي للجودة والاتقان، قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) [المائدة]، وتجتمع هذه الأسس عموماً على تحديد المتطلبات والمواصفات والعمل على تحقيقها، والتأكد منها قدر الإمكان حسب خطط مرسومة ومنهجية مدروسة، وكلما اقترب التحقيق من الهدف كلما ازدادت نسبة تحقيق الجودة الكلية.
أما شرح هذه الأسس وتطبيقاتها فهو ليس موضوعنا في هذا الصدد.
وقبل أن نشرع في الشرح المبسط للإتقان كما جاء في بعض آيات القرآن الكريم علينا الاعتقاد بكتاب الله الحكيم الخبير، وأنه من عند الله الأحد الصمد، هذا الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قال الله - تعالى -: (وما من دابّـة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون) [الأنعام]، والعبرة هنا في: (ما فرطنا في الكتاب من شيء)، ومن هنا أول ما نبدأ به هو قول الله - تعالى -: (والسماء رفعها ووضع الميزان) [الرحمن]، تلك مواصفات قياسية على المستوى الإلهي لا تدركها الأبصار ولا تصل إليها العقول، وليس لمخلوق أن يقلدها إلا أنه يتفكر فيها ويسبّح بحمد خالقه وخالقها، ولن يستطيع محاكاتها إلا بالقسط اليسير مما أعطى الله، وأوحى على هذه الأرض وما حولها من العلم والمعرفة، قال - تعالى -: (...وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) [الإسراء].
وقد قال الله - تعالى - عن الذكر الحكيم أنه آيات محكمات، والشيء المُحكم هو الشيء المُتقن (ولله المثل الأعلى)، فقد فصّل الكتاب وأنزل الشريعة والقانون، والشريعة نظام متكامل لا يشوبه زيغ، ولا ينتابه باطل فهو من لدن حكيم خبير، فالحكمة والخبرة أساس الإتقان ومن قبلها يأتي العلم، فالعلم له الرصيد الكبير والحصة الأعلى في وضع المواصفات والمقاييس، ولهذا فإن نظام الآيزو مثلاً يحتاج إلى علم وخبرة، ثم حكمة لكي ينجح لأن الحكمة تؤدي إلى منتج يحاكي الحاجات دون غش أو تدليس من أجل ربح وقتي قد يعود بالضرر على الفرد والمجتمع، وأي إجراءات تتماشى مع هذا النظام أو ذاك بعد اعتماده يجب أن تتوخى الحكمة والخبرة أيضاً.
وكما قلنا أن لله المثل الأعلى، ففي المواصفات القياسية للكون وضع الله نواميس الكون وقوانينه، وخلق السموات والأرض وسوّاهما، وقدّر فهدى وتعهد بحفظهما:
* خلق السموات.
* وضع الميزان.
* القوانين والنواميس.
* التقديرات.
* التطبيق.
* حفظ الملكوت.
* وخلق السموات:
قال - تعالى -: (إني جاعل في الأرض خليفة) [البقرة]، وقال: (والسماء بنيناها بأيدٍ وإنا لموسعون) [الذاريات]، وقال أيضاً: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) [القمر]، هل هو التقدير أم القدر الناجم عن الفكرة التي قدرها الله - تعالى - بأن يخلق ما يخلق أم كلاهما، ولو شاء لخلق غير الذي نعرف والذي لا نعرف، ذلك تقدير العزيز العليم، فهو أعلم بما خلق ويخلق وهو على ما يشاء قدير، وقال أيضاً: (وإلى السماء كيف رُفعت) [الغاشية]، وقال: (وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق..) [الأنعام].
*  وضع الميزان:
قال - تعالى -: (والسماء رفعها ووضع الميزان) [الرحمن]، ولننظر في قول الله - تعالى - في سورة الرعد عن خلق السموات بغير عمد فهي حقيقة كبرى، وميزان لا يضاهيه ميزان، قال - تعالى -: (الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصّل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون).
* القوانين والنواميس:
قال - تعالى -: (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم، والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم) [يس]، وقال أيضاً: (خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار) [الزمر]، وقال أيضاً: (مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان) [الرحمن].
