رئيس اتحاد الوطن العربى الدولى يتحدث عن العلم والأخلاق

رئيس اتحاد الوطن العربى الدولى يتحدث عن العلم والأخلاق



بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
تكاد أخلاق أهل هذا العصر تفترق كل الافتراق عن أخلاق أهل العصور التي سلفت. وليس هذا الاختلاف وهذا التطور في جانب الأخلاق، إذ إن الأخلاق تسير في عصرنا هذا (عصر العلم والمدنية) إلى الوراء القهقرى، بالرغم من تقدم معارف أهل العصر، وإشراق نور المدنية في أنحاء المعمورة، مما حدا ببعضهم إلى القول بأن تقدم المدنية مقرون بفساد الأخلاق؛ فالمكر والخداع والكذب والنفاق والتفنن في الجرائم والمنكرات كل أولئك قد بلغت أقصى غاية في التقدم في زماننا هذا. فهل يكون العلم هادماً للأخلاق مقوضاً لدعائمها؟ وهل هناك تضاد وتنافر بينهما فلا يجتمعان ولا يستقران على صعيد واحد؟ هذا ما يتساءل عنه الأخلاقيون. غير أن الجواب على ذلك ليس بعسير، فإن العلم لا يمكن أن يكون مقوضاً للأخلاق، وما نرى من انتشار فساد الأخلاق انتشاراً مطرداً مع العلم وموازياً له، إن هو إلا من نتاج تقهقر الدين.
إن الأخلاق تسير مع الدين جنباً لجنب فكل ما يأمر به الدين هو أخلاقي وجل القواعد الأخلاقية إن لم نقل كلها هو ديني، فتأخر الدين في عصرنا هذا هو الذي جعل موجة فساد الأخلاق تطغى على الناس في جميع الأصقاع.
ولا جرم أن انتصار فكرة المادية واللادينية في زماننا هذا هو الذي قلل من اعتبار الدين؛ فالمادي الذي لا يعتقد ببعث ومعاد لا يمكن أن تحسن أعماله في الحياة الدنيا أبداً، ولا عبرة بالوجدان الذي جعلوه قائماً مقام الدين، لأنه كثيراً ما يخطئ، وهو علاوة على ذلك متحول لا يستقر، متبدل لا يسكن، وما يقنع به وجداني لا يقنع به وجدان غيري، فالعمل الواحد قد يكون صالحاً بالنسبة لفريق من الناس وطالحاً تبعاً لطائفة أخرى؛ لأن هذا العمل يزان بميازين متفرقة ويقاس باعتبارات متباينة، أما الأديان وإن اختلفت طرائقها فإن نتائجها هي واحدة وهي الحصول على الخير والكمال في الحياة الدنيا والفوز بالنعيم المقيم في الحياة الأخرى، وقد بينت جميع الأديان الطريق التي يجب أن يسلكها متبعها وبالرغم من اختلافها في الوعورة والسهولة فإنها بينة واضحة لا تغيير فيها ولا تبديل مع تغير الأزمان وتبدل الأحوال.
قال قائل الملاحدة: إننا نرى أن كل شيء في هذا الوجود متغير متبدل فما بال هذه القواعد الدينية لا تتبدل ولا تتحول؟ إنها عقيمة لا تنتج، جامدة لا تتقدم، فخير للإنسان أن يتركها لأنه إن حافظ عليها بقي على جموده وركود عقله.
غير أن هذا الملحد الذي أخذ بنظرية التطور على علاتها، وسلم بها تسليماً قبيحاً، وانصاع إليها انصياعاً أعمى، غفل عن ذهنه أنها لا تسري على الأشياء والموجودات جميعها، وإن لله قوانين خالدة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ما دامت الأرض والسموات، سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
ودليلنا على ذلك مبادئ العقل كمبدأ الهوية ومبدأ عدم التناقض والقوانين العلمية. فإن كل هذه الأمور لا تتغير سجيس الليالي. فمن القوانين العلمية مثلاً قانون سقوط الأجسام الذي يقول إن كل الأجسام تسقط. فهل يتصور العقل أن يتغير هذا القانون؟ إن الملاحدة يناقضون أنفسهم هذه المرة ويقولون إن هذه القوانين لا تتغير. فإذا تقرر ذلك فلماذا لا تكون هناك قواعد دينية إلهية تسير هذا العالم، وتهيمن على شئونه؟ ولماذا يقيس هؤلاء الملاحدة الأشياء بمقاييس مختلفة فيقررون الثبات على حال واحدة تارة، وينفونه تارة أخرى، فيعتبرونه موجوداً ويعتبرونه معدوماً؟
