اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن إسم الله الوارث

اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن إسم الله الوارث



بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف:180].
روى البخاريُّ ومسلم من حديثِ أبِي هُرَيرة - رضِي اللَّه عنْه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((إنَّ لله تسعةً وتسعين اسمًا مائة إلاَّ واحدًا، مَن أحْصاها دخل الجنَّة))[1].
ومِن أسماء الله الحُسْنى الَّتي وردتْ في الكتاب العزيز "الوارث"، قال الزجَّاج: "الوارثُ كلّ باقٍ بعد ذاهبٍ فهو وارث"[2]، وقال الحليمي: "الوارث معناه الباقي بعد ذهاب غيره"[3]، قال تعالى: ﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ ﴾ [الحجر:23]، وقال - تعالى - عن نبيّ الله زكريَّا: ﴿ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ ﴾ [الأنبياء:89]، وقال تعالى: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾ [القصص:58].
قال ابن جرير - رحِمه الله -: "ونحن نرِثُ الأرض ومَن عليها؛ بأن نُميتَ جميعَهم فلا يبقى حيّ سوانا إذا جاء ذلك الأجل"[4]، وقال الزَّجَّاجي: "الله - عزَّ وجلَّ - وارث الخلْق أجمعين؛ لأنَّه الباقي بعدهم وهم الفانون، كما قال - عزَّ وجلَّ -: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ [مريم:40]".
ومن آثار الإيمان بهذا الاسم العظيم[5]:
أوَّلاً: الله - جلَّ شأنه - هو الباقي بعد فناء خلْقِه، الحيّ الَّذي لا يَموت، الدَّائم الذي لا ينقطع، وإليْه مرجع كلّ شيء ومصيره، فإذا مات جَميع الخلائق وزال عنْهم ملكُهم، كان الله تعالى هو الباقي الحقّ، المالك لكلِّ الممْلوكات وحده، وهو القائل: ﴿ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ﴾ [غافر:16]، فيُجيب - سبحانه - نفسه: ﴿ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ﴾ [غافر:16]، وقال تعالى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27]، وقال سبحانه: ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ [القصص:88].
ثانيًا: بيَّن الله - تعالى - لعباده أنَّه هو الوارث لِما أهْلك من القرى الظَّالمة، الَّتي كانت تعِيش في أمْنٍ ودَعة ورغْد العيْش، حتَّى أصابَهم الأشَر والبطَر، فلم يقوموا بحقِّ النِّعْمة، ولم يَشكروا ربَّهم الَّذي وهبهم، قال تعالى: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾ [القصص:58].
فقوله تعالى: ﴿ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً ﴾؛ أي: إلاَّ زمانًا قليلاً؛ إذ لا يسكنُها إلاَّ المارَّة يومًا أو بعْض يوم، وبقِيت شاهدةً على مصْرع أهلها وفنائِهم، وعِبرةً لِمَن كان له قلبٌ أوْ ألْقى السَّمع وهو شهيد.
قوله تعالى: ﴿ وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ ﴾؛أي: منْهم؛ إذ لَم يَخْلُفهم أحدٌ يتصرَّف تصرُّفهم في ديارهم وأموالهم، بل كان الله وحده الوارثَ لدِيارهم وأموالهم، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ [مريم:40].
قال أبو البقاء الرندي:
أَيْنَ المُلُوكُ ذَوُو التِّيجَانِ مِنْ يَمَنٍ
وَأَيْنَ مِنْهُمْ أَكَالِيلٌ وَتِيجَانُ؟
وَأَيْنَ مَا شَادَهُ شَدَّادُ فِي إِرَمٍ؟
وَأَيْنَ مَا سَاسَهُ فِي الفُرْسِ سَاسَانُ؟
وَأَيْنَ مَا حَازَهُ قَارُونُ مِنْ ذَهَبٍ
وَأَيْنَ عَادٌ وَشَدَّادٌ وَقَحْطَانُ؟
أَتَى عَلَى الكُلِّ أَمْرٌ لا مَرَدَّ لَهُ
حَتَّى قَضَوْا فَكَأَنَّ القَوْمَ مَا كَانُوا
وَصَارَ مَا كَانَ مِنْ مُلْكٍ وَمِنْ مَلِكٍ
كَمَا حَكَى عَنْ خَيَالِ الطَّيْفِ وَسْنَانُ
ثالثًا: حثَّ الله عبادَه المؤمنين على النَّفقة في سبيلِه، وذكَّرهم أنَّهم مستَخْلفون فيما عندهم من الأمْوال لا يَملكونَها حقيقة؛ وإنَّما المالُ مال الله، قال تعالى: ﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [الحديد:7]، روى مسلمٌ في صحيحِه من حديثِ أبِي هُرَيْرة - رضِي اللَّه عنْه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((يقول العبد: مالِي مالي، إنَّما له من مالِه ثلاث: ما أكل فأفْنَى، أو لبِس فأبْلى، أو أعطى فاقتنى، وما سوى ذلك فهو ذاهبٌ وتاركُه للنَّاس))[6].
رابعًا: دعوة زكريا - عليه السَّلام - ربَّه أن يهبَه ولدًا يكون من بعده نبيًّا، وقد بلغ من الكِبر عتيًّا وامرأته عاقر، وقد حكى اللهُ ذلك في كتابِه، قال تعالى: ﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ [الأنبياء: 89، 90]؛ أي: ارزُقْني وارثًا من آل يعقوب يرثني.
خامسًا: أنَّ الله - تعالى - هو الوارِث، فهو الَّذي يُورث الأرْضَ مَن يَشاء من عباده، قال تعالى عن نبيّ الله موسى وهو يُخاطب قومَه: ﴿ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف:128].
وقال تعالى عن فرْعون وقومِه لمَّا عصَوُا الله وخالفوا أمره: ﴿ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ﴾ [الدخان: 25 - 28]، وقال - سبحانه - عن بني إسرائيل: ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾ [القصص:5].
سادسًا: أنَّ الله - تعالى - جعل الجنَّة ثوابًا للمتَّقين، وهو يُورثهم إيَّاها، قال تعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف:43]، وقال - سبحانه -: ﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ﴾ [مريم:63]، وقال - تعالى - عن المؤْمِنين بعدما ذكر بعضًا من صفاتِهم: ﴿ أولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 10، 11][7].
________________________________________
[1] ص 526 برقم 2736، وصحيح مسلم: ص 1075 برقم 2677.
[2]تفسير الأسماء: ص 65.
[3] المنهاج (1/189)، نقلاً عن كتاب "النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى" للنجدي (2/289).
[4] جامع البيان (7/507).
[5] اشتقاق الأسماء ص 173، نقلاً عن كتاب "النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى": (2/288).
[6] ص 1187 برقم 2959.
[7] انظر: النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى: (2/287-291).

اكتب تعليق

أحدث أقدم