رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن علاج النفوس أصعب من علاج الأبدان

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن علاج النفوس أصعب من علاج الأبدان



رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن علاج النفوس أصعب من علاج الأبدان
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
مما لاشك فيه ان الله يحب معالي الأمور وأشرفها ويكره سفسافها)[1] كما ذكر المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح.
لكن علاج النفوس وتزكيتها أصعب من علاج الأبدان. ليصلح به المرء من قلبه ما مزقته يد الغفلة أو شعثته يد الإضاعة والتفريط أو قيدته يد الشهوات والأهواء.
فيجاهد المرء نفسه ليسد مداخل الشيطان ما استطاع، ويقلع عن لذات الدنيا وشهواتها، ويجد للتزود لما بعد الموت. ومن زكى نفسه بالرياضة والمجاهدة التي لم يجيء بها الرسل فهو كالمريض الذي يعالج نفسه برأيه، وأين يقع رأيه من معرفة الطبيب؟!
أما ((سعاد)) فقد تكرر منها سوء تصرفاتها، وإزاء كلماتها القاسية، أنّبها زوجها وأغلظ لها القول. وعندما اشتكت لأمها، قاطعتها أمها قائلة: إني أعلم ما قلت له!
لقد قلت: ماذا أفعل؟ إني عصبية المزاج سريعة الانفعال... وهكذا خلقت!
تقبلت ((سعاد)) هذا الكلام بصدر رحب وقالت:
• فعلا يا أمي، لقد وضعت يدك على الجرح!
أما الأم فكان منها الدرس الواعي لابنتها:
(لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لم يكن للمواعظ والوصايا معنى. وكيف ننكر تغيير الأخلاق ونحن نرى الصيد الوحشي يستأنس، والكلب يعلم ترك الأمل، والفرس تعلم حسن المشي وجودة الانقياد. إلا أن بعض الطباع سريعة القبول للصلاح، وبعضها مستعصية)[2].
فلا بد لتعديل عاداتنا من الصبر والتدرج فيها. إذ من الصعب التخلي عنها فجأة. مع الأخذ بالاعتبار أن نمو النفس وتزكيتها مثل نمو البدن لن يظهر الأثر في الحال، بل يظهر رويدًا رويدًا.
وكما أن الأخلاق لم تنتج بين عشية وضحاها، كذلك التغيير... فيجب الصبر وعدم العجلة.
فلقد كان ابن المنكدر (رضي الله عنه) وهو الذي كان يسميه الإمام مالك -رحمه الله- سيد القراء.. كان يقول عن نفسه:
• ((جاهدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت))[3].
نسأل الله تعالى أن تستقيم نفوسنا، وأن يهدينا سبيل الرشاد لنكون من الذين قال الله تعالى فيهم: ((والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)).
فالتخلص من العادات القديمة وإن لم يكن سهلًا، لكنه ليس متعذرًا على ذات العقيدة السليمة، والعقل الذي يعقلها عن القبائح.
فمن اعتادت مشاهدة التلفزيون لساعات طويلة (مثلًا)...
فتترك مشاهدة الإعلانات أولًا - ومن ثم تترك عادة الإفراط في المشاهدة بأن تحدد الساعات والبرامج التي تتابعها...
وهكذا رويدًا رويدًا يتقلص إهدار الوقت، والتعامل المحرم مع ذلك الجهاز. والله تعالى لم يكلفنا ما لا نطيق:
(فالأوصاف التي طبع عليها الإنسان كالشهوة إلى الطعام والشراب، لا يطلب رفعها ولا إزالة ما غرز في الجبلة منها، فإنه من تكليف ما لا يطاق...
ومثل هذا لا يقصد الشارع طلبًا له ولا نهيا عنه. ولكن يطلب قهر النفس عن الجنوح إلى ما لا يحل وإرسالها بمقدار الاعتدال فيما يحل)[4].
ذلك أن الذنوب مثل السموم -كما ذكر ابن القيم رحمه الله- فإن تداركها المرء من سقي بالأدوية المقاومة لها، وإلا قهرت القوة الإيمانية وكان الهلاك. وقد قال بعض السلف: المعاصي بريد الكفر[5].
