رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن المروءة من شيم الصالحين

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن المروءة من شيم الصالحين



بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
مما لاشك فيه أن المروءة من أخلاق الإسلام الفاضلة، ومن شيم الصالحين الظاهرة، فهي حالة مستقرة في النفس تحمل صاحبها على الالتزام بالفضائل دائما، ولذلك فهي جماع الأمر كله، والإقدام على كل خير، والابتعاد عن كل شر.
والمروءة في اللغة : آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات. يقال : مرؤ الرجل فهو مريء : أي ذو مروءة .
أما معناها في اصطلاح أهل الشريعة : فقد عرفها الفقهاء بتعاريف متقاربة : قال القليوبي : إنها صفة تمنع صاحبها عن ارتكاب الخصال الرذيلة . وقال الشربيني الخطيب : وأحسن ما قيل في تفسير المروءة : أنها تخلق المرء بخلق أمثاله من أبناء عصره ممن يراعي مناهج الشرع وآدابه في زمانه ومكانه . وقال البيجرمي في [حاشيته] : المروءة : بفتح الميم وضمها وبالهمز وتركه مع إبدالها واوا : ملكة نفسانية وفي المصباح والمروءة آداب نفسانية تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف على محاسن الأخلاق وجميل العادات وهي لغة الاستقامة وشرعا ما ذكره.
والإنسان لا يحكم عليه بالعدالة وتقبل شهادته إلا بمراعاة المروءة؛ فإن العدالة في اللغة : صفة توجب مراعاتها الاحتراز عما يخل بالمروءة عادة ظاهرا . وفي الاصطلاح : اجتناب الكبائر وعدم الإصرار على صغيرة من نوع واحد أو أنواع.
ولقد أمر الله بالمروءة في كتابه العزيز في أكثر من آية، ولكن أمر بها باعتبار معناها، وليس باعتبار لفظها، فمن أهم معاني المروءة الاستقامة على محاسن الأخلاق، ومراقبة الله سبحانه وتعالى وبهذا المعنى ورد الأمر بالاستقامة للنبي ﷺ وأتباعه المؤمنين في أكثر من آية.
قال تعالى : ( فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) وقال سبحانه : ( فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ).
كما مدح ربنا سبحانه وتعالى المؤمنين الذين التزموا المروءة في الأخلاق والآداب، وحافظوا على رشدهم في سيرهم إلى الله، وأخبر تعالى بأنه يرسل إليهم الملائكة مبشرين بحسن العاقبة فقال سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) وقال عز من قائل : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) ورغم أن الاستقامة من أبرز معاني المروءة، إلا أن المروءة بمعنى التأدب في القول ، وحفظ الأمانات، والقسط في البيع والشراء، واتخاذ الزينة والتطهر في المظهر، فكل هذه المعاني قد حث الله عليها في كتابه وامتدح فاعليها، وأثنى عليهم سبحانه وتعالى.
فقال تعالى : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلام ) وقال سبحانه : ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ). وقال جل شأنه : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ).
والمروءة بلفظها ومعناها وردت في أحاديث النبي المصطفى ﷺ كثيرا.
عن عمر بن الخطاب أن النبي ﷺ قال : "حسب المرء دينه وكرمه تقواه ومروءته عقله" [سنن الدارقطني، وابن أبي شيبة]، وكذلك بين النبي ﷺ أهم آثار المروءة عند المسلم فعندما تذاكروا المروءة عند رسول الله ﷺ فقال : "أما مروءتنا فأن نغفر لمن ظلمنا , ونعطي من حرمنا . ونصل من قطعنا , ونعطي من حرمنا". وكذلك أخبر النبي ﷺ فيما يرويه علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن الاتصاف بالمروءة من أسباب عصمة المسلم في عرضه فقال ﷺ: " من عامل الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروءته وظهرت عدالته ووجبت أخوته وحرمت غيبته" [مسند الشهاب]
وأخبر رسول الله ﷺ أنه من ترك محادثة قومه، وأهله بلغتهم، وتكلم لغير حاجة بلغة غريبة عنهم، يبتغي في هذه اللغة العزة؛ فإن ذلك ينقص من المروءة ويدل على الخبث فعن أنس بن مالك : قال رسول الله ﷺ : "من تكلم بالفارسية زادت في خبثه ونقصت من مروءته" [المستدرك]
كما حث رسول الله ﷺ المسلمين على التجاوز، والتغافل عن أخطاء ذوي الهيئات، والمروءة، والسخاء فعن عبد الله بن مسعود قال : رسول الله ﷺ : "أقيلوا ذوي الهيئات زلاتهم" [الطبراني].
وكذلك اهتم أصحاب رسول الله ﷺ ، والسلف من بعضهم ببيان المروءة والحث عليها، فقد سُئل عبد الله بن عمر عن المروءة فقال : العفاف ،وإصلاح المال.
وسأل معاوية سيدنا الحسن بن علي عن المروءة والكرم والنجدة , فقال : أما المروءة فحفظ الرجل نفسه , وإحرازه دينه ،وحسن قيامه بصنعته , وترك المنازعة , وإفشاء السلام .
وأما الكرم : فالتبرع بالمعروف , وإعطاؤك قبل السؤال , وإطعام في المحل .
وأما النجدة : فالذب عن الجار , والصبر في المواطن , والإقدام على الكريهة.
وسُئل الأحنف عن المروءة فقال : التفقه في الدين ،وبر الوالدين ،والصبر على النوائب.
ويروى عن الأحنف قال : لا مروءة لكذوب , ولا إخاء لملول , ولا سؤدد لسيئ الخلق .
وسُئل ابن شهاب الزهري عن المروءة فقال : اجتناب الريب ،وإصلاح المال ،والقيام بحوائج الأهل .
وقال الزهري أيضا : الفصاحة من المروءة .
وإن أجل مظاهر المروءة النجدة وإغاثة الملهوف، وقد اتفق المسلمون على أن المسلم يغيث من استغاثه، وإذا استغاث غير المسلم فإنه يُغاث لأنه آدمي , ولأنه يجب الدفع عن الغير إذا كان آدميا؛ ولحديث رسول الله ﷺ : "إن الله يحب إغاثة الملهوف" . ولقوله ﷺ : "لا تنزع الرحمة إلا من شقي".
كل ما ذكر يوضح اهتمام الشرع الحنيف بالمروءة، وأنها خلق جامع إذا تحلى به المسلم كملت صفاته، وعم نفعه، وكان مثالا يحتذى به في كل خير. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكملنا بمكارم الأخلاق، ويعلي لنا في مروءتنا.

اكتب تعليق

أحدث أقدم