رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن وادي الأحقاف

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن وادي الأحقاف



بقلم المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي ,
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن الأحقاف وادى ما بين أرض عمان الحالية سلطنة عمان، وما بين أرض المهرة وهو جنوب شرق الجزيرة العربية، وفى هذا المكان يسمونه "الربع الخالي" لأنه خلا من مظاهر الحياة ولأن فيه كثبان من الرمال المتحركة ، فـ"الأحقاف" جمع حقف وهو الكثيب أو التل من الرمال المتعرجة بحيث إن الإنسان لا يأمن على نفسه إذا ما صار فيها؛ في البداية وقبل نزول عقاب الله، كانت هذه أرض قبيلة كبيرة اسمها "عاد"، وشداد بن عاد هو الذي بنى {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ } ، فـ "الأحقاف" هى المكان الذي حدث فيه أن بلغ هود عليه السلام قومه ونصحهم بعبادة الله الواحد الأحد.
صالح أرسل إلى ثمود في شمال المملكة العربية السعودية الأن، وهود أرسل إلى عاد في الجنوب الشرقي، وعاد وثمود من القبائل التى ذهبت وبادت ولم يعد لها نسل بعد ما أنزل الله سبحانه وتعالى عقابه في هذا المقام.
- " المنهج السليم في التفكير " يقول تعالى : {حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2) مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ } -هذه السورة نسميها من الحواميم لأنها تبدأ بقوله تعالى "حم"-.
"وَأَجَلٖ مُّسَمّٗىۚ" يعنى هناك فناء سيأتي لهذا الكون كله.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} الله سبحانه وتعالى يرشدنا إلى المنهج السليم في التفكير، "أَرَءَيۡتُم" تعبير عربي معناه أخبروني؛ كلمة كثير من الناس لا يعرف معناها، هناك كلمات فى العربية لها معانى "لَا جَرَمَ" معناها حقا، " قُلْ أَرَأَيْتُمْ " اخبروني " مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ " إذا كنتم تدعوا من دون الله فأين هذا ؟ {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} يعنى هل يوجد مثله أو شبيهه أو أحد ينازعه في ملكه ؟ أين هو ؟ .
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ } أين الذين أشركتم بي ؟ { أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ } لا شيء، والعجيب أن الإنسان عندما يصنع شيئا؛ يصنعه عكس خلقة الله سبحانه وتعالى، يعنى مثلا الإنسان صنع التليفزيون، فإذا تدبرت وتأملت تجد تراكم معرفي شديد وعلوم كثيرة جداً إلى أن نصل لهذا الجهاز الذى كانت البشرية تعيش من غيره، يعنى ليس له ضرورة في الحياة ، بعد كل هذه المعلومات وبعد كل هذه المعادلات وبعد كل هذا المجهود نصل إلى ذلك الجهاز، لكن خلقة الله أعجب من هذا بكثير عكس هذا، هذا عبارة عن أمر صعب ينتهى بشيء له قيمة محدودة، أما خلقة الله فأنت ترمى البذرة في الأرض فإذ بها تنبت شجرة ؛ والشجرة يخرج منها ثمرة ؛ والثمرة تفيد في طعام الناس وفى شرابهم وفى تفكههم ، هل هناك عناء في هذا؟ أبدا، عليك أن تلقي هذه البذرة ثم ترعاها ستجد أنها بدأت في النمو، الرجل يتزوج المرأة فإذ بها تحمل، وإذ بها بعد ٩ شهور تلد، وهذا المولود مخلوق مركب معقد شيء مبدع مذهل؛ في عقله وفي أجهزته وفي كل مظاهره الحيوية شيء مذهل، إذًا فخلق الله يبدأ سهلاً ويخرج في النهاية بأمر له قيمة عالية وفائدة ، أما صنعة الإنسان تبدأ بالمركب فتخرج شيئاً بسيطا عاش الناس بدونه عشرات آلاف السنين من قبل، فهذا هو الفرق بين خلقة الله وصناعة البشر.
- "الصد عن سبيل الله" يقول تعالى : {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ }وهو بدء فريد في القرآن الكريم، نعى الله سبحانه وتعالى على الكافرين الذين كذبوا بالله وكذبوا برسوله {الَّذِينَ كَفَرُوا} هذه قضية مردودها في الآخرة، ولكن الصفة الأخرى والأخطر {وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}هذا سيعود بالضرر على المجتمع البشرى، أما أنهم يكفرون أو لا يكفرون فهذا شأنهم {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} يعنى الإنسان له الحرية يختار ما يشاء، فهو أختار النار ليس لي سلطان عليه وليس لي قدرة على حتى إدخاله النار، هذا ليس لي لأن الله هو الذى يقلب القلوب، ولذلك فقضية الكفر والإيمان هى قضية أخروية ؛ أولا : لأننا لا نعلم بما يختم الله حياة هذا الإنسان.
