رئيس اتحاد الوطن العربى الدولى يتحدث عن الرحمة

رئيس اتحاد الوطن العربى الدولى يتحدث عن الرحمة



بقلم \ المفكر العربى الدكتورخالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لا شك فيه أن الرحمة صفةٌ كريمة من أبرزِ صفات الإنسان الخيِّر، التي دعا إليها الإسلام العظيم، وبها يحقِّق الإنسان إنسانيتَه السامية، إنها العاطفة النبيلة التي تحمل صاحبَها على رفع الضَّيم عن المظلومين، ومواساة المنكوبين، وسد رمق المُعْوِزينَ، ومساعدة المحتاجين.
ولا يتجرَّد منها إلا امرؤ انحطَّ عن رتبة الإنسان الكريم إلى دَرَكةِ الحيوان الوحش، إنه عندئذٍ أضلُّ من الأنعام؛ كما قال -تعالى- فيمَن عطَّل حواسَّه المميِّزة له عن البهائم: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾ [الأعراف: 179].
وللرحمة مظاهر متعددة:
1- فمنها أن يرحم الإنسانُ نفسَه، وهي من ألزمِ أنواع الرحمة، ويجب على المسلم أن يتَّصِف بها.
وتتحقَّق هذه الرحمة في أن يتجنَّب الوقوع في المعاصي، وفي ألا يُغرِق نفسه في الملذَّات وأنواع الرفاهية ولو كانت من الحلال، وفي ألا يكلِّفَها ما لا تُطِيق، ولا سيما في أمور الدنيا، وفي أن يجعلها قائمةً بطاعة الله تسعدُ بعبادته، وتأنسُ في مناجاته، وتسعى دائمًا في أن تتقدَّم في الإيثار والتضحية.
2- ومنها أن يرحم الإنسانُ الطفلَ الصغير، وتتحقَّق هذه الرحمة في لِين المعاملة معه في موضع اللين، وفي تعليمه أمور دينه، وفي تربيته وتهذيبه، وفي العناية البالغة بسلوكه ورفاقه، وفي زَجْره عن العادات السيئة والمنكرات، وإقناعه بذلك كلِّه بالحجة والموعظة الحسنة، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس منَّا من لم يَرحَم صغيرنا))[1]، فإن لم يستَجِب فإن الأخذَ على يده عندئذٍ من الرحمة الرحيمة، قال الشاعر:
فقَسَا ليزدجِروا ومَن يكُ حازمًا ♦♦♦ فليقسُ أحيانًا على مَن يَرحَمُ
ومنها أن يرحم المرءُ العجوز من الرجال والنساء، وتتحقق هذه الرحمة في أن تُعِينه على قضاء حوائجه إن كان لا يستطيع، وفي أن تخفِّف عنه آلامه، إن كان مريضًا بالكلمة الطيبة، وإحضار الدواء وعيادته، وفي أن تواصلَه بالزيارة والهداية، وفي أن توقِّره وتشعره بعلوِّ مكانته، وتنوِّه بتجربته وخبرته، وفي أن تُصغِي إذا تحدَّث، وتستجيبَ لتحقيق رغبته إذا طلب، وفي الحديث الذي أوردناه قبل قليل: ((ليس منَّا مَن لم يرحمْ صغيرنا ويوقِّرْ كبيرنا، ويعرفْ لعالِمِنا حقَّه)).
3- ومنها أن يرحم المرءُ أهلَه، وأَوْلى الناس بالرحمة الأبوانِ؛ فلقد أمر الله المسلم أن يرحمَهما رحمة تصل إلى درجة الذلِّ؛ فقال - سبحانه -: ﴿ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24]، ويدخل في الأهل الإخوة والأخوات، والأعمام والأخوال، والعمات والخالات، والأبناء والبنات والزوجة.
وتتحقق هذه الرحمة بأن يجتنب الحقوق، وفي ألا يظلم أحدًا ممن ذكرنا، وأن يملأ قلوبَهم محبة ومودَّة وتقديرًا، وفي أن يُعِينهم على سلوك سبيل الخير، فيذكِّرهم إذا غَفَلوا ويأخذ بأيديهم إذا ساروا في طريق الحق، وفي أن يجنِّبهم مخالطة الفاسقين والفاسقات، وبأن يصبر على نصحهم ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ﴾ [طه: 132].
4- ومنها أن يرحم المسلم المريضَ الضعيف من المسلمين، ولا سيما إن كان قريبًا أو جارًا، وتتحقق هذه الرحمة بعيادته ومواساته، والتماس الطبيب له والدواء، وتشجيعه وبسط ظلال الأمل أمام ناظريه، وتذكيره بضرورة الالتجاء إلى الله - سبحانه.
