المقاهي بقلم ا.د إبراهيم محمد مرجونة استاذ التاريخ والحضارة الإسلامية

المقاهي بقلم ا.د إبراهيم محمد مرجونة استاذ التاريخ والحضارة الإسلامية

 




المقاهي ورحلة البحث عن الذات التي هي طاولة حوار ومرآة عاكسه لصورة المجتمع باختلاف طوائفه وافكاره 

المقهى، هذا المكان الذي دخل في عادات البشر وتقاليدهم؛ حتى إنَّه أصبح عند الكثير منهم واجبًا يوميًّا لا غِنَى عنه. من هذا المنطَلَق؛ اكتسَتْ هذه المسألةُ أهميَّتها؛ من حيث تأثيرها وانعكاسها على حياة الإنسان؛ فكان واجب النظر إليها وتأملها.

 وكما يذكر عبد الجليل الشرقاوي في مدونات قهوة مصر ؛ أن المقاهي فضاءٌ للترويح عن النفس والذات، كما أنها فِرارٌ وهروبٌ من ضغوط العمل والبيت أيضا، فالبعض يتصوّر المقهى أنه مكانٌ مناسب للتخلص من أعباء ومشقة العمل التي ترهق  الإنسان فيرتاد المقهى لينعم بالراحة المنشودة التي طالما لجأ إليها في المقهى كأحد الأماكن التي تزيح عن كاهله أثقال الحياة.

غالبية مرتادي المقاهي يلجؤون إليها وكل له مآرب خاصة به لكي يقضيها من خلال جلوسه ومكوثه بها، فهناك من يقصدها بغية احتساء القهوة أو الشاي أو بهدف التدخين وقراءة الجرائد والصحف أو معاً، وثمّة نوع آخر يتجه إلى المقهى من أجل أن يتحصّل على عمل، لاسيما من فئة الحرفيين الذي يمتهنون المهن والحِرف حيث توفر لهم المقاهي التقائهم بمن يحتجون إليهم للقيام ببعض الأعمال. وأحيانا تجد من الرواد السماسرة وبجعبتهم كل أشكال البيع والشراء الرسمية وغير الرسمية.

وهناك من يقصدها لعقد الاتفاقيات وقطع العهود بل احيانًا يكون من بين روادها أصحاب التآمر والخداع والغش والتخطيط فى الأذى لبعض خلق الله ، فهي المكان المناسب لهذه الأجواء مع صوت التلفاز المرتفع ويصاحب ذلك صخب لقطع الدومينو وهى توضع بقوة على القطعة المخصصة لإجراء المباراة ونرد الطاولة في حالة عبثية من الشجار والنزاع بين أطراف اللعبة متشككين في نزاهة اللعب وأنه يخالف قواعد وقوانين اللعبة.

سوسيولوجيا تعتبر المقهى من بين الفضاءات الترفيهية التي تُرفّه على الناس، فهي مجمع جميع صنوف الناس حيث تجمع العامل والعاطل عن العمل والفقير والغني وكلّ له شأن يغنيه.

فالمقهى إذاً ليست مكانا لاحتساء المشروبات على شتى أنواعها فحسب وإنما فضاءٌ سوسيولوجي صرف يتقاسم فيه الرّواد كل ما يدور من أحداث ووقائع سياسية واقتصادية ودينية وغيرها من المواضيع التي تكون محطُ اهتمام الرأي العام بها، ناهيك عن موضوع الرياضة الذي يظل يستأثر الجالسين بالمقهى، خاصةً كرة القدم، اللعبة المفضلة عند الجميع والتي تجعل المقهى غاصّةً عن آخرها، لا سيما عندما تبث المقابلات عبر الشاشات. فهى قوة ناعمة تؤلف أو تفرق بين القلوب وتستطيع إحداث حراك حقيقي ولها من السحر ما يؤهلها إلى تغير القناعات واكساب المهارات.