* التقديرات:
قال - تعالى -: (وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين) [فصّلت]، وقال: (..والنجوم مسخرات بأمره..) [الأعراف] والنحل، وقال أيضاً: (سخر الشمس والقمر) [فاطر]، وقال أيضاً: (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) [الحجر].
* التطبيق:
قال - تعالى -: (كن فيكون) [يس]، وقال أيضاً: (أولم يرَ الذين كفروا أنّ السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون) [الأنبياء]، فما أدراك بالمؤمنين فهم أحق وأولى أن ينتبهوا وأن يدركوا آيات الله العظيمة.
* الحفاظ على الملكوت وما فيه:
قال - تعالى -: (..وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العليّ العظيم) [البقرة].
هذا والله أعلم بما خلق ويخلق وما أبدع ويبدع، قال - تعالى -: (...وفوق كل ذي علم عليم) [يوسف].
والبديع اسم من أسماء الله الحسنى، فالله - تعالى - هو بديع السموات والأرض، والإبداع هو أعلى درجات الصنع كالعلاقة بين الإحسان والإيمان، كما أن الإبداع هو صنع أو خلق دون وسيلة ولا مادة ولا زمان ولا مكان ودون مثال يحتذى به أو يقتدى به، فالله هو المتفرد البديع بذاته وبمصنوعاته فلا ندَّ له ولا مثيل له ولا لمخلوقاته.
والصنع صنع الله، قال - تعالى -: (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون) [البقرة]، وفي رواية أخرى: (صنعة الله)، وقال - تعالى - عن خلق الإنسان: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) [التين]، هذا هو الإتقان الرباني وفوقه الإبداع الرباني العظيم، قال - تعالى - أيضاً: (الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين) [السجدة].
ولقد أمرنا الله - تعالى - بالإتقان ديناً ودنيا وأمرنا بالعلم على أعلى المستويات لتحقيق نتائج مرضية للأطراف بما يقتضي المصلحة العامة والخاصة، والمصالح المتبادلة حسب الاتفاق، إلا أن يكون الأمر متعلق بحرام أو بتخطي لحدود الله التي لا خلاف عليها.
ومن يريد أكثر من حديث الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في الإتقان، فعن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)) أخرجه الطبراني، مع ملاحظة أن هذه النصيحة جاءت بصيغة الأمر، وعن أبي يعلى شداد بن أوس، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته)) رواه مسلم.
وفي الإتقان في المعاملات قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) [الحجرات]، وقال أيضاً: (..ولا يغتب بعضكم بعضاً..)، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة والأحاديث الشريفة التي تحث على الإتقان في التعامل والمعاملات، وقال - تعالى -: (..وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم..) [البقرة]، والفضل من تمام العمل يزخرفه الإحسان، إلى غير ذلك من الأخلاق الجمة في المعاملات والفضيلة.
وفي العقود قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) [المائدة]، وهنا نادى الله الذين آمنوا لأنّ الله - سبحانه - يعلم أنه لا يكون للذين كفروا عهد ثابت، وإن كان فهو لدنيا أو عرض زائل.
وفي الوفاء بالعهد قال - تعالى -: (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) [البقرة]، فالوفاء بالعهد من التقوى وتحقيق الهدف من الإتقان.
وفي هدي الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - عندما قال: ((اعقل وتوكل))، مبدأ جامع من مبادئ الإتقان العظيمة.
وهنا نعرج على آية الدَّين في سورة البقرة حيث قال الله - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه...)، جاء فعل الكتابة بصيغة الأمر، فالكتابة والتوثيق، والعقود والصكوك أمر من الله - تعالى - لعباده المؤمنين.
وفي سورة الأعراف آية عظيمة في الشهادة: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتـَهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أنْ تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين)، فسبحان الله العظيم على قدرته على الخلق والبعث والنشور.
وفي سورة النساء قال الله - تعالى - مخاطباً الأزواج: (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً)، فالتعليمات واضحة في أمر أخذ الميثاق وهو احترام العهود والمواثيق بما فيها من تعليمات وإلا فإنّ الإنسان آثم.
وقال الله - تعالى - في سورة ص: (يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلـَّك عن سبيل الله...)، ومعنى بالحق أي بالعدل والإنصاف من بعد التحقق من الأمور والدراية بما هو قائم من الأدلة والمعلومات.
