رئيس اتحاد الوطن العربى الدولى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف يتحدث عن الصلة بالله

رئيس اتحاد الوطن العربى الدولى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف يتحدث عن الصلة بالله



بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن النفس: هي مصدر السلوك والتوجيه حسب ما يغمرها من أفكار ويصبغها من عواطف.
إنّ الاعتناء بصحّة النفس لا يتعارض مع المطالب المادية للجسم والمطالب المعنوية للعقل، ولا يتنافى مع حاجات الإنسان، وسواء منها ما كان ضرورياً كالأكل والشرب واللباس والنوم والراحة، أو طبيعياً كالزواج والعمل والسلامة البدنية والصحة العقلية، بيد أنّ للصحّة النفسية حق الهيمنة على هذه الضروريات من أجل أن يحفظ للإنسان توازن كامل بين مطالبه الروحية ومطالبه الماديّة، فتكمل بذلك إنسانيّته، ويرتقي ببشـريّته إلى الكمال المقدّر لها في هذه الحياة.
عناية القرآن بالصحة النفسية: لا شك أن القرآن الكريم اعتنى بالنفس اعتناء خاصا، وذلك من خلال:
تقوية الصلة بالله تعالى وأثارها النفسية:
وذلك من خلال تصحيح العقيدة الإسلامية وربط الإنسان مباشرة بربه والتفاؤل معه بكثرة الأذكار قال تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [1].
فذكر الله وعبادته تحقق الاطمئنان وتهذب الانفعالات الإنسانية اعتماداً على نصوص من القرآن والحديث يقول الله عز وجل: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ﴾ [2].
إن الإنسان جُبِلَ على الجزع وشدة الحرص، إذا أصابه المكروه والعسر فهو كثير الجزع والأسى، وإذا أصابه الخير واليسر فهو كثير المنع والإمساك، إلا المقيمين للصلاة الذين يحافظون على أدائها في جميع الأوقات، ولا يَشْغَلهم عنها شاغل، والذين في أموالهم نصيب معيَّن فرضه الله عليهم، وهو الزكاة لمن يسألهم المعونة، ولمن يتعفف عن سؤالها، والذين يؤمنون بيوم الحساب والجزاء فيستعدون له بالأعمال الصالحة، والذين هم خائفون من عذاب الله. إن عذاب ربهم لا ينبغي أن يأمنه أحد. والذين هم حافظون لفروجهم عن كل ما حرَّم الله عليهم، إلا على أزواجهم وإمائهم، فإنهم غير مؤاخذين. فمن طلب لقضاء شهوته غير الزوجات والمملوكات، فأولئك هم المتجاوزون الحلال إلى الحرام. والذين هم حافظون لأمانات الله، وأمانات العباد، وحافظون لعهودهم مع الله تعالى ومع العباد، والذين يؤدُّون شهاداتهم بالحق دون تغيير أو كتمان، والذين يحافظون على أداء الصلاة ولا يخلُّون بشيء من واجباتها. أولئك المتصفون بتلك الأوصاف الجليلة مستقرُّون في جنات النعيم، مكرمون فيها بكل أنواع التكريم[3].
فهذه الآيات البينات توضح في بدايتها حقيقة نفسية أصيلة، وهي أن الإنسان خلق مجبولاً على الخوف الشديد. والهلع هو الخوف الشديد يملأ قلب الإنسان في الشدة والرخاء معاً، لا يحتمل أقل شيء من الشدة ولو كان مسّاَ خفيفاً، ولا يتماسك في حال الرخاء، ولا يملك نفسه من شدة الخوف على زوال النعمة وانقضاء ساعة الرخاء. هكذا خلق الإنسان، جزوع شديد التأثر، قليل الصبر إذا مسه الشـر. هذه حال قلب الإنسان حين يكون مقطوع الصلة بالله، محروماً من نعمة الإيمان لا يستقر على حال، ولا يذوق طعم السكينة والاطمئنان، يتمزق خوفاً من الشر قبل وقوعه، وينهار تحت وقعه إذا وقع.
تلك صورة نفس الإنسان كما رسمها خالقها العليم الخبير، في ضعفها وشدة خوفها، إنها صورة صادقة للإنسان حين يكون قلبه فارغاً من الإيمان، بعيداً عن خالقه، لا يهتدي في حياته بهديه، ولا يتبع منهجه، ولا يستعين بذكره وعبادته. تلك حال الإنسان، وإنها لحال شقية بئيسة، لا يملك لها دواء، ولا يجد منها لنفسه خلاصاً، إلا بأن يكون من المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون، وأن يكون من الذين يتحلون بالصفات الإيمانية والفضائل الإسلامية التي ذكرت في الآيات السابقة، من أداء حق السائل والمحروم، والإيمان بيوم الدين والإشفاق من عذاب رب العالمين، وحفظ فَرجِه، والوفاء بالأمانات والعهود، والقيام بالشهادة لله، والمحافظة على الصلاة.
