رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الفن وسيلة

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الفن وسيلة



بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
ما كلماتي هذه إلا تتبُّعٌ لمواقع القَطر، ورتع في رياض الدين، وما ذلك منِّي إلا لأن ذلك الجَمال - الذي كان منهلُه الفياض يعبُّ منه الرائح والغادي - بدأ يتوارى كالشمس حين تَحجبها سُحبٌ لا مطرَ فيها.
ما اتَّشحَ امرؤٌ بوشاحه (الدين) إلا ازدان به وزاده الله وقارًا، وشَعائر هذا الدين كالعِقد النَّضيد، كل شعيرةٍ كحبِّ اللُّؤلؤ رُصِفَت في ذلك العقد، فكانت شعائره بانوراما مُتناسقة كأنها قضيبٌ من اللُّجَيْنِ، فسبحان من فاض مِن اسمه "الجميل" على الحياة جَمالٌ، وفاض من نورِهِ على الكونِ نورٌ، فتبارك الله أحسن الخالقين!
يَذكر أفلاطون أن هناك قيمًا ثلاثًا: الحقُّ والخير والجمال؛ فالجمال في الكون والنفس حقيقة، والحق هو غاية الجمال.
والأديان تبحث عن الحقيقة، والفنُّ يبحث عن الجمال، وفرق بين الحقيقة التي تتقيَّد بأنها حقيقة، وبين الجمال الذي لا يتقيَّد بشيء لأنه هائم طليق.
"هذا الجمال بالمفهوم الإسلامي بعيدٌ كل البعد عن مفهومه الغربيِّ، الذين عابوا على الجَمال بمفهوم الإسلام بأنه جمالٌ تجريديٌّ، في حين أن الجمال بالمفهوم الغربي تجسيديٌّ؛ ذلك أن الفرق بين الجمالين كالفرق بين الحقيقة والخيال، فلم تكن الصورة التي أودعها المسلم ثابتة في متحف اللوفر، ولكنَّها صورة حيَّة يُشكِّلها المسلم بإبداعه اليومي بين ركوعٍ وسجود وطوافٍ وسعي وصومٍ وتبتُّل وانقِطاع يَصله بالملأ الأعلى، جمالٌ حركيٌّ فيه روح، فأين هذا الجمال مِن بسمة الجيوكاندا المصطنعة؟ أو وجوه بيكاسو المتناثرة؟!"؛ (الأنصاري).
الغربيُّ يمارس بإبداعه الجمالي عبادات خفيَّة يُوجِّهها نحو الذات أو الطبيعة، فيَحتاج أن يجسِّد الفن، كما فعل مايكل أنجلو عندما نحَت تمثال موسى ثم ضرَبه بالمطرقة صارخًا: "تكلَّم يا موسى!"، وانشغل الفلاسفة بجمال الطبيعة ومحاكاتها ظاهريًّا وباطنيًّا (بإفساح المجال للخيال)، وتعليميًّا (بالمُحاكاة ظاهريًّا في أول المراحل، ثم الابتكار في المراحل اللاحقة)، كما يذكر صالح الشامي في مؤلَّفه "ميادين الجمال"، والذين يَرون الفنَّ غير الطبيعة كالفيلسوف "كانت"، فهم يرون أن هناك أشياء في الطبيعة جميلة، أما في الفن فهناك تصوير جميل، إن الجمال الطبيعي لهو شيء جميل، وأما الجمال الفني فإنه تصوير جميل لشيء، وقد يكون هذا الشيء شيئًا قبيحًا، ويؤكِّد هذا "غوته" و"بيكاسو".
أما الإسلام، فقد أخذ الجمال التجريدي بمفهوم العبادة؛ حتى يصحَّ الاتجاه في مسيرة الإبداع، "والفن الإسلامي لا يرسم صورة مزوَّرة للبشرية، بل صورة واقعيَّة وعميقة، صورة تشمل الإنسان في جميع حالاته، ولكنَّها لا تسلِّط النور على الشرِّ وتجعل منه فضيلة، ولا تُسلِّط النور على الضعف وتجعل منه بطولة"؛ (محمد قطب).