وفي قصة إبراهيم - عليه السلام - من سورة البقرة عبرة وعظة عندما أعطاه الله التعليمات في أخذ أربعة من الطير: (وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولمْ تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهنّ إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهنّ يأتينـّك سعياً واعلم أنّ الله عزيز حكيم)، فهي تعليمات واضحة ونتيجة مثلى كما أراها الله - عز وجل - فقد آتت التعليمات والتطبيقات أكلها، فهو العزيز الذي لا يغلبه أحد، والحكيم بأقواله وأفعاله.
وفي قصة نوح - عليه السلام - تعليمات ومواصفات من الله - عز وجل - بالوحي لبناء الفلك للنجاة من الطوفان العظيم، وللنظر إلى التحضير والصنعة نقتطف من سورة هود: (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون * ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون)، ومن سورة المؤمنون: (فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا...)، تلك بعض التعبيرات القرآنية للدلالة على الجودة والإتقان في تحديد الهدف والصنعة، وقال - عز وجل -: (وهي تجري بهم في موج كالجبال..)، لقد تحدَّت السفينة الموج العالي فصنعها متقن جداً تحت التعليمات الربانية الموحاة، ونوح - عليه السلام - أخذ وقته لصنعها على أكمل وجه، فعندما يأتي العلم للإنسان يعلم الهدف ويخطط له ولا يأبه للمصاعب ولا للآخرين وهذا من عناصر وسمات القيادة الفعالة في العمل وفي الدنيا عموماً، ثم قال الله - تعالى -: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعداً للقوم الظالمين)، تلك هي حكمة عجيبة، وفكرة رهيبة، وكلام لا كلام بعده فهو في غاية الإتقان والروعة والجزالة، وهذه التعليمات الربانية ليست كتعليمات البشر إنما هي بوحي من الله لمخلوقاته، واللغة التي يخاطب بها الله - تعالى - مخلوقاته ليس كاللغة التي نعهدها أو الأفكار التي نعرفها أو الطريقة التي يمكن لنا أن نتصورها، فالله - تعالى - هو الخالق الجبار المتكبر يتصرف بمخلوقاته بمشيئته التي لا تعلوها مشيئة، ولا تعدوها أفكار ولا آراء.
أما في محاسبة النفس والتفتيش على المستوى الفردي فنجد آياتٍ كثيرة وأحاديث جمة في هذا الباب، وهناك مقاييس وعلى الإنسان محاكاتها قدر الإمكان، وكلما شذ عنها رجع إليها فهذا هو السعي وراء الإتقان، ومن يفعل ذلك فهو في بستان الحكمة وليسأل الله الثبات والمزيد من الحكمة، ويكون بذلك بين النفس المطمئنة والنفس اللوامة.
فالإتقان في العمل أمر من الله ورسوله للناس كافة وللمؤمنين خاصة للرقي بالبشرية على أحسن وجه وأكمل طريق، فالقوانين الوضعية والأسس التي تعني بالإتقان والجودة شاءت أم أبت تراها تستمد مفاهيمها من رسالات الله - تعالى - للبشرية فهو الخالق والمقدّر والمدبّر.
وفي الرقابة عموماً آيات وأحاديث عديدة ومتنوعة، قال - تعالى -: (كراماً كاتبين * يعلمون ما تفعلون) [الانفطار]، وهذا من الرقابة ومن أحسن من الله رقيباً للناس والأرض والسموات والكون بأسره إنه هو الرقيب الحسيب.
فالجودة هي تطبيق الإجراءات وتحقيق المواصفات ظاهرياً، أما التقوى أو درجة التقوى فهي درجة الاقتراب من المواصفات الربانية مع وجود ذلك العامل الخفي ألا وهو النية والاحتساب "أي الإخلاص".
وختاماً نقول: إن الله البارئ البديع غني عن العالمين، وأن لله المثل الأعلى، وله الأسماء الحسنى وهو العزيز المتعال، خالق الكون ورب العرش العظيم، اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلّم، اللهم أحينا حياة طيبة، واجعلنا من السعداء في الدنيا والآخرة، ونسألك اللهم أن تجعلنا من المتقين ومن المتقنين لأعمالنا.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

اكتب تعليق

أحدث أقدم