5- ومنها أن يرحم أبناء وإخوانه المسلمين في بلاد الشام؛ حيث يقوم الطاغية المجرم بشَّار الأسد بالقتل والتنكيل، والاعتقال والتعذيب، وبذبح الأطفال بالسكاكين، والعدوان على النساء الآمنات الغافلات، ويمنع وصول الماء والغذاء والدماء، فانتشرت الفاقة والفقر والجوع والمرض في تلك البلاد الكريمة، وأصبحوا في العراء بحاجةٍ إلى مأوى يَقِيهم حرَّ الشمس وبرد الشتاء، بعد أن هدم بيوتهم بإلقاء القنابل عليها من الطائرات، إنهم والله في شدة شديدة، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وتتحقق الرحمة لهم بتقديم العون والغوث على قدر الاستطاعة، وبأن ينصح لهم بالرجوع إلى الله، وبالحرص على اجتماع الكلمة، وبأن يرد الشائعات المفتريات الباطلة، ويبث للدنيا هذه المأساة بالقلم واللسان والصورة والفيس بوك، هذه المأساة التي غفَل عنها أبناء الدنيا وهم يرونها على شاشات التلفاز، إن القتلى جاوزوا مائتَي ألف من الرجال والنساء والأطفال، ولا يتحرك أحد لنصرتهم.
• • •
والرحمة عند المسلم لا تقتصر على الأقربين، بل هي عامة للناس أجمعين، نعم لا يكون المسلم رحيمًا على مَن يعرفه من الأقارب والمواطنين فقط، بل رحمته تتجاوزُ البشر إلى الحيوان، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((بينما رجلٌ يمشي بطريق اشتدَّ عليه العطش فوجد بئرًا فنزل فيها فشرِب ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلبَ من العطش مثلُ الذي كان قد بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفَّه ماءً ثم أمسكه بفِيه حتى رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له))، قالوا: يا رسول الله، إن لنا في البهائم أجرًا؟ فقال: ((في كل كبدٍ رطبة أجر))؛ متفق عليه[2].
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((عُذِّبت امرأةٌ في هرَّة حبسَتْها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمَتْها وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركَتْها تأكل من خَشاشِ الأرض))؛ متفق عليه[3].
وأمر -صلى الله عليه وسلم- أن يُحدَّ الذابحُ شفرتَه، فقال: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذَّبح، وليُحدَّ أحدُكم شفرته، وليُرِح ذبيحته))[4].
ونهى -صلى الله عليه وسلم- أن تُذبَح الدابَّة أمام أختها؛ فعن عبدالله بن عمر - رضي الله عنه - قال: أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحدِّ الشفار، وأن توارَى عن البهائم[5].
ومن أسماء الله - تبارك وتعالى -: "الرحمن - الرحيم - الرؤوف - الودود".
وقد وصف الله - سبحانه - رسوله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بأنه رؤوف رحيم، فقال: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، وقال: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، وقال: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]، وقال - عز من قائل -: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156].
أَجَل إن رحمة الله للمؤمنين والمحسنين، ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56]، وقال - عز وجل -: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]، فصفة المؤمنين هي التراحم بينهم، وهكذا ينبغي أن يكون دائمًا، ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَثَل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفِهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))؛ رواه البخاري برقم 6011، ومسلم برقم 2586.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((لا يرحم الله من لا يرحم الناس))؛ رواه البخاري برقم 7376، ومسلم 2319.
وقال: ((إنما يرحمُ الله من عبادِه الرحماءَ))؛ رواه البخاري ومسلم وأبو داود.
وقال: ((من لا يرحم لا يرحم))؛ رواه البخاري 6013، ومسلم 2319.
وقال: ((ارحموا مَن في الأرض يرحمْكم مَن في السماء))؛ رواه الترمذي برقم 1924.
وقال: ((الراحمون يرحمهم الرحمن))؛ أبو داود 4941، والترمذي 1924.
وصلى الله على محمد وآله، والحمد لله رب العالمين.
________________________________________
[1] رواه الترمذي برقم 1921.
[2] رواه البخاري برقم 2566، ومسلم برقم 1030.
[3] رواه البخاري برقم 2365، ومسلم برقم 2242.
[4] رواه مسلم، 1955، وابن ماجه برقم 3170.
[5] رواه أحمد 2 /108 وابن ماجه برقم 3172.

اكتب تعليق

أحدث أقدم