رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن دعائم الشريعة الإسلامية

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن دعائم الشريعة الإسلامية

 
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود  عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين 
مما لاشك فيه أنه لا بدَّ لكل تشريعٍ من دعائمَ يقوم عليها، وتساعد على بقائه ودوامه بين الناس، راضين بعدالته، ومُطمئنين إلى حكمته وتَمشِّيه مع مصالح الأفراد والجماعات، والشريعة الإسلامية - بحمد الله - لها دعائمها الثابتة، وخصائصُها التي تجعل الناسَ تُقاد إليها عن قناعة وثقة؛ لأنها تتَّفق مع الفطرة السليمة؛ ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ﴾ [الروم: 30]، وهي - كما تشهَد لها جميع الشواهد - شريعةٌ تخاطب العقول السليمة، وتَحض على العمل، وتدعو للجهاد في سبيل الله، وتنادي بالتسامح والحرية، والمساواة والبر والتقوى.
ومن أهم دعائم الشريعة الإسلامية ما يأتي:
1- أنها شريعة سمحة:
لا تُكلِّف الناسَ فوق طاقتهم؛ لأن تكاليفها كلها مُيسرة لا مَشقَّة فيها، في حدود استطاعة كل إنسان، ويقول الله تعالى في وصفها: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78]، كما يقول - سبحانه -: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286].
2- أنها جاءت شريعة عامة: 
لا نظر فيها إلى حالات فردية، أو جزئية، أو شخصية.
3- أنها سنَّت للناس رُخَصًا عند الضرورة:
رفعًا للضرر، ومنعًا للمشقة، فمثلاً فرَضت الشريعة الصيام، ولكنها رخَّصت بالفطر لبعض الناس؛ كالمسافر والمريض، وغير ذلك من الرُّخص.
4- قلة تكاليفها:
لأنها اقتصرت على الأركان الخمسة وما يتَّصل بها، ففي الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذًا إلى اليمن، فقال: ((ادْعهم إلى شهادة أنْ لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلِمهم أن الله قد افترَض عليهم خمسَ صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلِمهم أن الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم؛ تؤخَذ من أغنيائهم، وتُرَد على فقرائهم))[1].
5- التدرُّج في الأحكام:
لأنها عالجت العاداتِ الذميمةَ المتأصلة في النفوس بالتدرُّج في استئصالها شيئًا فشيئًا، من غير تشديدٍ ولا تعقيد في النهي عنها وتحريمها.
فمثلاً في عادة شُرب الخمر، جاء الإسلام بالأحكام متدرِّجة في تحريمها، بأسلوب حكيم لم يشعر الناس معه بغَضاضة أو حرَجٍ أو مَشقة.
6- مُسايرة مصالح الناس:
وذلك أنه شرَع بعض الأحكام ثم نسَخها؛ إذ كان في ذلك المصلحة العامة؛ كما حدث في بعض الأحكام الخاصة بالوصية وآيات المواريث، وكذلك تحويل القِبلة من بيت المقدس إلى الكعبة بمكة المكرمة، كما أن بعض أحكام السنة نُسِخت، فقد رُوي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((كنت نهيتُكم عن زيارة القبور، ألا فزُوروها))[2].
أهم المبادئ التي جاءت بها الشريعة الإسلامية: 
جاءت الشريعة الإسلامية بالمبادئ الآتية:
1- مبدأ التوحيد:
فقد جمع الناس على إله واحدٍ؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ ﴾ [آل عمران: 64].
2- مبدأ الاتصال المباشر بالله دون وساطة:
فقال: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، وقال - جل شأنه -: ﴿ فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186].
3- مبدأ التخاطب مع العقل:
فالتشريع الإسلامي يعتبر العقول مناطَ التكليف، خصوصًا فيما يتعلق بأمور الدنيا وبمعرفة الخالق؛ لقوله: ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2]، وقوله: ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44].
4- مبدأ إحاطة العقيدة بالأخلاق الفاضلة: 
لقوله تعالى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان: 63].
وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما شيءٌ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلق حسنٍ، وإن الله ليُبغض الفاحش البذيء))[3].