وهناك مقاهىٍ ثقافية وفنية تجمع طبقة المثقفين والفنّنين الذين يعرضون إصداراتهم بهدف التعريف بها ومشاركتها مع الجمهور، وهذه المقاهي على ندرتها وقلّتها لكنها صارت في هذه الآونة الأخيرة تلقى اهتماماً من لدن الناس الذين تستهويهم القراءة والفن، بحيث أصبحت موضع انعقاد الورشات الثقافية والفنية في كل مناسبة وحين ما يجعل المقهى مكان متميز ومختلف عن باقي الأمكنة التي تصنّف أنها فضاء للتسلية والترفيه، وثمّة عديد من المقاهي التي ما زالت محافظة على صبغتها وطابعها الثقافي التي عُرفت به، لكن غالبيتها غيّرت من نسقها القديم وتحوّلت من مقاه ثقافية تساهم في نشر المعرفة والوعي إلى أخرى تقدّم مختلف أنواع وأشكال النّرجيلة(الشيشة) وغيرها من وسائل التدخين، وذلك بغرض ربحي واقتصادي أكثر.

هناك مقاهى شعبية يرتادها عامّة الناس والتي تكون لهم قِبلة لا يزيغون عنها بحيث تبقى فضاءً يقضي فيه بعض المرتادين سحابة يومهم وهم خائضين في لعب الورق والنّرد فيما بينهم وهذا النوع من المقاهي يتيح لزبائنه الكرام اللعب على المشاريب.  و تعتبر المقهى من بين الفضاءات الترفيهية التي تُرفّه على الناس، فهي مجمع جميع صنوف الناس حيث تجمع العامل والعاطل عن العمل والفقير والغني وكلّ له شأن يغنيه، فالعاطلين يقصدونها من أجل شر اتقاء الوقوف عند ناصية الشوارع والأزقة، بينما الأصناف الأخرى تتجه إليها بهدف كسر رتابة عملهم، في حين بعض الناس يظن أن التّردد على المقاهي مَضيعة وإهدارٌ للوقت، لكن مدمني المقاهي إذا ما غابوا عنها يوماً واحدا كأن شيئاً مّا ينقصهم.

كما أنّها بمثابة ملجأ يلجأ إليه المرتاد خاصّة عندما لا يعرف أين يذهب، فبعض المقاهي تترك بابها مفتوحاً على دفتيّه على مدار اليوم والساعة، ما يمنح للبعض قضاء ليلة بيضاء، لاسيما الطلبة إبّان الامتحانات حيث تكون وجهتهم إلى هكذا مقاهي التي تخّصص ركناً خاصا بالطلاّب من أجل المذاكرة والمراجعة، الشيء الذي يجعل المقهى فضاءً شمولياً له خدمات كثيرة يقدمها لمرتاديه.

مهما يكن من أمر فالمقاهي صارت ذائعة بشكل ملفت في ربوع الدول والأمصار حتى أًصبح هناك بين المقهى و المقهى توجد أخرى، كأن هذا الفضاء يتميز بقوة جذب غريبة، ولايمكن الإبتعاد عنه أو مقاطعته بسهولة، فهى تنشر ثقافة الود والتعارف بين مرتاديها وتحقق مآرب آخرى لبعض الأشخاص

وأخيرا: يجب على رواد المقاهي تحديد العلاقة الحقيقة بينهم وبين المقهى ولماذا هم اليها منجذبون ؟ لذلك عليك أن تذهب إلي المقهى بوجهك الحقيقي دون ارتداء أقنعة، واعرج على ركن المثقفين إما ان تبتاع منهم او تشم منهم رائحة طيبة ، ولاتكن براجماتيا في رحلتك على المقاهي ،وانت على المقهى تذكر مقولة الفيلسوف برتراند راسل:  ولكن من يرغب في أن يصبح فيلسوفاً يجب أن يتعلم الا يخاف من السخافات .

اكتب تعليق

أحدث أقدم