رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن فقه الحضارة

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن فقه الحضارة



بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
مما لا شك فيه أن المجتمعات تتقدم بقدر ما يلقى الإنسان فيها من رعاية واهتمام وتنمية واستثمار؛ إذ هو أساس الحضارة والعمارة في الرؤية الإسلامية: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)، وقد كفل الله لعباده ما تقوم به هدايتهم وتستقيم معه حياتهم الدنيوية والأخروية..
وزاوية الانحراف التي تنفرج اليوم في المجتمعات المعرضة عن هداية الله؛ المتمثلة في العمل بهداية القرآن العظيم وسنة خير المرسلين، تلقى مصيرها المحتوم بالصغار في الدنيا، والهوان يوم القيامة، وإن تقدمت ماديا، واكتسحت حضارتها المبهجة عالمياً..
والسؤال.. ما الذي ساهم في تخلف مجتمعاتنا المسلمة رغم هداية القرآن والسنة معها؟ ولن تكون الإجابة شافية إلا إن زعمنا أن تخلف التربية الإسلامية وبناء الشخصية على هدي النبوة بمفهومها الشمولي العميق سبب حيوي في ذلك..
واليوم يتوجب أن تنهض الأسر المسلمة بدورها الأساس الذي تخلت عنه للمؤسسات التعليمية التي تعاني كذلك من قصور رسالتها عن صناعة خليفة الأرض، الفاعل بعقيدته المستثمراً للأسباب المادية التي تفرزها الحضارة المعاصرة..
جاءت الشريعة بما يسند دور الأسرةَ لترعى أفرادها بالتربية واستثمار مقدراتها.. إن مشروع تربية الأسرة تربية إسلامية يفيض على الحياة الدنيوية بقرة العين وصلاحها، ويمتد روضه بعد الموت، ويتم النعيم بالاجتماع الحميمي يوم المصير.. يقول - صلى الله عليه وسلم -: (( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه))، إن نقطة البداية والولادة تعني الشروع في العمل التراكمي وتنفيذ الرؤية وقصد الأبناء بتربية رشيدة، والحفاظ على سلامة فطرهم، وتجنيبها عوامل الانحراف واجتيال الشياطين لها وتوفير عوامل الاستقامة والبناء.. وبعد الموت يظفر الوالدان -إن هما أحسنا- بعاجل صلاح ذريتهم؛ فلن يرحل من الأعمال الصالحة إليهما إلا أعمال ثلاثة كما قال - صلى الله عليه وسلم -: (( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث.. وولد صالح يدعو له)) ليسعد الوالدان بهذا الصلاح الذي يسعد به الابن أيضاً في دنياه ويظفر به بعد وفاته.. ثم في يوم الفراق، الذي يفر فيه المرء من أخيه وأمه وأبيه؛ تجتمع فيه الأسرة ويلم شمل الصالحين منهم، فيجمع الله للآباء أبناءهم من غير أن ينقص من أعمال الآباء شيئاً إكراماً لهم: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء)..
إن تربية الأبناء والاستثمار فيهم؛ يجب أن تحتل مقدَّم أولوياتنا واهتماماتنا، ونستمتع بها فوق تحصيل سائر متع الدنيا.. فنُعدُّهم لمدرسة متميزة، وندفعهم لمحضن تربوي ينمي المهارة ويصقل الشخصية ويعزز القيم الإيجابية، ونرشدهم لصحبة صالحة تلبي حاجته، ونعيش مع أبنائنا دقائق حياتهم، في سني عمرهم الست الأولى الذي تتحدد فيه خطوطهم النفسية العميقة (1-6)، ثم نتولاهم بالتدريب على العبادة وجميل الأخلاق ونؤدبهم في سني عمرهم السبع الثانية (7-13)، ثم نحملهم على المسؤولية ونحقق ذواتهم ونرسم معهم أحلامهم لأمتهم في سني عمرهم الست الثالثة (14-19)، ثم نسند حاجتهم لتحقيق إنجازاتهم وعطائهم في سني عمرهم الست الرابعة (20-25)..وهكذا نعدّهم -بعون الله ثم بوضوح الرؤية والأساليب- لحياة مزدهرة تعمر الدنيا نجاحاً والآخرة فلاحاً.

اكتب تعليق

أحدث أقدم