رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن فلسفة الحرية

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن فلسفة الحرية



بقلم / المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن كلمة الحريةلم في القرآن الكريم إلا من خلال ألفاظ مشتقة لكلمة الحرية "كتحرير رقبة"، أو دلالة نصية يُفهَم منها حرية الاختيار؛ مثل: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 168]، ويُفهم من دلالة الآية أن لكم الحرية أيها الناس في اختيار ما تأكلون شرط الكسب الحلال الطيب لا الخبيث، و﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾ [البقرة: 256]، ومدلولها أن للإنسان حرية اختيار الدين الذي يراه مناسبًا له دون إكراه أو إجبار.
وقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36]، ودلالة النص هنا تشير إلى أن المسلم ليس له حرية الخيار فيما قضى الله ورسوله؛ أي: إن الحرية مقرونة بإرادة الخالق عز وجل والرسول صلى الله عليه وسلم.
والحرية لغة: هي ما يضاد الرق والعبودية، وبالرغم من كثرة التعاريف التي تفرَّعت عن معنى الحرية، فإن شتى المذاهب أجمعت على أنها القدرة على الفعل والاختيار، والحالة التي يستطيع فيها الأفراد أن يختاروا ويقرروا ويفعلوا الشيء بوحي من إرادتهم دونما أية ضغوط من أي نوع عليهم.
أما العبودية؛ فقد ورد الجذر اللغوي لكلمة "عبد" في القرآن الكريم كثيرًا مما يوحي باهتمام القرآن بهذه اللفظة ترسيخًا لمعانيها وتوضيحًا لحقيقتها في ضمير المتلقي وحسِّه وتصوُّره، والعبادة هي الغاية التي خلق الله لأجلها الخلق أجمعين، والمعنى العام للفظ العبودية الواسع هو الخضوع والذلة، وإفراد الله بالطاعة والعبودية.
وبالتالي فإن العبودية المطلقة في التصوُّر الإسلامي يجب أن تكون خالصة للخالق لا لغيره، كما قال ربعي بن عامر جملته الشهيرة التي خلَّدها التاريخ: "الله ابتعثنا لنُخرج من شاء من عباده من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.."، وأن الحرية حقٌّ للناس، وهي من مبادئ المساواة، كما قال الطاهر بن عاشور؛ لأنها من مطالب الفطرة، لكنها في الوقت عينه مشروطة بعدم تصادمها مع إرادة الخالق، وإلا وقع المكلف في المحظور الشرعي.
المسألة الثانية: هل المركزية للحرية أم للعبودية؟
مع هبوب عواصف العلمانية واشتداد هيجانها في ظل الوفرة التكنولوجية التي جعلت العالم قريةً صغيرةً، امتزجت الثقافات، واختلطت الأفكار، وتأثر بعضها ببعض؛ مما أدى إلى حدوث تغيرات على الصعيدين الإيجابي والسلبي، وما يهمنا هو الحديث عن الأثر السلبي لها هنا؛ إذ أخطرها هو تشويش المعتقدات الإسلامية لدى الشباب المسلم، فضلًا عن تنامي تيار النسويات المناديات بالحقوق والحريات، وانتشار فكرة تقبل الشذوذ؛ حتى وصلوا إلى مرحلة تشريع عقوبات على من يحاول تجريم تلك الممارسات المخالفة للفطرة السوية؛ إذ كانت بالأمس القريب من المحظورات التي تلفظها الإنسانية ليس فقط عند المسلمين؛ بل في كل الشرائع والثقافات.
ومن المبادئ التي نالها هذا التشويه؛ الحرية، فالحرية في الإسلام لها ضوابط وحدود لا يستطيع المسلم تجاوزها على عكس مفهومها في الغرب؛ فهي بالمفهوم الغربي حرية مطلقة لا تأبه بالآثار المدمرة التي قد تنال الأفراد والمجتمعات ككل، فصرنا دون وعي منا نردد ما ينادين به النسويات الغربيات بالمطالبة بالحرية المطلقة.
إن المركزية في الدين الإسلامي للعبودية، ولا يصل العبد إلى كمال العبودية إلا إذا تمتع بالحرية في اختيار معتقده ودينه عن رغبة كاملة منه وإرادة، أما في الغرب فالمركزية ترجع عندهم للحرية حتى وإن ترتب عليها فساد المجتمع، ونحن كمسلمين لا نستطيع تبني هذا التوجه؛ ليس فقط لاختلافنا في الدين والمعتقد والمبادئ؛ إنما لتغوُّل العلمانية في تلك المجتمعات وتشظيها؛ حيث منحت الناس مفهومًا مغلوطًا عن الحرية، فلو التزمت تلك المجتمعات بمبادئ شريعتهم وقوانينهم التي توافق الفطرة السليمة، ما انحرفوا بفكرهم وسلوكهم عما لا يختلف عليه العقل والمنطق الإنساني!
