رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن النسيج الإجتماعي للأمة

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن النسيج الإجتماعي للأمة



بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بإسبانيا،
الرئيس التنفيذي للأكاديمية الملكية للأمم المتحدة
مما لاشك فيه أن النسيج الاجتماعيَّ للأمة الإسلامية يجب أن يسودَه الحبُّ والوئام بين كل عناصر الأمة مجتمعةً، الحب النابع مِن حب الله "الحب كله"، فكل العَلاقات الاجتماعية في هذا المجتمع يحكمُها شرعُ الله، الذي هو في مصلحة كل أفراد وعناصر الأمة، فاتِّباع الهوى لكل فرد سيكون فيه ظلمٌ للآخرين، إن حبَّ الله فيه حب ورحمة لكل فردٍ وكل عناصر المجتمع.
ما أحلى أن يسودَ نسيجَ المجتمع هذا الحبُّ النابع من حب الله، هذا الحب سيجنبنا ما نرى من تقطُّع أواصر المجتمعات، والحروب التي تدور على أرض الإسلام بعيدًا عن هذا الحب، نرى الأخ يقتل أخاه المسلم، ونرى التناحر والتشرذُم تحت شعارات القبلية والشعوبية والمذهبية! يا لها من فاجعة أن نرى هجرة المسلمين مِن ديارهم إلى بلاد الكفر بحثًا عن الأمن والأمان، يا لها من مفارقات!
إن غياب هذا الفهم الصحيحِ للحب الكلي عند التربويين في تربية أبناء الأمة، وخُلُوَّ المناهج التعليمية من هذا المفهوم - كان سببًا جوهريًّا في سريان تدمير الأمة بيد أبنائها، وبتخطيطٍ من أعدائها.
إن مِن أهم عَلاقات الحب في المجتمع الحبَّ بين الحاكم وأبناء الأمة، هذا الحب النابع من حب الله، وفي هذه المقالة سوف نتناول الجانب الأول من هذه العَلاقة، وهو حب الحاكم المسلم لأمته "مسؤوليات الحاكم تجاه الأمة"، وتتمثل في التالي:
أولًا: الحكم بين الناس (بشرع الله):
لقد ورد الأمرُ بالعدل صريحًا واضحًا في القرآن الكريم، فحثَّت عليه الآياتُ الكثيرة، وجعله الله غاية الحكم؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء: 58]، ﴿ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ [ص: 26].
وهذا خطابٌ مِن الله عز وجل إلى ولاةِ أمور المسلمين بأداء الأمانة إلى مَن وَلُوا أمرَه: مغنمهم ومغرمهم، وما ائتُمِنوا عليه من أمورهم؛ بالعدل بينهم في القضية، والقسم بينهم بالسوية، وأن يكون هذا بحكم الله تعالى، وليس بالقوانين الوضعية التي تتبع الهوى البشريَّ؛ لأن اتباع هذه القوانين ضلالٌ عن سبيل الله؛ أي: عن شرائعه التي شرعها وأوحى بها.
وقد حثَّنا القرآن الكريم على العدلِ حتى مع الأعداء، وقد جاء النصُّ على ذلك قاطعًا في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8].
وهذا يدل على عظمة الإسلام، وقد توعَّد الله عز وجل الظالِمين بأشد العقاب، فيقول: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾ [إبراهيم: 42]، ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾ [القصص: 59].
وها نحن نسمع ونرى نهايةَ الظالمين أمثال فرعون وجنوده، ولم يقتصِرِ العذابُ فقط على فرعون، بل شمل أيضًا جنوده وأعوانه، ونهى الإسلام عن مجرد الركون إلى الظالمين، فحُكِي أن أحد الخيَّاطين سأل أحد العلماء، فقال: أنا أَخِيط الثياب للظالمين، أفأكون من الذين ركنوا إليهم؟ قال له: أنت منهم، والذي ناولك الإبرة والخيط.
ومن الأحاديث الشريفة التي تدعو إلى العدل، وتُبيِّن مصير الظلَمة: قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزال هذه الأمة بخيرٍ ما إذا قالت صدَقَت، وإذا حكمت عدلت، وإذا استرحمت رحمت))؛ (مجمع الزوائد)، وقـوله: ((إن أحب الناس إلى الله يوم القيامة وأقربَهم منه مجلسًا: إمام عادل، وإن أبغضَ الناس إلى الله يوم القيامة وأشدَّهم عذابًا: إمام جائر))؛ (مسند أحمد).