إن الأديان والأخلاق قد أمرت بالصدق والإحسان والرحمة ونهت عن القتل. فهل يعقل أن تتبدل هذه القواعد والمبادئ فيصبح الكذب مباحاً، والقتل مشروعاً، والرحمة ظلماً، والإحسان ضعفاً، والصدق كذباً وميناً؟ كلا إن هذه قواعد أبدية أزلية وإذا شذ عنها فرد من الناس أو فريق منهم كالفيلسوف الألماني (نيتشه) الذي اعتبر الرحمة خوراً في الطبيعة فليس معنى ذلك أن هذه القواعد غير ثابتة أزلية لأن الخلود والبقاء شيء وعدم الطاعة شيء آخر. فمع وجود الأديان فإننا نرى الكثيرين يخالفونها ومع وجود القواعد الأخلاقية فإننا نرى الكثيرين يحيدون عنها مع علمهم بها، فهل نعد الأديان والقواعد الأخلاقية متبدلة لأن طائفة من الناس خالفتها؟ كلا لأن ذلك لا يستقيم مع المنطق الصحيح والعقل النير.
يجب أن نعترف أن الأخلاق وحدها غير كافية لتسيير شؤون الخلائق؛ لأن مؤيد الأخلاق داخلي ضعيف؛ تؤثر فيه العواطف، وتسيطر عليه النـزوات والشهوات. وأما مؤيد الأديان فهو إله جبار قادر على كل شيء، عالم بكل خفية، سامع كل نجوى، محيط بما تكنه السرائر. إن هذا الذي نسميه بالوجدان لا يوجد في نفس كل إنسان. فقد يكون معدوماً في نفوس عامة الناس، فكيف نجبرهم على أن يتبعوا القواعد الأخلاقية وهم لا يجدون من أنفسهم مؤيداً لها ولا زاجراً ولا رادعاً؟ والخلاصة أن مؤيد الأخلاق الوحيد هو الوجدان فإذا انعدم فلا مؤيد لها غيره.
وأما القواعد الدينية فمؤيدها خارج النفوس فهو دائماً وأبداً موجود مهيمن عليها مطلع على شؤونها.
إن هذه النـزعة اللادينية التي سرت في جميع الأقطار بدرجات مختلفات ليست وليدة العلم، فإن العلماء حقاً لا يمكن أن يكونوا إلا جد مؤمنين. ففساد الأخلاق وانحسار سلطان الدين، ليسا نتيجة من نتائج العلم، وإنما هما بحسب رأينا ناتجين من اضطراب التفكير وفساد فلسفة أهل هذا العصر. وقديماً قامت الفلسفة الأبيقورية المادية وعمت اليونان وذاعت في كل مكان. ثم قام فلاسفة أفذاذ أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطو فقوضوا دعائم هذه الفلسفة، وأعادوا لقواعد الأخلاق والدين سلطانها، وناضلوا عنها حتى ثبتوا أقدامها وزحزحوا قدم المادية وضربوها ضربة لبثت بعدها هامدة زمناً طويلاً. فما أحوجنا في عصرنا هذا إلى فلاسفة وأخلاقيين ومصلحين أمثال هؤلاء الفلاسفة ليهبوا لمحاربة الملحدين، وإخفات صوتهم، وإسكات نأمتهم، وإبعاد شرهم وضررهم.
ليست الدعوة إلى الدين هي دعوة إلى التعصب. فإذا قام أحد الناس إلى التمسك بأهداب الدين ونبذ الفكرة اللادينية المضرة جانباً واطراحها بعيداً فلا ينبغي أن يعد ذلك الإنسان متعصباً داعياً إلى التنابذ الديني. فإنه من المقرر أن المتدين لا يجب عليه أخلاقياً ولا دينياً أن يكون متعصباً، فلا الأخلاق ولا الدين يأمرانه بالتعصب. وإن الحرية الدينية مقررة في الدين الإسلامي الحنيف. يقول عليه السلام: من آذى ذميا فأنا خصمه يوم القيامة. وهذا يدل على أن للذمي ملء الحق أن يبقى على ذميته مع الاحتفاظ بسائر حقوقه.
فلنملأ أنفسنا بالإيمان فلا شيء غير الإيمان ينقذ العالم من هذا الاضطراب وتلك الفوضى التي يشب ضرامها وتكاد نارها تحرق الأخضر واليابس وتأتي على المدنية والعلم.
لنفتح صدورنا للدين الصحيح فقد طال هجرنا له وقد رأينا في أثناء هذا الهجران كل ذل ومسكنة. وقد كنا يوم سمعنا نداءه سادة وقادة فأصبحنا لما صممنا آذاننا عنه عبيداً وسوقة وأذلة. وكأني أسمع من خلال الأفق صوتاً يصيح عالياً: لن يفلح قوم جعلوا دينهم وراءهم ظهرياً. وكأن هذا الصوت هو صوت محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، صوت أبي بكر الصديق، صوت عمر بن الخطاب، صوت الخلفاء الراشدين، وآبائنا الأولين الذين دوخوا العالم وأدالوا دولة الفرس والرومان. إنهم يقولون: لن تنجحوا إلا بالطريق الذي نجحنا به. وهأنذا أنقل إلى قومي ما أسمع، فهل قومي يسمعون وإلى نداء نبيهم العظيم وآبائهم الغطارفة الميامين يلبون.

اكتب تعليق

أحدث أقدم