الدكتور عربي أبو زيد أحمد يكتب.... العقل النعمة العظيمة والمنحة الربانية

الدكتور عربي أبو زيد أحمد يكتب.... العقل النعمة العظيمة والمنحة الربانية




 العقل النعمة العظيمة والمنحة الربانية

بقلم الدكتور عربي أبو زيد أحمد
مدير عام مديرية التربية والتعليم بالإسكندرية
مما لاشك فيه أن العقل هو أعظم النعم وأجل المنح، ولا ريب في أن صلاح العقل واستقامته في الإدراك والتفكير ووزنه الأشياء بميزان الحقيقة، وتحرّيه الإنصاف في أحكامه يترتّب عليه إصلاح الأعضاء كلّها، فلا تُصدر إلّا خيراً ولا تعمل إلا صلاحاً، ولا تقول إلا حسناً، لأنّه الحاكم عليها والرئيس بينها، وإذا صلح العقل صلحت الحياة، أما إذا فسد العقل واختل نظام التفكير فسدت الحياة فلا يصدر إلا الشر.
ولقد كرم الله الإنسان بالعقل وهو تلك النعمة العظيمة والمنحة الربانية العجيبة التي منحها الله تعالى للإنسان وكرّمه بها وفضّله، قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [1] وهذا من كرمه عليهم وإحسانه الذي لا يقدر قدره حيث كرم بني آدم بجميع وجوه الإكرام، فكرمهم بالعلم والعقل وإرسال الرسل وإنزال الكتب، وجعل منهم الأولياء والأصفياء وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة. ﴿ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ ﴾ [الإسراء: 70] على الركاب من الإبل والبغال والحمير والمراكب البرية، ﴿ وَ ﴾ [الإسراء: 70] في ﴿ الْبَحْرِ ﴾ [الإسراء: 70] في السفن والمراكب ﴿ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ﴾ [الإسراء: 70] من المآكل والمشارب والملابس والمناكح. فما من طيب تتعلق به حوائجهم إلا وقد أكرمهم الله به ويسره لهم غاية التيسير، ﴿ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70] بما خصهم به من المناقب وفضلهم به من الفضائل التي ليست لغيرهم من أنواع المخلوقات. أفلا يقومون بشكر من أولى النعم ودفع النقم ولا تحجبهم النعم عن المنعم فيشتغلوا بها عن عبادة ربهم بل ربما استعانوا بها على معاصيه[2].
والعقل هو إحدى معجزات الخلق، الذي يتحقّق به الإدراك والفهم والتصوّر، ولأجل ذلك ذمّ الإسلام إتباع الأمم السالفة وحتى الأمم الحاضرة من غير إعمال العقل وهو ما يسمّى بالتقليد الأعمى (والتقليد في عُرف اللغة هو مجموع العادات التي يرثها الآباء عن الأجداد أو التي تسـري بمجرّد عامل الاحتكاك في بيئة من البيئات أو بلد من البلدان) الذي لا دليل عليه يقوّيه، ولا برهان يعضّده، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ [3] أخبر تعالى عن حال المشـركين إذا أمروا باتباع ما أنزل الله على رسوله - مما تقدم وصفه - رغبوا عن ذلك وقالوا: ﴿ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ﴾ [البقرة: 170] فاكتفوا بتقليد الآباء، وزهدوا في الإيمان بالأنبياء، ومع هذا فآباؤهم أجهل الناس، وأشدهم ضلالاً وهذه شبهة لرد الحق واهية، فهذا دليل على إعراضهم عن الحق، ورغبتهم عنه، وعدم إنصافهم، فلو هدوا لرشدهم، وحسن قصدهم، لكان الحق هو القصد، ومن جعل الحق قصده، ووازن بينه وبين غيره، تبين له الحق قطعا، واتبعه إن كان منصفاً[4].
وبالعقل كلّف الله تعالى الإنسان وخاطبه بكتابه العظيم قال تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 43] [5] وهذه الأمثال نضربها للناس; لينتفعوا بها ويتعلموا منها، وما يعقلها إلا العالمون بالله وآياته وشـرعه[6].
وقد حث القرآن على إعمال العقل وبناء على الآيات التي سبق ذكرها فقد أجمع المسلمون على أنّه لا يجوز التقليد في مبادئ العقيدة، وأنّ من قال أنّني أومن بالله لأني أرى أهلي جميعاً يؤمنون به أو لأنّ البيئة تفرض عليَّ ذلك، فإنّ إيمانه ليس بالإيمان الصحيح الذي أراده الله تعالى.
فأحكام الله تعالى ليست من قبيل التعاليم التي تنتقل بالوراثة، وإنما هي مبادئ قائمة على أساس من المصالح الدنيوية والأخروية.
إنّ المتأمّل في آيات القرآن الكريم يلقاه حافلاً بالدعوة إلى إعمال العقل في الأمر، قال الله تعالى: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [7] قالوا معترفين: لو كنا نسمع سماع مَن يطلب الحق، أو نفكر فيما نُدْعى إليه، ما كنا في عداد أهل النار[8].
وقال تعالى: ﴿ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنبياء: 67][9] قال إبراهيم محقِّرًا لشأن الأصنام: كيف تعبدون أصنامًا لا تنفع إذا عُبدت، ولا تضرُّ إذا تُركت؟ قبحًا لكم ولآلهتكم التي تعبدونها من دون الله تعالى، أفلا تعقلون فتدركون سوء ما أنتم عليه؟[10].
وقال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24][11] أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون مواعظ القرآن ويتفكرون في حججه؟ بل هذه القلوب مغلَقة لا يصل إليها شيء من هذا القرآن، فلا تتدبر مواعظ الله وعبره[12].
________________________________________
[1] سورة الإسراء:70.
[2] تفسير السعدي (ج1 - ص 463).
[3] سورة البقرة:170.
[4] تفسير السعدي (ج1 - ص 81).
[5] سورة العنكبوت:43.
[6] التفسير الميسـر (ج1 - ص 401).
[7] سورة الملك:10.
[8] التفسير الميسـر (ج1 - ص 562).
[9] سورة الأنبياء:67.
[10] التفسير الميسـر (ج1 - ص 327).
[11] سورة محمد: 24.
[12] التفسير الميسـر (ج1 - ص 509).

اكتب تعليق

أحدث أقدم