رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن إستقبال ليلة القدر
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فرديرك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
مِن فضلِ اللهِ تعالي على أمةِ مُحمدٍ أنْ جعلَ لهم مواسمَ للطاعاتِ تتضاعفُ فيها الحسناتُ، وتُرفعُ فيها الدرجاتُ، ويُغفرُ فيها كثيرٌ مِن المعاصِي والسيئاتِ، ومِن هذه النفحاتِ العشرُ الأواخرُ مِن رمضانَ بما فيها ليلةُ القدرِ، ولو نظرنَا إلى أعمارِ الأممِ السابقةِ لوجدنَا أنَّ أعمارَهُم كانت مديدةً طويلةً، لذلك خصَّ اللهُ هذه الأمةَ بنفحاتٍ تتمثلُ في أوقاتٍ قليلةٍ تشملُ فضائلَ ورحماتٍ غزيرةً حتى تلحقُ هذه الأمةُ غيرَهَا مِن الأممِ في الأجرِ والفضلِ والثوابِ، فمنحَ اللهُ هذه الأمةَ كثرةَ الأجرِ مع قلةِ العملِ وقصرِ الوقتِ، فقد أخرجَ الإمامُ البخارِيُّ – رحمه اللهُ – عَنْ ابْنِ عُمَرَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:” مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ؛ فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ. ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى. ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ؟ فَأَنْتُمْ هُمْ. فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالُوا: مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلًا وَأَقَلَّ عَطَاءً؟!! قَالَ: هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟! قَالُوا: لَا ؛ قَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ “. فمضاعفةُ الأجرِ مع قلةِ العملِ وقصرِ الوقتِ، خصوصيةٌ لأمةِ مُحمدٍ ﷺ.
ومِن بين هذه النفحاتِ والمنحِ والخصوصياتِ لهذه الأمةِ – أيضًا – ليلةُ القدرِ، قالَ ابنُ كثيرٍ في تفسيرهِ عن مجاهدٍ: ” أنَّ النبيَّ ﷺ ذكرَ رجلًا مِن بنيِ إسرائيلَ لَبسَ السلاحَ في سبيلِ اللهِ ألفَ شهرٍ، قال: فَعَجبَ المسلمونَ مِن ذلك، قال: فأنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: { إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ؛ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ؛ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } ( القدر : 1-3) التي لبسَ ذلك الرجلُ السلاحَ في سبيلِ اللهِ ألفَ شهرٍ “. أ . ه
فليلةٌ واحدةٌ خيرٌ مِن عبادةِ 83 سنةً مِن الأممِ الماضيةِ، فما بالُكَ لو صادفتكَ ليلةُ القدرِ عشرينَ سنةً مثلًا.
وعَنْ الِإمَامِ مَالِك أَنَّهُ سَمِعَ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ:” إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أُرِيَ أَعْمَارَ النَّاسِ قَبْلَهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ؛ فَكَأَنَّهُ تَقَاصَرَ أَعْمَارَ أُمَّتِهِ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مِنْ الْعَمَلِ مِثْلَ الَّذِي بَلَغَ غَيْرُهُمْ فِي طُولِ الْعُمْرِ؛ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ” ( موطأ مالك) .
فعليكُم أنْ تٌكثرُوا في هذه الليلةِ مِن العبادةِ والعملِ الصالحِ، مِن الصيامِ والقيامِ وقراءةِ القرآنِ، فهي خيرٌ مِن العملِ في ألفِ شهرٍ ليس فيها ليلةُ القدرِ، قالَ تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}(القدر: 3).
قالَ الإمامُ الطبريُّ رحمه اللهُ في تفسيرهِ: “عملٌ في ليلةِ القدرِ خيرٌ مِن عملِ ألفِ شهرٍ ليس فيهَا ليلةُ القدرِ” .
فالساعةُ الواحدةُ فيها تساويِ ثمانِ سنواتٍ مِن عمرِ الزمانِ، والدقيقةُ تساوِي خمسينَ يومًا.
