رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الكاتب الصحفى

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الكاتب الصحفى

 


رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الكاتب الصحفى

أنيس منصور
بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
في بيت بسيط بإحدى قرى مدينة شربين بمحافظة الدقهلية، ولد أنيس منصور حفظ القرآن الكريم، وعن أبيه تعلم ألا يقرأ إلا ما يمتعه، أعجب بحياة الغجر الذين كانوا يزورون قريته، ومضى حياته مبحرًا لبلاد الله ولقاء خلقه وقد استقطر الحكمة ووضعها في أكثر من 200 كتاب بين الأكثر تداولًا عالميًا.
وعت ذاكرته الآلاف من أبيات الشعر كما جاء بكتابه "عاشوا في حياتي"، وكان يردد: "لو سُئلت: ما الذي تتمنى أن تشربه دون أن تفيق؟ لقلت: عصير الكتب، خلاصة الفكر، مسحوق الفلسفة"!
كانت مصر تعيش أزهى عصورها الفكرية والإبداعية وقد عاصر "منصور" الشاب مدرس الفلسفة بالجامعة المصرية جيل الرواد وجمعته صداقة بمشاهير الفكر والفن والصحافة، ولكنه يعترف بأن لقاءاته المبكرة بالمفكر الكبير عباس العقاد نقطة تحول في حياته، وألف عن ذلك كتابًا شهيرًا "في صالون العقاد كانت لنا أيام" ذلك أن به "احتشدت كل العقول والأذواق والضمائر وكل الحديد والنار والقلق والعذاب والأبهة والكبرياء وكل المعارك بين المبادئ والقيم".
جمعته صداقة بطه حسين وتيم بأسلوبه الحيوي فيما وصفه عميد الأدب بأحد أبرز قراء وكتاب الوجودية بفضل مطالعاته الأجنبية، وقد نصحه بالالتفات للفلسفة وترك الصحافة، ولكن شاءت أقداره غير ذلك!
ونتجول بالسطور القادمة بين ملامح حياة المفكر الكبير الذي نحتفل غدًا بذكرى مولده عام 1924.
أيام مع صاحبة الجلالة
أكثر من حياة عاشها أنيس منصور بفضل نبوغه الصحفي؛ وقد كانت بداية أنيس منصور في عالم الصحافة في مؤسسة "أخبار اليوم"، ولما قامت ثورة يوليو كتب " أنا أديب كنت وسأظل أعمل في الصحافة".. وقد ترك المؤسسة في عام 1976 ليكون رئيسًا لمجلس إدارة دار المعارف، ومن ثم أصدر مجلة الكواكب.
ترأس الكاتب تحرير العديد من المجلات منها: الجيل، هي، آخر ساعة، أكتوبر، وعاد للتدريس بالجامعة مرة أخرى عام 1975، ثم أصبح يكتب في جريدة الأهرام المقال اليومي الأكثر قراءة: مواقف، ويكتب أيضًا في جريدة الشرق الأوسط، لكن الكاتب ظل صندوقه الأسود يحمل عشرات الكتب والمقالات التي اقتضت ضرورات مهنية وسياسية ألا ترى النور!
ومن المواقف التي لا ينساها "أنيس" بالصحافة مقاله عن "حمار الشيخ عبد السلام"، وقد انتقد فيه تأميم الصحافة المصرية في عهد عبد الناصر عبر استدعاء أمجاد الشيخ العز بن عبد السلام الذي باع المماليك في السوق كما يباع البهائم! وعلى إثر ذلك تم فصل أنيس من جريدته ووقفه عن الكتابة لولا جهود المخلصين لإثناء الرئيس عن قراره بعد مضي أكثر من عام، ثم يتكرر المنع مجددًا مع مقال فلسفي توهم الزعيم أنه يؤيد انفصال سوريا عن مصر.
ارتبط أنيس بعلاقة صداقة قوية مع مشاهير الإبداع والسياسة عالميًا وعربيًا، ومنهم توفيق الحكيم وإحسان عبدالقدوس وأم كلثوم وعبدالوهاب وألبرتو مورافيا ونجمات هوليوود.
وذات يوم كتب له مصطفى أمين بعد رئاسة تحرير مجلة "الجيل" بأن عليه أن يصبح بهلوانا لينجح في ريادة مجلة تنويرية في ظل حكم تسلطي!
صديق الحكام.. اللدود
"السلطة كالشمعة المتوهجة نعم تضئ لكن إذا اقتربت منها جدًا قد تحرقك" هكذا آمن أنيس منصور، رغم أنه كان المعروف بـ"كاتم أسرار" الرئيس السادات.
وقد عرف عددًا من الملوك والأمراء عن قرب، وتخصص بنقل أسرار الملك فاروق.
رغم انتقاده الحاد لعبد الناصر لكنه يعترف بوطنيته وإنجازاته وإن كان ديكتاتورا "خدعه دراويشه فصوروه كنبي لا يخطئ"!
وبحسب كتاب مجدي العفيفي "آخر 200 يوم مع أنيس منصور" فقد كان منصور يرى أن الثورة كالنار تأكل أبناءها إن لم تجد ما تأكله، وأن التاريخ عادة يصنعه الأقوياء ويصدقه الضعفاء أو هو أفضل جهاز لتكييف الهواء على مزاج البعض، وهذا ما جرى مع ثورة يوليو وما تبعها.
