رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن ثقافة الصيد

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن ثقافة الصيد

 


رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن ثقافة الصيد

بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
قال الشاعر:
أَزَالَ حِجَابَهُ عَنِّي وَعَيْنِي
تَرَاهُ مِنَ المَهَابَةِ فِي حِجَابِ
وَقَرَّبَنِي تَفَضُّلُهُ ولكن
بَعُدْتُ مَهَابَةً عِنْدَ اقْتِرَابِي
وقال أيضًا:
أَفِي المَوْتِ شَكٌّ يَا أَخِي وَهْوَ بُرْهَانُ؟
فَفِيمَ هُجُوعُ الخَلْقِ وَالمَوْتُ يَقْظَانُ؟
أَتَسْلُو سُلُوَّ الطَّيْرِ تَلْقُطُ حَبَّهَا
وَفِي الأَرْضِ أَشْرَاكٌ وَفِي الجَوِّ عُقْبَانُ؟
والقائل هو الشاعر إبراهيم الكانمي الذي انحَدَر ونشأ وتربَّى في أعرق الممالِك الإسلامية في مجال الحكم والسياسة، ونشر الثقافة العربية الإسلامية في وسط إفريقيا وهي مملكة (كانم - برنو) التي اتَّصلت بممالِك غرب إفريقيا المسلِمة مالي وسنغي، وانداحت ثقافة تلك الممالك لتشمل كلَّ المنطقة وتزدهر ازدهارًا عظيمًا، وبخاصَّة خلال النصف الثاني من القرن السادس وأوائل القرن السابع الهجريَّين، وفي ذلك الوقت بلغَتْ هذه الممالك أَوْجَ مجدها وسلطانها وتمدُّدها، وأفرزت كمًّا هائلاً من العلوم والثقافة والفنون في مختلف المجالات، ما زال مُدَوَّنًا باللغة العربية في حواضر وسط وغرب إفريقيا تدرس في أعرق الجامعات هناك، وعند أُفُول نجمها وقُدوم المستعمِر وتجَّار الرقيق لأخْذِ الأفارِقة عَنْوَة من سواحل المحيط الأطلنطي إلى الدنيا الجديدة وإلى مصانع غرب ووسط أوروبا، كان الكلُّ ينظر إلى هؤلاء الأفارقة على أساس أنهم ليسوا على شيء، بل هم أشبه بالحيوانات البريَّة والوحوش التي كانت تعيش من حولهم، أو هكذا كان يُظَنُّ.
لكن (الصيَّاد) الأمريكي اكتَشَف فجأة أن هذا الصيد الإفريقي الذي ساقَه إلى هناك، كان أكثر ثقافة وأعرق حضارة ورُقِيًّا واهتمامًا منه؛ ففي الوقت الذي كان فيه الصيَّادون يقتادُون الأفارِقة إلى هناك، ويُرَدِّدون أجمل ما في قواميسهم اللغوية من مفردات ينصبُّ غالِبها على شتْمِ هؤلاء وسبِّهم، كان الصيد الإفريقي يُتَمتِم بآيات الكتاب الحكيم: ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 1- 4].
ولعل بعضهم كان يترنَّم بأبيات المعتمد بن عباد:
لَمَّا تَمَاسَكَتِ الدُّمُوعْ
وَتَنَهْنَهَ القَلْبُ الصَّدِيعْ
قَالُوا الخُضُوعُ سِيَاسَةٌ
فَلْيَبْدُ مِنْكَ لَهُمْ خُضُوعْ
وَأَلَذُّ مِنْ طَعْمِ الخُضُو
عِ عَلَى فَمِي السُّمُّ النَّقِيعْ
إِنْ يَمْلِكِ القَوْمُ العِدَا
مُلْكِي وَتُسْلِمْنِي الجُمُوعْ
فَالْقَلْبُ بَيْنَ ضُلُوعِهِ
لَمْ تُسْلِمِ القَلْبَ الضُّلُوعْ
وكان بعضهم يُرَدِّد شُروحات من "مختصر خليل" أو "الرسالة"، أو مُدَوَّنات الفقه المالكي التي نثَرَها الآباء في رُبوع تلك الحواضر العامرة بالإيمان والمعرفة والذكاء.
لكن ثقافة الصيَّادين كانت تعجز وتتضاءَل عن فهْمِ ما يُرَدِّده هؤلاء ويتغنَّون به من كلام جميل، شعرًا كان أو نثرًا، يُعَبِّر عن عُمْقِ ثقافتهم وحضارتهم التي ينتمون إليها، وليس أدلَّ على ذلك من قِصَّة الخِطَاب الذي أرسله أحد الأصدقاء من (جامايكا) ويُدعَى أبا بكر الصديق، إلى صديقٍ له اسمه (محمد كعبة) في 18 أكتوبر 1834م يقول له فيه: "إن اسمي العربي (أبو بكر الصديق)، وقد وُلِدت في مدينة (تمبكتو)، وترعرعت في مدينة (جنى)، وحفظت القرآن الكريم في قرية (بونا)، وهي نفس القرية التي أُخِذت منها أسيرًا إلى جامايكا"، ثم يطلب منه ألاَّ يَنساه من صالح دعائه: "وألاَّ تكتب لي إلاَّ باللغة العربية فإنني أفهمها فهمًا جيدًا...".
ولَمَّا أدرك الصيَّادون من البرتغاليين وغيرهم هذه الخصائص وهذا الرباط الوَثِيق بين الأفارقة وبين الثقافة العربية الإسلامية، ورأوا مظاهر ذلك في الأمانة والنظافة والذكاء والتهذيب وحبِّ النظام - أطلقوا عليهم (أرستقراطيو الزنج)، وأفسحوا لهم المجال للتَّرَقِّي والتلَقِّي في مختلف المجالات، لكن الغيرة لم تتركهم؛ فعملوا جهدهم على طمس هويَّتهم المسلمة، وبتر ذلك الماضي المجيد لأوْطانهم والمتجذِّر في نفوسهم عن حاضرهم، وحاضر الأجيال الإفريقية الجديدة التي وُلِدت هناك، والتي أضحَتْ لا تعرف شيئًا عن تمبكتوا، ومالي، وسنغي، والكانم، سوى مفردات وأسماء لممالك وديار إفريقية قديمة، كلَّما تذكَّرها الأجداد والآباء في المواطن الجديدة، فاضَتْ مآقيهم حسرةً وحنينًا.

اكتب تعليق

أحدث أقدم