هذه هي الوصفة الإيمانية التي وصفها الخبير الحكيم لداء الهلع والخوف الذي يلازم قلب الإنسان حين يكون محروماً من هذا الدواء.
وبالنظر إلى هذه الوصفة الربانية نجد أن الصلاة هي أهم عنصـر فيها، ذكرت في بدايتها ﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 22، 23]، وأعيد ذكرها في خاتمتها، ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾ [المعارج: 34] نعم إن الصلاة دواء للقلوب وتهذيب للنفوس، ووسيلة لمواجهة الخطوب والأزمات، ولذلك يقول الله عز وجل في خطاب المؤمنين المجاهدين: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [4] يا أيها المؤمنون اطلبوا العون من الله في كل أموركم: بالصبر على النوائب والمصائب، وبالصبر على ترك المعاصي والذنوب، والصبر على الطاعات والقربات، وبالصلاة التي تطمئن بها النفس، وتنهى عن الفحشاء والمنكر. إن الله مع الصابرين بعونه وتوفيقه وتسديده. وفي الآية: إثبات معيَّة الله الخاصة بالمؤمنين، المقتضية لما سلف ذكره; أما المعية العامة، المقتضية للعلم والإحاطة فهي لجميع الخلق[5].
وقال في خطاب نبيه، صلى الله عليه وسلم، وإرشاده إلى الإكثار من التسبيح والسجود ومواصلة العبادة عندما يضيق صدره من جرَّاءِ توالي الشدائد: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [6].
الشاهد من الآيات فافزع إلى ربك عند ضيق صدرك، وسَبِّح بحمده شاكرًا له مثنيا عليه، وكن من المصلِّين لله العابدين له، فإن ذلك يكفيك ما أهمَّك[7].
وقد روى أنه، صلى الله عليه وسلم، كان يهتدى بهذه التوجيهات التربوية الربانية فيلجأ إلى كنف الله، ويفزع إلى الصلاة والدعاء كلَّما اشتد عليه البلاء.
ومعلوم أن الصلاة وسائر العبادات لا تُحْدث آثارها المباركة في نفس الإنسان إلا بمداومتها، لأنها غذاء القلب والروح، والغذاء الروحي القلبي كالغذاء المادي الجسدي لا تظهر آثاره ومنافعه إلا إذا كان منتظماً دائماً، ولذلك قال الله عز وجل: ﴿ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾ [المعارج: 23]. ثم إن المداومة على الصلاة وغيرها من العبادات لا تؤتي ثمارها المنشودة إلا بالمحافظة عليها، والمحافظة على الصلاة تدل على معنى زائد على المداومة عليها، ويدل على الحرص عليها والعناية بأدائها في أوقاتها على أفضل وجه ممكن من الإحسان والإتقان والإخلاص، فهي أهم عنصـر في علاج داء الهلع، ومن المعلوم أن الدواء لا يحدث التأثير الصحي المطلوب إلا بالمحافظة عليه بالمقادير الموصوفة، وفي المواعيد المحددة، بطريقة منتظمة.
وسائر الخصال الإيمانية التي اشتملت عليها الآيات تندرج كلها في معنى العبادة بالمعنى الشامل لها، وإن ذكرها مع الصلاة في سياق واحد ليدل على أن الإيمان والعبادة مسألة ضخمة في حياة الإنسان، إنها ليست مجرد كلمات تقال باللسان، أو شعائر تعبدية تقام، إنها حياة للقلب والروح، وتهذيب لنفس الإنسان وانفعالاته وحين يكون القلب خاوياً من الإيمان، وتنقطع صلته بربه يصبح فريسة سهلة للخوف والهلع، وغيرها من الانفعالات العنيفة.
________________________________________
[1] سورة الرعد:28
[2] سورة المعارج:19 - 35
[3] التفسير الميسر (ج1 - ص 569).
[4] سورة البقرة:153
[5] التفسير الميسر (ج1 - ص23).
[6] سورة الحجر:97 - 99
[7] التفسير الميسر (ج1- ص267).

اكتب تعليق

أحدث أقدم