رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن فن الكتابة (الخط العربي)

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن فن الكتابة (الخط العربي)


 

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن فن الكتابة (الخط العربي)
بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فرديرك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
كانت "الكلمة" وما زالت ميداناً فسيحاً للفن، سواء أكان ذلك في حقل الكلمة "الموزونة" شعراً، أم في حقل الكلمة الطليقة نثراً.
وقد كان للعرب القدم الثابتة في هذا الفن، بل يكاد يكون هو فنهم الوحيد، الذي برعوا به براعة عظيمة، حتى أصبح صناع الكلمة - الشعراء والخطباء - هم ذوو المكانة في القبيلة وأصحاب الشأن.
إنها العناية بجمال الكلمة المسموعة، التي أنتجت "فن البلاغة". فكان مؤشراً أولياً إلى مكامن الجمال في تلك اللوحات البيانية الخالدة.
على أن الاهتمام بفن الكلمة المسموعة لم يكن قاصراً على العرب وحدهم، فقد شاركتهم في ذلك الأمم الأخرى، ولكن الذروة التي تربعوا فوقها لم يبلغها أحد.
ونزل الوحي بالقرآن الكريم، كلام الله تعالى.
وأنصتت "البلاغة" تستمع "الإعجاز".
وتبوأت الكلمة - بهذا الوحي - مكانتها، قمة مرتبطة بالسماء، تعلو ولا يعلى عليها، وأضفت عليها هوية المصدر سربال القداسة، فشرفت بنسبتها إلى الذات الإلهية.. وخفضت لها الكلمة البشرية جناح الذل، معلنة عبوديتها وعجزها، في صمت خاشع وخضوع متبتل.
ولأول مرة في تاريخ العرب والعربية يدوّن كتاب.


فقد اتخذ الرسول صلى الله عليه وسلم كتاباً يدونون ما ينزل من الآيات، فور نزولها..
وجُمع هذا الكتاب الكريم إثر وفاته صلى الله عليه وسلم، في عهد أبي بكر رضي الله عنه.
وتم نسخه عدداً من النسخ في عهد عثمان رضي الله عنه...
وأتاح نزول القرآن بالعربية لهذه اللغة أنواعاً من العناية لم تحلم بها لغة أخرى.. فكان من ذلك جمع اللغة وتدوينها، وضبط مفرداتها وتحديد معاني ألفاظها.. ثم كان ضبط إعرابها، الأمر الذي أدى بعد ذلك إلى وجود الإعجام والشكل..
كل ذلك كان بدافع العناية بكتاب الله تعالى، والحفاظ عليه، وإيجاد الوسائل التي تجعله سهل المتناول.. قراءة وفهماً.. وكان ذلك ابتغاء رضوان الله تعالى ورجاء ثوابه.