ونخلص مِن هذا بأن العدل - بصفة عامة - هو تنفيذ حكم الله؛ أي أَنْ يحكم الناس وَفقًا لِمَا جاءت به الشرائعُ السماوية الحقة، كما أوصى بها الله إلى أنبيائه ورسله، وإذا كانت الشريعة الإسلامية جماعَ هذه الشرائع ومُتِمَّةً وخاتمةً لها، فإن العمل بها هو إذًا - كما قال علماء الإسلام - تحقيق العدل الذي أمر اللهُ به، وقد قال عز وجل:
﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المائدة: 44].
﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [المائدة: 45].
﴿ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [المائدة: 47]
إن العدل ميزان الله الذي وضعه للخلق ونصَبَه للحق.
ثانيًا: تطبيق القانون على الجميع:
مِن العدل الذي يحثُّ عليه الإسلام المساواةُ أمام القانون، ويتضح لنا ذلك جليًّا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: ((إنما أهلك الناسَ قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريفُ تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيفُ أقاموا عليه الحدَّ، والذي نفس محمدٍ بيدِه، لو أن فاطمة بنت محمدٍ سرَقَت، لقطعتُ يدها))؛ [البخاري].
كما تبيَّن لنا هذا في خُطبة أمير المؤمنين أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، التي ألقاها عقب بيعته، فقال: (ألَا وإن أضعفكم عندي القويُّ حتى آخُذَ الحقَّ منه، وأقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق له).
كما عبر عن ذلك أيضًا الخليفةُ الثاني أمير المؤمنين عمرُ رضي الله عنه وأرضاه، في كتابه الذي بعث به إلى أبي موسى الأشعري، حين ولاه القضاء، فقال له: "آسِ بين الناس في وجهك وعدلِك ومجلسك؛ حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييئسَ ضعيفٌ مِن عدلك".
يا لهذا الدينِ الإسلامي من عظمة وإجلال حين يُطبَّق في أرض الواقع كما طبقة هؤلاء العظامُ عبر تاريخ الأمة الإسلامية!
ثالثًا: احترام الملكية الخاصة للأفراد وحقوقهم المالية:
هو عدلُ الحاكم أو ولي الأمر فيما يتعلَّق بما للناس من حقوق في أموالهم، أو حقوق مترتِّبة على أعمالهم، وهو الذي يؤدي إلى أن تشعر الرعيةُ بالاطمئنان، ويحفزهم على الإقبال على العمل والجد فيه، فينتج عن ذلك نَماءُ العمران واتساعه زراعيًّا وصناعيًّا واجتماعيًّا، وتكثر الأموال والخيرات؛ مما يؤدي إلى تقوية الدولة وبقاء الحكم واستمراره، وبالعكس تكون عواقب الاعتداء على أموال الناس وحقوقهم، أو غَمْطهم إياها، هو إحجام الناس عن مزاولة الأعمال، وركود النشاط، ويؤدي إلى إغلاق المصانع، وهجر الأرض الزراعية؛ خوفًا من نهب الأموال واغتصابها، فيتسبب ذلك في الكساد الاقتصادي، فيتدهور العمران؛ مما يؤدي إلى ضعف الدولة أو زوالها.
ومما كتبه ابن خلدون في هذا المضمار تحت عنوان "الظلم مؤْذن بخراب العمران"، كتب يقول: (لا تحسبنَّ الظلم إنما هو أخذُ المال أو الملك من يدِ مالكه من غير عِوَض ولا سبب، كما هو المشهور، بل الظلم أعمُّ من ذلك، وكل مَن أخذ ملك أحد أو غصبه في عمله، أو طالبه بغير حق، أو فرَض عليه حقًّا لم يفرضه الشرع - فقد ظلَمَه، فجُباة الأموال بغير حقها ظلَمةٌ، والمنتهِبون لها ظلمة، والمانعون لحقوق الناس ظلمة، ووبال ذلك كله عائدٌ على الدولـة بخـراب العمران)!