كذلك نكثرُ مِن الدعاءِ في هذه الليلةِ، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولِي: ” اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي”. (الترمذي وحسنه) .
إنَّ مِن أعظمِ نفحاتِ أُمةِ مُحمدٍ ﷺ على الإطلاقِ ( ليلةُ القدرِ )، وهذه هبةٌ ربانيةٌ لا تكونُ إلّا للأمةِ المحمديةِ، أمةِ العملِ القليلِ والأجرِ الكبيرِ والفضلِ العظيمِ، لتحمدَ اللهَ أنْ جعلَكَ مِن أمةِ الحبيبِ مُحمدٍ ﷺ:
ومِمّــــــا زادنِي فخـــــــــرًا وتيهـــــــًا وكـــــدتُ بأخمــــــــــصِي أطــــأُ الثــــــــــريـَّا
دخولِي تحتَ قولِكَ يا عبادِي وأنْ صــــــــــــــــــــــــــــــــــــيَّرتَ أحمدَ لِي نبيّـــــــًا
ليلةُ القدرِ دعوةٌ لإصلاحِ ذاتِ البينِ.
إنَّ ليلةَ القدرِ دعوةٌ لكلِّ المتخاصمينَ والمتشاحنينَ والمتحاسدينَ والمتباغضينَ أنْ يُصطلحُوا حتى تتنزلَ المغفرةُ والبركاتُ والرحماتُ؛ لأنَّ البغضاءَ والشحناءَ سببٌ في رفعِ الرحماتِ. فعن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ :” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ ” . (صحيح البخاري ) .
قلتُ: رُفعَتْ أعظمُ ليلةٍ بسببِ شجارٍ وخصامٍ بينَ رجلينِ !!! فما بالكُم بواقعِ الأمةِ الآنَ؟!!!
إنَّ الشحناءَ والبغضاءَ والخصوماتِ تحلقُ الدينَ والحسناتِ حلقًا ؛ فعن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال : قال رسولُ اللهِ ﷺ : ” أَلا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاةِ وَالصَّدَقَةِ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : صَلاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ . لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ “. (رواه أبو داود والترمذي بإسناد صحيح) .
ألَا فلنسارعْ إلى المصافحةِ والمصالحةِ والعفوِ والسماحةِ ونغتنمْ قيامَ هذه الليلةِ؛ حتى نفوزَ بمغفرةِ اللهِ ورضوانهِ، وليكنْ لكم القدوةُ في حبيبِكُم ﷺ في عفوهِ وصفحهِ وتسامحهِ مِن أجلِ اللهِ ومِن أجلِ تبليغِ رسالتهِ، وإقامةِ مجتمعهِ على متانةِ الروابطِ الاجتماعيةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:” اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ؛ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ؛ فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ؛ شَتَمْتُهُ؛ لَعَنْتُهُ؛ جَلَدْتُهُ؛ فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلَاةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” (مسلم). وهذا عبدُاللهِ بنُ مسعودٍ جاءَهُ رجلٌ فقالَ: “إنَّ لي جارًا يُؤذينِي ويشتمنِي ويضيّقُ عليَّ، فقالَ ابنُ مسعودٍ: اذهبْ فإنْ هو عصَى اللهَ فيكَ فأطعْ اللهَ فيهِ”. (إحياء علوم الدين) .
فأين نحن مِن هذه المعاني على أرضِ الواقعِ؟!! وأين نحن مِن التوادِّ والتراحمِ والتضامنِ والتعاطفِ ؟!!
لذلك أخبرَنَا النبيُّ ﷺ في أحاديثَ كثيرةٍ أنَّ الشحناءَ والبغضاءَ والخصامَ سببٌ لمنعِ المغفرةِ والرحماتِ والبركاتٍ ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:” تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا”. (مسلم) .