والفنُّ هو وسيلة وليس غاية، والوسيلة تشرف بشرف الغاية التي تؤدِّي إليها، فليس الفن للفن؛ وإنما في خدمة الحق والفضيلة (صالح الشامي).
والله الجَميل في ذاته، الجميل في صفاته وأفعاله - يسكب من آيات الجمال على مخلوقاته.
في الشروق والغروب، في هدأة السحر وفي شمس الأصيل، في رمال الصَّحراء وفي تدفُّق الأنهار، في المُروج والغابات، في الأزهار والورود، في تغريد الطيور وهديل الحمام، تلك اللوحة الباهرة التي ترنَّم بها الشعراء، وغنَّى لها المُنشدون، وتفكَّر فيها الموحِّدون، ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ... ﴾ [يونس: 101] لفتة إلى التفكُّر في جَمال صَفحات الكون المنظورة!
• وفي وصْف الإنسان: ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾ [التغابن: 3].
• وفي وصف السماء بما أبدع فيها من تجلياته: ﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ﴾ [الحجر: 16].
• وفي الشجر والنبات: ﴿ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ﴾ [الأنعام: 99].
• وفي الحيوانات: ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ﴾ [النحل: 6]، ﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾ [النحل: 8].
إن المتتبِّع لجداولِ الجَمال يصل إلى منبعه العظيم؛ حيث الحق والخير الصافي الرقراق، هناك إذًا يعبُّ المتديِّنون مِن موارد الدين ما يتزيَّنون به لربهم عبادة وسلوكًا، فإذا القلوب تنبض بجمال الإيمان حبًّا لا يَخبو أبدًا، وما ألطَف قوله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ [الحجرات: 7]!
فإذًا كيف يَصدر عن مسلمٍ هذا شأنُه قبحٌ في التعبير أو قبحٌ في السلوك؟! إذًا يكون خارج معنى العبادة حينئذٍ؛ إذ الله لا يقبل إلا جميلًا؛ ((إن الله جميلٌ يحبُّ الجمال)).
فليكن الدِّين إذًا سيرًا في مواكب الجمال إلى الله: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31]، ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ ﴾ [الأعراف: 32].
إن أسس الجمال في الإسلام تقوم على أركان ثلاثة: المتعة، والحكمة، والعبادة.
وكان من حكمة الله ولطفه بعباده أن خلق لهم جمالًا في أنفسهم وفي ما حولهم من مخلوقات وأكوان وعوالم تجعلهم يتبلغون به لعبادتهم.
ومن حكمة الجمال أنه ما مِن جميل لذاته فحسب، وإنما لغيره أيضًا؛ مثل قوله: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ﴾ [يونس: 5]، فمُتعة المشهد هنا واضحة، والحكمة هي معرفة عدد السنين والحساب، وكل ذلك هدفه أن يعبد الإنسان ربه كما طلب منه.
والعبادة في الإسلام سلوك جمالي محض؛ بما تبعثه في النفس من أنس وشعور بالاستمتاع، فالسير إلى الله عبر الترتيل والذِّكر والتدبُّر والصلاة.
جماليات "لا إله إلا الله":
يطوف بنا "الأنصاري" في جماليات وجدانية تستفزُّ مشاعر مكبوتة تُطلِقُها حينئذٍ في لحن جميل في حروف "لا إله إلا الله".
فجَمال "لا إله إلا الله" هو السرُّ الذي به صُنعت شخصيات عظيمة، ذلك الجمال الذي لا يُدرك إلا بحاسة القلب.
فلا: النافية، وإلا: الحاصرة، فهُما للنَّفي والإثبات، و(إله) تُجمع على آلِهَة، أمَّا (الله) فاسمٌ ينفردُ سبحانه بهِ وحده.