إن الشرائع كلها جاءت لتكرس للمبادئ الإنسانية المتفق عليها عند العقلاء والحكماء، حاثَّة على التعامل بالأخلاق الحسنة والقيم المثلى والمبادئ السامية، ولما حادوا عن هذا المنهج أصبحت الفجوة بيننا وبينهم كبيرة، ولا تكاد تردم لتشوه المنهج والفطرة النقية لديهم؛ وبالتالي فإن هذا المنهج لا يمثلنا ولا يلزمنا؛ لأنه مضطرب اضطرابًا شديدًا، لا قواعد كبرى حاكمة فيه، وغير منضبط بما صح من معتقدات وقيم وأخلاق وآداب.
المسألة الثالثة: حدود حرية المرأة المسلمة
المرأة المسلمة تسري عليها أحكام الشريعة الإسلامية، مثلها مثل الرجل، قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36]، وقال تعالى: ﴿ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]، إن الله عز وجل الذي خلق المرأة والرجل هو الأقدر على وضع المنهج الأنسب لمن خلق، فمن الجهل بمكان أن نلقي القرآن الكريم خلف ظهورنا، ونترك أحكامه، ونلتفت إلى ما ينادي به الغرب بزعم بعضهم أن القرآن لا يصلح لهذا العصر، ومن حق المرأة أن تتحرر من قيود ومسؤوليات الأسرة!
وزَّع الله عز وجل مهام ووظائف الرجل والمرأة بما يتناسب وطبيعة كل منهما، وحرَّم على نفسه الظلم، فلم يظلم المرأة ولا الرجل، وأعطى لهما الحقوق، وألزم عليهما الواجبات، ومن تلك الحقوق: الحرية؛ لكن الحرية لها ضوابط مرعية في الإسلام، وكما أسلفنا أن أول هذه الضوابط هي ألا تتصادم مع حقوق الآخرين، وألا تلحق الضرر بهم لتحقيق المصالح الفردية، فضلًا عن أن المسلمة لا تلزمها ما تنادي به النسويات المتظاهرات بالدفاع عن حقوقها؛ لأن الشارع لم يترك هذه المسألة إلا وضبطها، فهي مأمورة بالامتثال لأوامر الله، والانتهاء عما نهى عنه أولًا وآخرًا، سواء علمنا الحكمة من تلك الأحكام أم لم نعلم، فالطاعة واجبة، والالتزام بما جاءت به نصوص الوحيين ملزمة للطرفين الرجل والمرأة معًا.
المسألة الرابعة: خلل المعالجات المطروحة في قضايا المرأة وأثرها في المجتمع
مع تنامي وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بشكل عام التي أتاحت خصائص التفاعلية واللازمكانية والكونية؛ نرى كل مستخدم أصبح مصدرًا للمعلومات بغض النظر عن أهليته، سواء التخصصية، أو المعارفية والخبراتية؛ مما أدى إلى تشويش الأفكار لدى الجماهير المستخدمة، ومن هذه الإشكاليات وجود المؤثرات اللواتي يدعين الخبرة والتخصص، ومنهن النسويات الإسلاميات اللواتي يتابعهن عدد كبير من النساء!
فمن أخطر أخطاء هذه الفئة أنهن يقمن بمعالجة قضايا المرأة من منظور فردي منتصر للمرأة دون موازنات رصينة، ومراعاة حقوق الزوج والأطفال والأسرة؛ مما تسبب في حالات طلاق وشقاق كثيرة.
مشاكل المرأة وقضاياها يجب أن تُعالج داخل منظومة الأسرة بتوازن وحذر، فالمرأة ليست كل المجتمع بالرغم من أنها قد تكون أهم جزء في هذا الكيان؛ لكن الحكمة تستدعي المحافظة على الأسر المسلمة بما لا يهضم حق المرأة، ولا يهدم الأسرة لأجل الانتصار لحق المرأة.
نحتاج العقل والحكمة والتوازن للإصلاح، فالمقصد الأهم للشريعة الإسلامية هو الحفاظ على الأسر الإسلامية، وإن اضطر أحد أطرافها للتنازل عن بعض الحقوق، قال تعالى: ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 237]، وقال تعالى: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]، فلا يكون الفضل والعفو والإحسان إلا بالتنازل عن بعض الحقوق؛ نيلًا لرضا الله، ورغبةً في المحافظة على الرباط المقدس الذي أنعم الله تعالى به علينا، قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، وقال العلماء في تفسير الآية في باب كراهية الطلاق: إن الزواج آية من آيات الله؛ أي: نعمة عظيمة أنعم الله بها على المسلمين، ومن كفران النعمة عدم تقديرها بأن يطلق الزوج زوجته بلا سبب معتبر.
إن الحرية مبدأ مهم من مبادئ الإسلام، ويكاد يكون أعظم المبادئ، وهو منضبط بضوابط الشارع الذي كفل الحفاظ على حياة المسلم بما أراده الله له من خير في الدنيا والآخرة إذا طبق شرع الله والتزمه، والمسلم والمسلمة إذا قال الله ورسوله شيئًا قالوا: سمعنا وأطعنا، هذا هو المنهج السليم والطريق المستقيم الذي لا يجب الحياد عنه لصلاح أمر المؤمن في الدنيا والآخرة.

اكتب تعليق

أحدث أقدم