رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن جماليات العقل

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن جماليات العقل



بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن الإنسان الفاضل يوصف بـ«العقل» فيقال: رجل عاقل. ذلك أن الإنسان إنما كرم بهذا العقل، وبه ميز على غيره من المخلوقات.
ومن أجل الوقوف على جماليات العقل، لا بد من استطلاع عام نتعرف به على مهمته، وعلى ميدان هذه المهمة، والحدود التي ينبغي الوقوف عندها وعدم تجاوزها.
ومهمة العقل أن يعمل - ضمن حدوده - في حرية وانطلاق، بعيداً عن المؤثرات والعوامل التي قد تتعاظم في بعض الأحيان حتى تؤدي إلى تعطيله عن العمل كلياً. وهذه العوامل هي من صنع الإنسان نفسه، ولذا وصف الذين يعطلون عقولهم بأنهم كالأنعام، بل هم أضل لأن الأنعام لم تعط العقل، وأعطيه الإنسان فعطله.
والعقل إنما يعمل عن طريق الحواس التي تصله بالعالم الخارجي، فهي النوافذ التي يطل منها على الحياة، وفي مقدمتها السمع والبصر.
وكثير من الناس قد تبلد حسهم بسبب سوء طويتهم، فأغلقوا تلك النوافذ.. وتعطل الفكر عن الإدراك.. فهم لا يتعظون عند رؤية ما يتعظ به، ولا يعتبرون عند رؤية ما يعتبر به، ولا يتدبرون ما يسمعون.. أولئك الذين تحدث الله تعالى عنهم فقال:
﴿ فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾[1].
﴿ ... أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [2].
﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [3].
﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [4].
إنه الإصرار على تعطيل العقل، الذي جعلهم في مصاف الحيوان في الدنيا.. وآل بهم إلى الهلاك في الآخرة..
﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [5].
والمنهج الإسلامي - في سبيل أن يقوم العقل بمهمته - بين لنا الأسباب التي تؤدي إلى تعطيله، حتى يحذرها الناس، وجعلها من المحرمات كي يبتعدوا عنها.
وهذه الأمور - المعطلة - منها ما حسي، ومنها ما هو معنوي:
أما الحسي: فهو كل تلك المشروبات التي تذهب بالعقل من خمور ومخدرات.. وما شابه ذلك.. وقد حرم الإسلام كل ذلك.
وأما المعنوي: وهو الأكثر خطراً، والأبعد أثراً، فإنا نقف عنده لنتناوله بشيء من التفصيل. فمن ذلك:
(1) التأثر بالآباء والأجداد:
لا شك أن للبيئة أثرها في بنيان الشخصية الإنسانية، ولكن الأمر الذي رفضه الإسلام أن يصل هذا التأثر بها إلى درجة إلغاء دور العقل كلية، وتعطيله عن ممارسة مهمته.
وقد تتابعت الأمم على انتهاج هذا المسلك، مما أدى إلى تكبيد الأنبياء الكثير من المشقات، وكان ذلك عقبة كأداء في سبيل الإصلاح الذي دعا إليه جميع المرسلين.
وما قوم إبراهيم عليه السلام إلا النموذج للأقوام المتتابعة، فقد جاء من خبرهم:
﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ... ﴾[6].
وتحدث القرآن عن المشركين الذين بعث فيهم محمد صلى الله عليه وسلم فقال:
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾[7].
إنه المسلك الذي يلغي العقل، ومع وضوح فساده، فقد كان هو السبيل الذي تعاقبت عليه الأمم، وقد سجل القرآن الكريم هذه الظاهرة المتكررة بقوله:
﴿ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آَثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ... ﴾[8].
إنه لكي يقوم العقل بدوره، فلا بد أن يحذر هذا المسلك.
(2) التكبر:
الكبر عامل نفسي شديد الشراسة، وعندما يستقر في النفس، فإنه لا يلغي عمل العقل وحسب، وإنما يلغي كل فضيلة في هذا الإنسان.
إنه إصرار على الباطل، وغمط للحق، وانتفاخ خبيث.. وقد وضح القرآن الكريم مسلك المتكبر في كثير من آياته، ومن ذلك:
﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾[9].
﴿ ... وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾[10].
والكبر مرض جعل الله عدم الاهتداء إلى الحق من لوازمه، وهي عقوبة تتناسب مع هذا الذنب. قال تعالى:
﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾[11].
وحتى يعمل العقل إذن، فلا بد من علاج هذا المرض.
(3) الضعف:
والضعف هنا ليس ضعف الجسم وإنما هو ضعف النفس، حيث يسلس كثير من الناس قيادهم إلى غيرهم، فيوكلوا إليهم مهمة التفكير عنهم.. ثم هم يصدرون بعد ذلك عما يقال لهم.
وقد يكون ذلك لضعف قائم في ذاتهم.. وقد يكون ذلك أملاً فيما عند غيرهم من دنيا..
وأياً كان السبب فإن القرآن الكريم لم يعذرهم، ذلك أن تعطيل الفكر يعني التنازل عن الإنسانية في شخص هذا المخلوق.. وبعد ذلك لن يبقى له إلا الحيوانية في ذلك الكيان.
وقد أرد القرآن الكريم مشاهد كثيرة من مواقف «التبع» مع «السادة» تبين فداحة الخسارة في موقفهم..
﴿ ... وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ... ﴾[12].
وهذا الصنف من الناس هم الذين سماهم الرسول صلى الله عليه وسلم «إمَّعة» ونهى عن مسلكهم. فقال:
«لا تكونوا إمعة، تقولون إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا»[13].
إن «الإمعة» إنسان عطل عقله وأسلس قياده لغيره، لأنه لا رأي له..
تلك هي أهم عوامل تعطيل العقل، وحتى ينهض لأداء مهمته، كان لا بد له من أن يتحرر منها حتى يبدأ العمل.
________________________________________
[1] سورة الحج. الآيتان [45 - 46].
[2] سورة المؤمنون. الآية [68].
[3] سورة الفرقان. الآيتان [43 - 44].
[4] سورة محمد. الآية [24].
[5] سورة الأعراف الآية [179].
[6] سورة الأنبياء [51 - 53].
[7] سورة البقرة [170].
[8] سورة الزخرف [23].
[9] سورة الجاثية [7-8].
[10] سورة لقمان [6-7].
[11] سورة الأعراف [146].
[12] سورة إبراهيم [21].
[13] رواه الترمذي في السنن. كتاب البر والصلة. باب 63.

اكتب تعليق

أحدث أقدم