وألِهَ من الوَلَه، وهي كلمة قلبيَّة تدلُّ على أحوال القلب؛ كالحبِّ والبُغض والفرح والحزن والشوق والرهبة، وأصلُها قولُ العرب: "أَلِهَ الفصيلُ يألَهُ ألَهًا": إذا ناح شوقًا إلى أُمِّه.
والفصيل ابن الناقة الذي فُطِمَ وحنَّ إلى أُمِّه.
وقيل: ألِهَ يألَهُ؛ أي: تحيَّر؛ لأن العقول تحتار في عظمتِه.
وقيل: ألِهتُ على فلان؛ بمعنى: اشتدَّ جزَعي عليه.
(والوَلَهُ): هو الجنون الحاصل بسبب الحبِّ الشديد.
وهكذا ترى أن قول المؤمن: "لا إله إلا الله" تعني: لا محبوب، ولا مرهوب، ولا متعلق رهبة ورغبة وشوقًا إلا لله.
فعلى هذا تكون شهادة "لا إله إلا الله" ميثاق المحبة التي تَفيض بأنوار الجمال، وعلى هذا فلا عجب من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قد حرَّم على النار من قال: "لا إله إلا الله"؛ يبتغي بذلك وجه الله))؛ متفق عليه، فإنها ليست كلمات تُقال، إنها توجُّهٌ قلبيٌّ، ومسألة حب، فمَن أحبَّ الله أحبَّه الله.
وإذا كانت "لا إله إلا الله" شهادة على ما في القلب مِن تعلُّقٍ بالله وحده، فلا بدَّ أن يكون ذلك مبنيًّا على المعرفة بالله ربًّا، ومعرفة بذات الله وصفاته.
إن كون الله ربًّا هو بدء تدفُّق الجمال على عقيدة الإسلام؛ إذ إن جَمال الربِّ عزَّ وجل يفيض من بهاء ذاته وصفاته، فـ((حجابه النور، لو كشفه لأحرقتْ سُبحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصرُه من خلقه))، وأسماؤه حسنى؛ فهي أنوار متدفِّقة من مشكاة الله ذات البهاء الدُّرِّي.
وأصلُ الشِّرك بالله الإشراك في المحبَّة؛ حيث تميل النفس إلى معبود خفيٍّ وظاهر.
وما قصَّة الذبيح إسماعيل، وقد ملك إسماعيل شعبةً في قلب أبيه إبراهيم، فأراد الله من خليله أن يتجرَّد كلِّيًّا له، فرأى في المنام أنه يذبحه، فلمَّا امتثل لأمر الله فأخرج ما تبقى من حبٍّ وتجرد، حصل المقصودُ، وفداه الله بكبش عظيم.
الجمال عند العقَّاد يرتبط بالحرية، وعند أحمد حسن الزيَّات يرتبط بالقوة، وهكذا يرى الأنصاري أن ميثاق المحبة المعقود يُحرِّر الإنسان بقدر عبوديته لإله قادر قويٍّ، قوة تَفيض حكمة ورحمة كما تفيض جبروتًا.
إن جمال الظاهر في الأكوان والإنسان يُدرَك بالحواس والبصر، أما جمال الباطن، فلا يُدرك إلا بنورِ البصيرة، بل إن جَمال الباطن هو الذي يرشح على الظاهر، فترى على الوجوه نضرةً، وعلى المحيا سيماء الصلاح والتقوى.
إن جمال الباطن لا يكون إلا بدِين الإسلام الذي نقَّى الإنسان من حظوظ النفس والأثرة، وجعَلها تعيش في ميدانها الواسع حيث العطاء، من ضيق الفرد إلى سَعة الجماعة، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.
وفي كلمة: لولا جَمال هذا الدين الذي به تزدان الحياة؛ فتُحيل الصحراء إلى خضرة، والباطل إلى الحق، والقبح إلى الحسن - لاستحالت الحياة.
المراجع:
• جماليات الدين؛ فريد الأنصاري.
• الفن في الإسلام؛ محمد قطب.
• الجمال في الإسلام؛ صالح الشامي

اكتب تعليق

أحدث أقدم