5- مبدأ التآخي بين الدين والدنيا في التشريع:
فقد جاءت أحكامه بأمور الدين والدنيا، ودعا إليهما؛ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77].
6- مبدأ المساواة والعدالة بين الناس جميعًا: 
لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابنته: ((يا فاطمة بنت محمد، سَليني ما شئتِ من مالي، لا أُغني عنك من الله شيئًا))[4].
7- مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وهو في الحقيقة دستور لجميع نواحي الإصلاح؛ قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110]، فجعل الله مُقومات الخيرية في الأمة ابتداءً في أمرها بالمعروف ونَهْيها عن المنكر. 
8- مبدأ الشورى:
لقوله تعالى: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159].
9- مبدأ التسامح:
وهو أسمى وأهم مما يُعرف اليوم بمبدأ التعايُش السلمي، وقد أمرنا وحضَّنا الله على ذلك، فقال: ﴿ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التغابن: 14]، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [الأنفال: 61]، وقال تعالى: ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 13].
10- مبدأ الحرية:
لقوله تعالى: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ﴾ [البقرة: 256].
11- مبدأ التكافل الاجتماعي:
فقد جعل الله - عز وجل - الزكاة فيها حق الفقير في مال الغني، وليست تفضُّلاً من الأغنياء على الفقراء؛ كما في قوله تعالى: ﴿ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156]، وكذلك قوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾ [الضحى: 9، 10].
ولقد حضَّنا على ذلك وأمرَنا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: لَمَّا بعَث النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذَ بن جبل - رضي الله عنه - إلى نحو أهل اليمن، قال له: ((إنك تَقدَم على قومٍ من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يُوحِّدوا الله تعالى، فإذا عرَفوا ذلك، فأخبرهم أن الله فرَض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلَّوا، فأخبِرهم أن الله افترَض عليهم زكاةً في أموالهم؛ تُؤخذ من غنيِّهم، فتُرَد على فقيرهم، فإذا أقرُّوا بذلك، فخُذ منهم وتَوقَّ كرائمَ أموال الناس))[5].
وهذه المبادئ تدل على متانة بناء التشريع الإسلامي، وقوة أركانه، وصلاحيته للأحكام في كل زمان ومكان بين جميع الأجناس، ويدل على ذلك أن الأمة الإسلامية ازدَهرت وقَوِيت شَوكتُها حينما كانت تخضَع في جميع شؤونها للشرع الإسلامي، وأنها ضعُفت وتفكَّكت حينما انصرفوا عن شريعته، وجمَد الفقهاء وركَنوا إلى التقليد، وحاولوا أن يُخضعوا التشريع لأهوائهم وشهواتهم، وأدَّى ذلك إلى الاستعانة بالقوانين الوضعية، على اعتبار أن الفقه الإسلامي لم يَعُد يتَّفق مع التطورات العالمية، وما تقتضيه المدنية الحديثة من مجاراة الدول القوية الغنية.
وقد جاء التشريع الإسلامي بحلول جذرية لكثيرٍ من الجرائم التي كانت منتشرةً، وأوجد لها الحدود التي تكفل القضاء عليها.
وبعدُ:
فانظر أيها المُنصف إلى هذا التشريع الذي جاء بحلول جذرية وقوية وشاملة، وكاملة وتامة لحفظ الدين والنفس والعقل، والمال والعرض، وليضع بذلك حلولاً ناجحة لكل مشاكل البشرية في كل زمان ومكانٍ، ولكن أين القلوب التي تستشعر هذا الخير؟! وأين العقول التي تُدرك ما فيه من عظمة ونفْعٍ للبشرية جمعاءَ؟!
أليس هذا التشريع دليلاً على صِدق نبوة من جاء به - صلى الله عليه وسلم؟![6].
________________________________________
[1] رواه البخاري (1395)، مسلم (19). 
[2] رواه مسلم (977). 
[3] رواه البخاري في الأدب المفرد (464)، والترمذي (2013- 2002) مقطعًا، والألباني في صحيح الجامع (6055). 
[4] رواه البخاري (2753). 
[5] رواه البخاري (1395)، ومسلم (19). 
[6] هذا الفصل مستفاد من كتاب القرآن وإعجازه التشريعي؛ تأليف الأستاذ حمد إسماعيل إبراهيم، ولمزيد من التفصيل يراجع الكتاب؛ ففيه نفعٌ - إن شاء الله.

اكتب تعليق

أحدث أقدم