وكانت العناية بكتابته، واحدة من تلك الوسائل التي تسهل وصوله إلى أيدي الناس، كما كانت العناية بهذه الكتابة، وتوضيحها وبيان حروفها وإظهارها.. وسيلة من وسائل القراءة الصحيحة.. إنه العمل في سبيل إبلاغ هذه الدعوة للناس عن طريق العناية بكتابها.
ومن هذا المنطلق أصبح تحسين الخط بغية العناية بالقرآن الكريم عملاً يتقرب به إلى الله تعالى. أليس هو بعض وسائل الدعوة إليه..
ومن كتابة القرآن الكريم تبدأ قصة الكلمة "المرئية" وتبدأ معها قصة فن "الخط العربي".
إنه الفن الذي كان واحداً من عطاءات هذا الكتاب المقدس. فكان فناً مقدساً، لأن مادته الأصيلة - كانت وما زالت - الكلمة التي نزل بها الوحي.
ولهذا كان فن الخط العربي فناً إسلامياً خالصاً، فهو من صنع هذا الدين وله ارتباطه الوثيق بكتابه الكريم. ولم يسبق للكلمة أن كانت فناً مرئياً في أمة من الأمم قبل نزول القرآن الكريم[1].
لا شك بأن لكل أمة من الأمم لغتها، ولها كتابتها، ولكن هذه الكتابات ظلت في وظيفتها التعبيرية، باعتبارها رموزاً منطقية لمعان يراد التعبير عنها. ولكن لم يحدث أن ارتقت هذه الرموز لتصبح فناً جمالياً، كما حدث للكلمة العربية بعد أن أضفى عليها الكريم رداء قداسته.
•••
وبالتدريج وخلال مدة وجيزة، استطاع الفنان المسلم أن يجعل للكلمة وظيفة أخرى مرئية إضافة إلى وظيفتها المسموعة، وما إن ولجت الكلمة هذا الميدان الجمالي حتى بدأ التطور يسير بها في خطوات حثيثة، واكبت خطوات فن الزخرفة، بل تقدمتها.. وكان بين الفنين تعاون وثيق.
إن آيات القرآن الكريم قد ملأت على المسلمين حياتهم، فهي منهج حياتهم وبها قوام صلاتهم، وتلاوتها تقرب إلى خالقهم، وترتيلها نوع من العبادة، ومن لم يكن القرآن لحن حياته فليراجع صلته بالإسلام.
من هذا الواقع المشدود إلى القرآن، برزت قضية إمتاع العين بهذه القداسة مشاركة لها مع الأذن في متعتها بسماع تلك الآيات الكريمة. فزينت جدران المساجد بالآيات.. ومنها انتقلت إلى مجالس الناس.. وعم هذا النوع من الزينة، الأمر الذي تطلب زيادة عدد الخطاطين لتلبية الحاجة الملحة، وأصبحت سوق الخط رائجة.. وظهرت المنافسة، فتعددت الخطوط وكثرت أنواعها.
أنواع الخطوط:
"قد أجمعت المصادر العربية، كالعقد الفريد، وخلاصة الأثر لمحمد أمين، والبداية والنهاية، والكامل لابن الأثير، والفهرست لابن النديم، وصبح الأعشى للقلقشندي وغيرها:
بأن الخط لم ينل عند أمة من الأمم ذوات الحضارة، ما ناله عند المسلمين من العناية به، والتفنن فيه، فاتخذوه بادئ الأمر وسيلة للمعرفة، ثم ألبس لباساً قدسياً من الدين.."[2].
ولا أدل على هذه العناية من تعدد الخطوط وتنوعها. فمن ذلك:
• الخط الكوفي[3].
• الخط النسخي.
• خط الثلث.
• الخط الأندلسي - المغربي.
• خط الرقعة.
• الخط الديواني.
• خط التعليق (الفارسي).
• خط الإجازة...
وقد تفرع عن هذه الخطوط فروع أخرى، جعلت هذا الفن ثرياً قادراً على العطاء، يحمل إمكانية التكيف، ليؤدي دوره في كل الأحوال والمناسبات. فقد تفرع عن الكوفي مثلاً:
"الكوفي المورق.
والكوفي المزهر.
والكوفي المخصر.
والكوفي المعشق أو المظفر والموشح.."[4].
وتفرع عن الخط الديواني: جلي الديواني..
وتفرع عن خط الثلث: جلي الثلث. وهكذا..
وقد عمد الفنان المسلم - بعض الأحيان - إلى إدخال أكثر من خط في اللوحة الواحدة مما أضفى على عطائه بهاء وروعة.. ودفع هذا الفن إلى التقدم والإبداع، وكانت المنافسة فيه منافسة استكمال وتحسين بدافع الوصول إلى غاية الجمال، ولم تكن ردود فعل كما حدث في المدارس الفنية الغربية.
وليس من مهمتنا هنا أن نتحدث تفصيلاً عن الخطوط وخصائصها، فذلك موضوع له كتبه الخاصة به، وهو فن يتحدث عنه المتخصصون به.. ولكنها إشارة عابرة تلفت النظر إلى سعة هذا الفن...
الكتابة الزخرفية:
لم يقف الفنان المسلم في فن الخط عند حدود الحرف وتحسينه وتجميله وإبداعه، بل قطع شوطاً آخر، إذ جعل الحرف نفسه مادة زخرفية، فتحولت لوحات الخط إلى لوحات جمالية زخرفية.. فإذا أمعنت النظر فيها، استطعت أن تلمح الأحرف وهي تطل عليك من وراء حجاب، وقد زادها ذلك البرقع بهاء وحسناً، فإذا التعبير الجميل يقدم لفكرك المتعة، من خلف المشهد الفتان الذي متعت ناظريك به.
وإنك لتعجب من قدرة الفنان على التحكم في اللوحة، إذ استطاع أن يحمل الحرف مهمتين في آن واحد، المهمة التعبيرية والمهمة الزخرفية، ثم جعل من المهمة الثانية جلباباً للمهمة الأولى، الأمر الذي يغريك بالتأمل والنظر.. وهكذا يأخذ بيدك إلى مواطن الجمال برفق وأناة.
ولم يكن هذا الاتجاه قاصراً على نوع واحد من الزخرفة، بل شمل الزخرفة النباتية والزخرفة الهندسية على حد سواء.
وبين الكتابة والزخرفة، كانت تحار بعض اللوحات في أمرها، إذ يتنازعها عنصران متماثلان.. فتارة تكون الزخرفة في الحرف زينة ويظل الحرف واضح المعالم، وتارة يغيب الحرف تماماً ليبصح زينة محضة يحتاج إلى بذل جهد لاكتشافه.