فبادرْ أنت بالخيرِ إذا أعرضَ عنكَ أخوكَ، وكنْ أنت الأخيرَ والأفضلَ عندَ اللهِ تعالَى، فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:” لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ”(متفق عليه) .
إنَّ كثيرًا مِن الناسِ بينهم خصامٌ وشقاقٌ، ويأتِي أحدُهُم ليفوزَ برضَا اللهِ فيبدأَ بالسلامِ ليكونَ خيرَهُمَا عندَ اللهِ، وهذا أمرٌ يُحمدُ عليهِ، ولكنّ الآخرَ لا يردُّ عليهِ السلام، ويتكررُ هذا الأمرُ والآخرُ لا يردُّ، فيملَّ الأولُ ويتركَ السلامَ بحجةِ أنَّ الآخرَ لا يردُّ .
أقولُ: يجبُ عليك أنْ تلقِي السلامَ على الجميعِ حتى المتخاصمِ معكَ؛ لأنَّ هذه تحيةُ الإسلامِ، وإنْ لم يردْ عليكَ فقد وكَّلَ اللهُ ملكًا يردُّ عنكَ. ويردُّ على الآخرِ الشيطانُ.
فعن هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ” لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ مُسْلِمًا فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ؛ فَإِنْ كَانَ تَصَارَمَا فَوْقَ ثَلَاثٍ فَإِنَّهُمَا نَاكِبَانِ عَنْ الْحَقِّ مَا دَامَا عَلَى صُرَامِهِمَا؛ وَأَوَّلُهُمَا فَيْئًا فَسَبْقُهُ بِالْفَيْءِ كَفَّارَتُهُ ؛ فَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ سَلَامَهُ رَدَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ ؛ وَرَدَّ عَلَى الْآخَرِ الشَّيْطَانُ؛ فَإِنْ مَاتَا عَلَى صُرَامِهِمَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي الْجَنَّةِ أَبَدًا ” . ( أحمد والبيهقي وابن حبان وصححه ).
فما أفضلَ مِن أنْ يتقربَ المسلمُ لربِّه في هذا الشهرِ بصلةِ رحمهِ، ابتغاءً لمرضاتهِ وعظيمِ ثوابهِ، وإزالةً لِمَا قد يقعُ في النفوسِ مِن شحناء، فالمبادرةُ بالزيارةِ والصلةِ وإن كانتْ شاقةً على النفسِ ولكنَّها عظيمةُ القدرِ عندَ اللهِ.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة
ثالثًا: صدقةُ الفطرِ أسرارٌ وأحكامٌ.
شرعَ الإسلامُ صدقةَ الفطرِ لمصلحةِ الغنيّ والفقيرِ على السواءِ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:” فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ.” ( أبو داود وابن ماجة ).
فهي طهارةٌ للصائمِ مما اجترحَهُ في صيامهِ مِن لغوٍ ورفثٍ وإثمٍ، وطعمةٌ للمساكين بإدخالِ الفرحِ والسرورِ عليهم، وتكريمٌ للفقيرِ وإعلاءٌ مِن شأنهِ أنَّهُ أوجبَ عليه زكاةَ الفطرِ كالغنيِّ تمامًا؛ لأنَّها تجبُ على مَن عندَهُ قوتٌ يكفيهِ يومَ وليلةَ العيدِ، وهو بلا شك تجتمعُ عندَهُ زكواتُ الحيِّ كلِّهِ، فأصبحتْ واجبةً عليهِ كالغنيِّ تمامًا، فيخرجهَا لأخيهِ الفقيرِ، فإذا كان الفقيرُ يمدُّ يدَهُ طوالَ العامِ آخذًا، فقد رفعَ الإسلامُ شأنَهُ أنْ يمدَّ يدَهُ في هذا اليومِ معطيًا لا آخذًا، لتكتملَ فرحةُ وسعادةُ وبهجةُ العيدِ في قلبهِ وقلبِ أولادهِ.