نعوذ بالله من الخذلان، وأعاننا على الطاعات التي بها بعد توفيق الله يصان الإيمان ويزيد.
ولعل نقطة البداية لتزكية نفوسنا، المحاسبة الذاتية، فإنها مدعاة إلى تنشيط الذات لتقويم أعمالنا ومعالجة أخطائنا: ورضي الله عن عمر بن الخطاب إذ قال: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.
(الكثير منا لديه نقاط قوة ولكن لا يستفيد منها حق الاستفادة ، أو لا يوظفها التوظيف الأمثل. كما أن لديه الكثير من نقاط الضعف التي تعرقل مساعيه لتحقيق أهدافه ، وتشل فاعليته الشخصية.
إن رحلة التغيير الإيجابي في الحياة تبدأ بالتعرف على النفس. وبعد التعرف على النفس يأتي تطويعها وقيادتها وسياستها وتوجيهها لما فيه الخير والصلاح)[6].
فمن كانت سريعة الغضب ، وبعد أن حاسبت نفسها ودققت النظر في مزاياها وفي سلبياتها، أيقنت أنها لا تحسن التعامل مع الآخرين فبدأت تروض نفسها على ضبط النفس...
وبالصبر والعزم تصل إلى بغيتها بإذن الله، ولاسيما إذا اتبعت الطريقة المشروعة في ذلك، وعالجت الغضب بالصمت وضبط النفس، وبالجلوس إن كانت واقفة وبالوضوء والاستعاذة من الشيطان، وبتكلف الحلم يكتسب الخلق الحسن، فإنما الحلم بالتحلم.
ولا يفوتها المحاسبة والتساؤل بين الفينة والأخرى: ما السبيل لأصبح أكثر رفقًا وليونة؟
كيف أتعامل مع صديقاتي المؤمنات حتى لا أخسر صحبتهن؟!
وبمضاء في العزيمة، مع العقيدة السليمة تتحول العادة السيئة إلى عادة حسنة تتناسب مع قيم الإسلام السامية.
• ومن وجدت نفسها بعيدة عن الالتزام الحق، فلتفكر مليًا لتعرف هويتها وتكافح الذنوب وتتخذ الأسباب للعمل الصالح.
وحين سبرت أغوار نفسها، علمت أن السبب في عدم وضوح الرؤية هو صحبة شريرة بما تجلبه لها من أشرطة ماجنة أو صور مثيرة...
قاطعت هذه الصحبة، وتلطفت في تركها، خشية المقالب التي من الممكن أن تعملها من حبك للمؤامرات، أو إلحاق الأذى بسمعتها، ولما صممت ألا تتمادى في الخطأ، وأن تجد لها العون الذي يساندها ويعضدها، وطدت صلتها بالصالحات. لأنها تعلم أن المرء على دين خليله.
وما صاحبة السوء إلا عدوة. ولن يركن لعدوه إلا الأحمق.
• ومن ألفت نفسها الكسل وأهملت الأعمال الجادة والنافعة وتريد تغيير ذلك، فإنه يمكنها أن تروض نفسها ليصبح أنسها ولذتها في الجد والعمل والنشاط. وليس ذلك بالأمر العسير فإذا كان لاعب الكرة وبطل الجري يتدرب ويواصل التدريب، وهو راض ليحصل القوة التي تساعده، أوليست المسلمة أولى بالبعد عن الكسل، وتدريبها على كل أمر جاد.
ولا ينكر تسامي الغرائز والميول والاهتمامات إلا جاهل.
فقد تصبح غريزة الغضب من أجل العقيدة.
وقد تصبح غريزة الجمع لإنفاق المال في سبيل الله بدل التفاخر.
وهكذا نعالج نقاط الضعف واحدة فواحدة حتى نبرأ منها.
المهم أن تجاهد المرأة نفسها حتى يسلس قيادها لأن ((الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)) وتحاسب نفسها قبل أن تحاسب. الأمر الذي يجعلها تطلع على عيب نفسها فتصلحه دون أن تختلق الأعذار لنفسها، وتتعلل بالأوهام.
وهكذا تصبح في تربية مستمرة لذاتها، وتطوير سلوكياتها، لتغدو منقادة لأمر الله، خاضعة له تلوذ به، ولا يعنو وجهها إلا للحي القيوم وحده لا شريك له.