ثم أردف قائلًا: (ومِن أشد الظلامات وأعظمِها في إفساد العمران تكليفُ الأعمال وتسخير الرعايا بغير حق، وذلك أن الأعمال من قبيل المتحولات).
وقال: (وأعظم من ذلك في الظلم وإفساد العمران والدولة التسلُّطُ على أموال الناس بشراءِ ما بين أيديهم بأبخس الأثمان، ثم فرض البضائع عليهم بأرفعِ الأثمان على وجه الغصب والإكراه في البيع والشراء).
وكلنا يعرفُ المقولة التي قالها الهرمزان، مبعوثُ ملك فارس إلى عمر، رضي الله عنه وأرضاه، عندما وجد عمر نائمًا على التراب بدون حرس (ملكي أو جمهوري)، فقال: "عدلتَ فأمِنتَ فنمِتَ يا عمر"! يا له من أمن وأمان للحاكم وللمحكومين في تطبيق العدل على واقع الأرض بشرع الله!
رابعًا: تطبيق الشورى:
إن في قول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى: 38]، وتسمية السورة بسورة الشورى - ما يؤكد على منزلة الشورى في الإسلام، والتعبير القرآني ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ يجعل أمر المسلمين كله شورى، ويصبغ حياتهم كلَّها بهذه الصبغة.
إن كِيان الجماعة وحقوقها ومسؤوليتها مستمدَّةٌ من تضامن مجموع الأفراد الذين ينتمون إليها، وإن رأيها هو رأي مجموع أفرادها، وفكرها هو فكرهم، وعقلها هو مجموع عقولهم، وإرادتها الجماعية ليسَتْ إلا إرادة مجموع أفرادها - أو المكلَّفين منهم - وهذه الإرادة يعبر عنها قرارٌ يتَّخِذونه، بِناءً على تشاور وحوار يدورُ بينهم، ويتمتع فيه كلُّ مكلَّف منهم بحرية اختياره، وحرية التعبير عن رأيه، ومناقشة الآراء الأخرى.
إن مبدأ الشورى يعني أن كل قرار يُنسَب للجماعة يجب أن يكون تعبيرًا عن إرادة جمهور الجماعة، أو مجموع أفرادها، بشرط أن يتمتع الجميعُ بحرية كاملة في المعارضة والمناقشة.
إن الجماعة ليست كائنًا منفصلًا عن أفرادها، فكل فردٍ فيها هو جزء منها، وانتماؤه لها يعطيه حقًّا فطريًّا وشرعيًّا في أن تُعطى له الفرصةُ للمشاركة بحرية كاملة في التشاور مع باقي أفراد الجماعة، وتقديم رأيه، ومناقشة آراء الآخرين، ومعارضتها إذا رأى ذلك، على أن يلتزم في النهاية بقرار الجماعة الذي يعبِّر عنه جمهورُها (بالأغلبية).
هذا الالتزام يجعل الجماعةَ هي مصدر سلطات الحكم، فهي التي تمنح الولايات وتوزِّعها، وتضع نظامها، وتختار مَن يتولون السلطة فيها وتُحاسبهم، كما أن حريتها تعني حرية أفرادها؛ لذلك فإن القرارات التي تصدر عنها يجب أن يشارك فيها الأفراد المكلَّفون على قدم المساواة في التشاور الحر، فلا يعتبر القرار صادرًا من الجماعة بصورة صحيحة إذا حُرِم أفرادها أو طائفة من المكلَّفين الراشدين منهم مِن الحق في الشورى، ومِن باب أولى إذا حُرِمت الأغلبيةُ نفسُها أو الجمهور أو الجماعة كلُّها من هذا الحق.
إن ممارسة الفرد لحقِّه في التشاور والشورى الحرة تعني اشتراكه في القرارات المتعلقة بنظم الجماعة كلِّها، سواء أكانت نظمًا متعلِّقة بشؤونها الاجتماعية أم السياسية التنظيمية أم المالية؛ ولذلك فإن حقَّ الفرد في المشورة والشورى الحرة يتَّسِع ليكون شاملًا لجميع شؤون الجماعة ومؤسساتِها ونظمها وأموالها، وليس خاصًّا بالشؤون السياسية أو شؤون الحكم كما يظن بعضهم.