وزكاةُ الفطرِ تجبُ على المسلمِ المالكِ لمقدارِ صاعٍ يزيدُ عن قوتهِ وقوتِ عيالهِ يومًا وليلةً، فهي واجبةٌ على كلِّ فردٍ مِن المسلمين، علي الصغيرِ والكبيرِ، الذكرِ والأنثى، الحرِّ والعبدِ، صامَ أم لم يصمْ لعذرٍ أو مرضٍ، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:” فرَض رسولُ اللهِ ﷺ زكاةَ الفِطرِ، صاعًا من تمرٍ أو صاعًا من شعيرٍ، على العبدِ والحرِّ، والذكرِ والأنثى، والصغيرِ والكبيرِ، من المسلمينَ”. (البخاري).
وتجبُ عليه، عن نفسهِ، وعمَّن تلزمهُ نفقتهُ، كزوجتهِ، وأبنائهِ، وخدمهِ الذين يتولّى أمورَهُم، ويقومُ بالإنفاقِ عليهم.
ومقدارُ زكاةِ الفطرِ صاعٌ مِن القمحِ، أو الشعيرِ، أو التمرِ، أو الزبيبِ، أو الأقطِ، أو الأرزِ، أو الذرةِ أو العدسِ أو اللوبيَا أو الفاصوليَا أو نحو ذلك مِّما يعتبرُ قوتًا، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:” كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ ” (متفق عليه).
وقد حددتْ دارُ الإفتاءِ المصرية قيمةَ زكاةِ الفطرِ هذا العام بـ 30 جنيهًا كحدِ أدنَى، ومَن زادَ فهو خيرٌ، وإذا كان اللهُ قد وسّعَ عليكَ فعليكَ أنْ تخرجَ مِن أجودِ الأشياءِ وأنفسِهَا، ولا تنظرْ إلى الدونِ، « فإنَّ اللهَ عزّ وجلَّ يحبُّ معالِي الأمور، ويكرَهُ سفسافَهَا » ( الحاكم والطبراني).
ولماذا ترضَى بالحدِّ الأدنَى في زكاةِ الفطرِ مع سعتِكَ وغناك، ومع ذلك تطلبُ الفردوسَ الأعلَى مِن الجنةِ ؟!!
فعلينَا أنْ نجتهدَ ونختمَ هذه العشرَ بالأعمالِ الصالحةِ؛ فالأعمالُ بالخواتيمِ، يقولُ الإمامُ ابنُ حجرٍ بعد ذكرهِ لحديثِ اجتهادِ الرسولِ ﷺ في العشرِ:” وفي الحديثِ الحرصُ على مداومةِ القيامِ في العشرِ الأخيرِ وإشارةٌ إلى الحثِّ على تجويدِ الخاتمةِ، ختمَ اللهُ لنَا بخيرٍ آمينَ .” ( فتح الباري) .
إنَّ شهرَ رمضانَ قد عزمَ على الرحيلِ، ولم يبقَ منهُ إلّا القليل، فمَن منكُم أحسنَ فيهِ فعليهِ التمام، ومَن كان فرّطَ فليختمْهُ بالحسنَى، فالعملُ بالختامِ، فاستمتعُوا منهُ فيمَا بقى مِن الليالِي اليسيرةِ والأيامِ، واستودعُوه عملًا صالحًا يشهدُ لكُم بهِ عندَ الملكِ العلّامِ، وودِّعُوه عندَ فراقهِ بأزكىَ تحيةٍ وسلامِ.
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا ليلةَ القدرِ، وأنْ يختمَ بالباقياتِ الصالحاتِ أعمالَنَا.
اللهم كما حسنتَ خلقنَا فحسنْ أخلاقنَا، وآتِ نفوسَنَا تقوهَا، وزكِّهَا فأنتَ خيرُ مَن زكَّاها.
إرسال تعليق