وثانيا : أن الله سبحانه وتعالى علق هذا الكفر إلى وقت الحساب، وقت أن نرجع إلى الله، فنصل إلى مرحلة اليقين ونصل إلى المحاكمة عند الملك سبحانه وتعالى {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} .
{وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} كما اخترت أنت النار وتركت لك حرية الاختيار ؛ أتركني أنا أيضا أختار ما أشاء ، العقلاء منهم يفعلون هذا ويتركون الناس في اعتقاداتهم، لكن هناك تعصب حتى في داخل أولئك الذين كفروا فيصدون عن سبيل الله، فالعبرة هنا أنهم يصدون عن سبيل الله.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} إذًا هنا مواجهة بين الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله، وما بين الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، هناك فيه نوع من أنواع الافساد {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} ، وهنا فيه نوع من أنواع الإصلاح.
- "الأخرة هى التي تتحكم في سلوك الإنسان" فالإنسان يعيش عند اختياره للأفعال الاختيارية، عندما أختار فعل من أفعال الخير؛ ارجو ثواب الله " رجاءَ ثوابِها ، وتَصديقَ موعودِها " مصدق إن ربنا عز وجل سينفذ وعده ، مصدق إن ربنا سبحانه وتعالى سيعطيني ثواب وأجر على ما أفعله، ومصدق أيضا أن الله يحاسب على المعاصي وأنه يطلب منا الاستغفار حتى يمحوها، وأنني لو لم استغفر فإن الوضع محرج مع الله سبحانه وتعالى.
يقول تعالى : { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } "مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ" الماء الذى تغيرت فيه صفاته ؛ فالماء من صفاته أنه : "شفاف ، ولا لون له ، ولا رائحة له ، ولا جِرم له" فلو فقد إحدى هذه الصفات، فالماء تغيرت رائحته فيقال عنه "آسِنٍ"، فالماء الآسن يعنى الماء المتغير إحدى صفاته .
{ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ }الجنة فيها أنهار؛ النهر الأول "ماء" لم يتغير في صفاته.
{ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ }ونهر من "لبن" لم يفسد ، اللبن أحيانا يفسد فيقطع فيتغير طعمه.
وأنهار الجنة ليس لها مجرى يمين وشمال يحفظ جريانها، وأخذ العلماء من هذا أنه إذا كان اللبن هكذا من غير مجرى ولا يسقط ولا ينساب، فإذًا ليس هناك جاذبية، لأن سبب عدم قدرة الماء أو اللبن أو العسل أو كذا إلى آخره من أنواع السوائل أن تسير بلا مجرى هو الجاذبية، فإذا كان هذا شأن أنهار الجنة، فأنهار الجنة بلا جاذبية.
{ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ} وهو عصير العنب –وهو ما يطلق عليه النبيذ-، {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا } يعني تعتقد أنها خمر –مثل خمر الدنيا- ولكن عندما تتذوقها تجدها شيء أخر ، {لَا فِيهَا غَوْلٌ } يعني لن يحدث منها ظاهرة الإسكار ؛ لكن خمر الدنيا فيها غول –وكلمة "غول" حرفوها إلى أن وصلت إلى كحول، والكحول أيضا حتى في اللغات الأجنبية اسمه كحول-.
فالجنة بها نهر ماء ونهر لبن ونهر عسل ونهر خمر و{لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا}، أما من يدخل النار-يا رب سلم سلم- عندما يعطش يشرب ماء مغليا { حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ } من شدة العذاب، {لَا يَسْتَوُونَ} هذا جزاء وهذا عقاب.
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا}ماذا قال؟ لم يكونوا منتبهين كأن هناك غلق -Block- على التلقي ؛ وهذا الغلق جعلهم {كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}.
ونجد بعد ذلك قوله تعالى : {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ } إذًا ربنا يريد أن نبذل الجهد وأن نصبر على هذا الجهد، التواصي بالحق والتواصي بالصبر على ذلك الحق وهو أمر مهم.

اكتب تعليق

أحدث أقدم