إن حق الفرد في المشورة والشورى الحرة هو حقُّه في حريته وحقوقِه الإنسانية التي يستمدُّها من فطرته الآدمية وشريعة الله؛ لأنها شريعة الفطرة منذ أن كرَّم الله آدمَ وذريته بالعقل وحرية الاختيار.
والشورى بالمعنى العامِّ في شريعتنا مبدأٌ قرآني، وأصل عامٌّ شامل لجميع شؤون المجتمع، وتتفرَّع عنه قواعدُ وضوابط وأحكام متنوعة، تُقيم لنا نُظُمًا اجتماعية وسياسية واقتصادية متكاملة، ترسم للمجتمع منهاجَ التضامن والتكامل والمشاركة في الفكر والرأي والمال، إنها ليسَتْ مجرَّد مبدأ دستوري، بل هي منهاج شامل، وشريعة متكاملة.
إن شريعتَنا شريعة الشورى شريعةُ الفطرة وشريعة السماء، إنها شريعةٌ إلهية من حيث مصادرُها السماوية، كما أنها تعتمدُ على مصادر اجتهادية؛ هي الإجماع والاجتهاد، وكلاهما يفتح الباب للعقل والفكر في استنباط أحكامها، ويمهد للأحكام سبيل النمو والتنوع والتطور، في نطاق الفقه والعلم، اللذينِ يواجهانِ تغيرات ظروف الزمان والمكان، وهذان المصدران - الإجماع والاجتهاد - يتجدَّدانِ من خلال قناة الشورى والتشاور العلمي والفكري.
إن وصفَ شريعتِنا بأنها شريعةُ الفطرة يعني أنها شريعة الشورى التي لا تقتصر على حقِّ الفرد في المشاركة في القرار الملزم الصادر عن الجماعة، ولكن يوجد قبلَها في الإسلام مبدأُ المشورة الاختيارية بينهم، أو التشاور واستشارة أهل الخبرة، وتبادل المشورة والنصيحة والثقة؛ لأن ديننا يندبُ الجميع إلى الاستشارة والتشاور والتناصح قبل إصدار أيِّ قرار من الفرد أو الجماعة، كما يندب صاحبَ الرأي لتقديم المشورة أو النصيحة، ولو لم تُطلب منه؛ قيامًا بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالمشورة والاستشارة كلاهما حقٌّ للفرد وللجماعة أو ممثليها كذلك، بل هما واجب ديني مندوب له الجميع؛ لتدريب الأفراد والجماعات على تبادل الرأي والاستماع إلى الآراء المختلفة ومناقشتها والاختيار بينها، بحرية كاملة واحترام متبادل، هما أساس التضامن الإنساني.
إن شريعتَنا بتقريرها مبدأَ الشورى إنما تخاطب الأمةَ والجماعة كما تخاطب الأفراد، وإذا كان تمتُّع الفرد بالعقل وحرية الاختيار هو أساسَ رشده، وأساس مخاطبته بأحكام الشريعة وتكليفه بالالتزام بها، فإن الجماعة تكون جديرةً بهذا الرشد والتكليف لكونها "مجموعة أفراد عقلاء راشدين"، يتمتعون بحرية الفكر والاختيار، ويكون حقها في حرية التصرف في شؤونها نتيجةً حتمية لِمَا يتمتع به أفرادُها من حق الاختيار وحرية التصرف في شؤونهم.
إن حق الجماعة في الاختيار، وتحمُّل المسؤولية عن قرارتها في شؤونها العامة، وحريَّتها في ذلك - مرتبطٌ بحق الفرد في حريته الذي هو أساس التضامن الاجتماعي، وينبع منه مبدأُ الشورى الجماعية الملزِمة، كما أنه أساس تبادل المشورة والاستشارة الاختيارية والنصح فيما بينهم.
وبتطبيق الحاكم هذه الجوانب الأربعة في الأمة، يسُود الحبُّ بين الحاكم والأمة، الحب النابع من حب الله، فالذين آمَنوا أشد حبًّا لله، فالحب كله لله، ثم ينبع منه كلُّ حب، ومنه حب الحاكم المسلم لأمَّتِه المسلمة.
علِّموا أنفسكم وأولادكم هذا الحب ورسِّخوه في القلوب واعمَلوا به؛ فإن الله لا يُغيِّر ما بقوم حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم.

اكتب تعليق

أحدث أقدم