________________________________________


[1] على الرغم من وضوح هذه الحقيقة، فإنه يحلو لبعض الكتاب أن يغمطوها حقها فنلاحظ أمثال هذه العبارات:
"عرفت الزخارف الخطية في بعض الحضارات السابقة للإسلام، ولكن هذه الزخارف أخذت أهمية خاصة في ظل الإسلام.." [أبو صالح الألفي: الفن الإسلامي ص 117].
"فأما الكتابة فلم يكن المسلمون أول من زخرف بها على المباني والتحف الفنية..". [أنور الرفاعي: تاريخ الفن عند العرب والمسلمين ط 2 ص 136].
على أن هؤلاء لا يوضحون متى، وأين، حدث ذلك؟ علماً بأن غالبية الدارسين للفن الإسلامي من الغربيين أنفسهم يؤكدون حقيقة كون الخط العربي عطاء إسلامياً خالصاً. ولنستمع إلى رأي الدكتور إسماعيل فاروقي - رحمه الله - بهذا الصدد:
"لا نجد بين من ينتمون إلى تلك الثقافات جميعاً- أي: شعوب ما بين النهرين والعبرانيون والهندوكيون ومثلهم الإغريق والرومان.. بما في ذلك العرب أنفسهم - من حاول اكتشاف القيمة الجمالية للكلمة المرئية، فالكتابة كانت - ولا تزال في الغالب - عملية فجة، ولا يتركز حولها أي اهتمام جمالي في ثقافات العالم، ففي الهند وفي بيزنطة وفي الغرب المسيحي ظلت الكتابة محصورة في وظيفتها التعبيرية. أي في كونها رموزاً منطقية، وكان دورها تكميلياً فقط في الفنون المرئية (التشخيصية) في المسيحية أو الهندوكية؛ بمعنى أنها تستخدم كرمزية منطقية تعبر عن مضمون العمل الفني..
لكن ظهور الإسلام.. قد فتح آفاقاً جديدة أمام الكلمة كوسيلة للتعبير الفني. حقاً إن العبقرية الإسلامية هنا لا تضارع.
إن هذا الخط قد أصبح لوناً من ألوان الأرابيسك، يمكننا إذاً أن نتصوره عملاً فنياً مستقلاً، إسلامياً خالصاً، بغض النظر عن مضمونه الفكري..".

[مجلة المسلم. عدد 25 عام 1401].
ويؤكد ذلك الدكتور مصطفى عبد الرحيم، الأستاذ بكلية الفنون التطبيقية بالقاهرة فيقول:
"إن الخط العربي هو الفن الوحيد الذي نشأ عربياً خالصاً صافياً، نقياً، ولم يتأثر بمؤثرات أخرى.. ويقول المستشرقون: إذا أردت أن تدرس الفن الإسلامي، فعليك أن تتجه مباشرة إلى فن الخط العربي.." [ملحق "الأنباء" الكويتية عدد 517 تاريخ 16/7/1986].
[2] مصور الخط العربي. تأليف ناجي زين الدين. مكتبة النهضة بغداد ص 315.
[3] هو الخط الذي حمله الفاتحون المسلمون لنشر دينهم وشرائعهم.. وكل النسخ الخطية من المصاحف السابقة للقرن الرابع الهجري مكتوبة بهذا الخط. الذي جوّده علماء الكوفة، الذين اقتبسوه من أحد الخطوط القديمة لجزيرة العرب. [المصدر السابق ص 339].
[4] المصدر السابق ص 340.

اكتب تعليق

أحدث أقدم