ربما لهذا السبب كان أنيس يميل للسادات ويرى به حكمة نادرة وقد عرض السادات عليه أن يصبح وزيرًا للثقافة فرفض قائلا: "عاوز أقرأ وأكتب يا ريس".
كره أن يربطه أحد بشخصية الزعيم، وهي الثنائية الشهيرة بين الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل والرئيس جمال عبدالناصر.
أما الرئيس محمد حسني مبارك فرأى منصور أنه الأسوأ بين سابقيه خاصة بالعشر سنوات الأخيرة من حكمه.
ورغم اعترافه بأن أمريكا تقوم بزراعة قنابل لتفتيت منطقتنا، لكنه يؤكد أن ثورة مصر ضد الفساد ألهمت العالم.
وظل بمقالاته يؤكد أن الجيش حمى مصر من السقوط، وأن ما ينقصنا ليس الثورة بقدر إشاعة الديمقراطية، وتقنين السلطة المطلقة.
فخ "كامب ديفيد"!
كانت وساطة أنيس منصور بين مصر وإسرائيل من أكثر أسباب عاصفة الهجوم التي تعرض لها من العرب بحياته وحتى بعد مماته، والمفاجأة اعتراف أنيس بحواره للكاتب مجدي العفيفي بأن إسرائيل لا عهد لها، وقد كان يتلمس مع الرئيس السادات الذي جمعته به صداقة، طريقًا لحقن دماء المصريين بدلا من حروب بلا أمل!
لقد تعرض منصور ذات يوم لمحاولة اغتيال لهذا السبب، والغريب أن منصور نفسه هو من رفع شعار "اعرف عدوك" بعد نكسة يونيو، وكان يرى أننا انهزمنا لأننا حاربنا عدوًا يعرفنا تمامًا ولا نعرفه، وقد جمعت مقالاته بكتب وترجمت للغات عدة، ومنها "وجع في قلب إسرائيل".
"عدو المرأة" يتزوج!
كتب أنيس يوما "آخر ما يموت في المرأة لسانها" وهكذا اشتهر بنقدها اللاذع، ولكنه يعترف بأنه يؤمن بدورها وقد أراد فقط أن يصنع لفستانها الضيق دبابيس تذكرها، وكان هو أيضًا من كتب "المرأة خرجت من أحد جنبي الرجل لكي تكون إلى جواره، ومن تحت ذراعيه لكي تكون في حمايته، وبالقرب من قلبه لكي يحبها".
تزوج "منصور" من السيدة رجاء وهي سليلة عائلة دبلوماسية عريقة شغلت مناصب بالحكومة المصرية.
ومن حسن الحظ أن كان شقيق زوجته من أقرب أصدقائه لقلبه، وهو اللواء عسكري محمد فريد حجاج، وقد خاطبه بكتاب "عزيزي فريد.." وبه اعترافات عن قصة حب عنيفة جمعته بفتاة إيطالية، كما أهدى مجلدين لمؤلف هذا الكتاب عن حياته مع أمه والتي بسببها رفض أن يكون له أبناء، لأنه لا يريد أن يتعذب كما تعذبت هي من أجله!
وقد اتفق مع زوجته على عدم الإنجاب، ولكن عوضته زوجته رجاء بابنتين من زوجها السابق عاملهما كأب حقيقي وشعر أن أبناءهما هم أحفاده.
طباع عجيبة
روت زوجته كيف كان أنيس يعتكف يوميا نحو 10 ساعات بمكتبه وزهده الكامل لمعظم أنواع الطعام منذ صباه، وصمته وعدم تفضيله للخلطة بالآخرين ولا المجاملات إلا بنطاق ضيق، أما هو فكان من طقوسه الاستيقاظ مبكرًا جدًا والكتابة بقلم حبر على ورق أبيض بلا سطور وبخط يكاد لا يفهمه سواه!
كتابات ثرية
أثرى أنيس منصور المكتبة العربية بعشرات المؤلفات المهمة، ومن أشهرها "حول العالم في 200 يوم"، وفيه يروي عادات وتقاليد الشعوب التي رآها، وقد كان أول صحفي يجري مقابلة حصرية مع الدالاي لاما رئيس دولة التبت (الحائز علي جائزة نوبل في السلام ).
ومن كتبه المهمة: "الذين هبطوا من السماء"، "عاشوا في حياتي"، "الرئيس قال لي وقلت أيضًا"،،"على رقاب العباد"، "عبد الناصر المفترى عليه والمفتري علينا"، كما كتب أعمالا درامية تحولت لمسلسلات تليفزيونية منها "من الذي لا يحب فاطمة".
نور الإيمان
الضمير كما يقتنع أنيس هو صوت الله في الإنسان، وبرغم انتقاله بين عدة أديان لكن ذلك لم يزده غير شك وتعب وإحساس بالتلاشي والانهيار، وقد ظل عذاب الفكر مصاحبًا لأنيس حتى هدأت جوارحه في العقود الأخيرة من حياته التي امتدت لـ86 عامًا.
وكانت رحلة الحج بإشراقاتها من أعمق تجارب حياته، ذهب ليتطهر وشعر بنور الشمس يملأه وكان يراقب النجوم بمنظار معظم يستخدمه الفلكيون فقط ليقترب من عظمة خالق الكون.
كان أنيس يتحدث 7 لغات حية ويجدد مداد قلمه باستمرار بالقراءة العميقة، ويتزامن ذلك مع مشاهداته التليفزيونية خاصة لموضوعات العلوم والتاريخ.
ظل الموت محيطًا بأنيس في كل حياته، فهو سكين على رقاب العباد وطريقنا للأغلبية الصامتة ولكن من يخافه لا يعيش!

اكتب تعليق

أحدث أقدم