وتكتسب الأخلاق الجميلة بالرياضة (كما ذكر الغزالي) وهي تكلف الأفعال الصادرة عنها ابتداء لتصير طبعًا انتهاء. وهذا من عجيب العلاقة بين القلب والجوارح -أي النفس والبدن- فإن كل صفة تظهر في القلب يفيض أثرها على الجوارح حتى لا تتحرك إلا وفقها لا محالة. وكل فعل يجري على الجوارح فإنه قد يرتفع منه أثر على القلب[7].
فبالتزكي والطاعة لله ترقى النفوس، وتسمو القلوب والأرواح.
فلتسأل كل واحدة منا نفسها: هل أنا جاهزة لتغيير عاداتي نحو الأفضل؟
وهل أنا مستعدة للدوام على العمل الصالح وتأدية واجبي كمسلمة؟!
فإن كان الرد بالإيجاب فبها ونعمت، وإلا فالبدار قبل فوات الأوان...
ولتبق هذه طريقنا نحو تزكية أنفسنا لننال وعد الله تعالى بالفلاح إذ قال جل من قائل ((قد أفلح من زكاها)) وتبقى تربيتنا للذات مستمرة طيلة الحياة حتى نلقى الله وهو عنا راض:
ولقد جاء في الحديث الصحيح:
((إن الرجل ليعمل عمل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار. وإن الرجل ليعمل عمل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة)) والحديث متفق على صحته وزاد البخاري: وإنما الأعمال بخواتيمها.[8]
وهذا ما يؤكده حديث آخر عن المصطفى عليه الصلاة والسلام:
((إذا أراد الله بعبد خيرا عسله. قالوا: وما عسله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه إليه))[9].
فما أسعد من يوفقه الله لذلك!
علينا أن نعقد العزم للتزود لما بعد الموت فنقلع عن لذات الدنيا وشهواتها. ولا نكون أسارى لملذاتها.
وعند كل عمل لابد أن نفكر في قيمته من الناحية الشرعية. فنضبط أقوالنا وأعمالنا بالميزان الشرعي.
وإن شئنا أن نكيف حياتنا مع متغيرات الحياة، فلا نتساهل بحال في المحرمات. بل نتمسك بالثوابت.
فنصبح أمتن عقيدة، وأكثر التزامًا بأمر الله وبعدًا عن مناهيه وأكثر واقعية، وأكثر إيجابية. وشعورًا بالرضى والسعادة بعيدًا عن النظرة القاصرة من الشعور بالدونية واحتقار الذات.
وتغدو كل واحدة منا صالحة مصلحة، تسعى لإعطاء كل ذي حق حقه. فتزكية النفس من الأولويات. فقد قال تعالى ((لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر)) ولم يذكر واقفًا.
نسأل الله مقلب القلوب أن يختم بالصالحات أعمالنا. وأن يوفقنا للزاد الذي يهيؤنا للقاء الله تعالى وهو عنا راض إنه سميع مجيب.
________________________________________
[1] ينظر صحيح الجامع الصغير،1/ 384، والحديث صحيح كما ذكر الألباني، رحمه الله.
[2] مختصر منهاج القاصدين، 152.
[3] سير أعلام النبلاء، 5/ 355. ولد شيخ الإسلام ابن المنكدر، سنة 37هـ وكان من فرط خشيته لله لا يتمالك من البكاء إذا قرأ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
[4] الموافقات للإمام الشاطبي، 2/ 72.
[5] تهذيب مدارج السالكين، 224.
[6] العادات العشر للشخصية الناجحة، 176، د. إبراهيم بن حمد القعيد، دار المعرفة للتنمية البشرية، ط2، 1422هـ الرياض.
[7] إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، 3/ 696، ط1، 1412هـ دار الحديث، القاهرة.
[8] صحيح الجامع الصغير، 1/ 335، والحديث عن سهل بن سعد.
[9] أخرجه الإمام أحمد والطبراني، وقال الألباني حديث صحيح، ينظر صحيح الجامع الصغير، 1/ 117.

اكتب تعليق

أحدث أقدم