رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الجمال جزاء العمل الصالح

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الجمال جزاء العمل الصالح



رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الجمال جزاء العمل الصالح
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
مما لاشك فيه أن واضع المنهج الإلهي هو خالق الإنسان، ولذا كان التناسق كاملاً بين المنهج وبين تلك الفطرة التي فطر الإنسان عليها.
وبما أن للحسن أثره البالغ على النفس، فقد جعله الله بعض الجزاء على العمل الصالح، ونتيجة للاستقامة في هذه الحياة. وبهذا يكون الجمال هو العنصر البارز في الثواب الذي أعده الله لعباده المتقين. وقد لفت القرآن الكريم النظر إلى ذلك في الكثير الكثير من آياته، حيث جاء التركيز على حاسة البصر أكثر من غيرها. وحاسة البصر هي الوسيلة لاستشعار هذا اللون من النعيم.
ولنتدبر بعض هذه الآيات الكريمة:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾[1].
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً * أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا ﴾[2].
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ﴾[3].
وتنتقل العين عبر هذه المشاهد من جمال إلى جمال.. الجنات التي التفت أشجارها بعضها على بعض، وتلاقت أغصانها.. والماء الجاري منساب رقراق.. والحلية.. تتعانق فيها الألوان من ذهب أصفر إلى لؤلؤ أبيض.. والثياب.. السندس والإستبرق والحرير متناسبة الألوان في خضرتها مع الجو العام.. إنها مشاهد تحار العين على أيّها تستقر!.
وفي مشهد آخر، حيث تقل الكلمات، وتُلغى آفاق المسافات، ويسرح الفكر والنظر.. ويتساوق العموم الذي تعنيه "ما" في قوله تعالى: ﴿ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ ﴾ مع الخلود الذي يعني العموم الزمني. فإذا جمال النص جزء من جمال الحقيقة..
﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾[4].
وتأخذ "لذة الأعين" مكانها، في إشارة خاصة بها من بين كل ما تشتهيه الأنفس.. ولذا فالصحاف، لا يشار إلى ما فيها ولكن يشار إلى مادتها، فهي وحدها المناسبة لذلك الجو من الحبور والسرور حيث يتوفر كل ما تشتهيه الأنفس، وتتمناه وترغبه.
••••
كانت تلك مشاهد إجمالية لذلك الجزاء، أبرزت فيها الخطوط العريضة والمعالم الكبيرة.
ونحب أن نعيش مع واحد من النصوص التي تناولت الأمر بشيء من التفصيل:
﴿ فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا * وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً * عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا * وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا * عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا ﴾[5].
إنه مشهد يشع الجمال من كل أرجائه، ويبدو كذلك في كل جزئية من جزئياته. وهو مع ذلك يؤدي دوره في أداء المتاع حقه من الوصف والإيضاح وهكذا يلتقي المتاع والجمال. وهي سمة واضحة في كل نعيم الآخرة.
إن كلمة "الجنة" بمقدار ما تعني من النعيم، فهي ترسم لوحة الجمال الطبيعي حيث تلتف الأشجار يعانق بعضها بعضًا، فتبدو أقواسًا منتظمة أو غير منتظمة وكل يؤدي دوره في إتمام اللوحة...
وفي "الأرائك".. إنها ليست مجرد سرر يأخذ الإنسان راحته عليها، بل هي التي أحيطت منها بالستائر والحجال. لا لتغيِّب من فيها عن النظر، وإنما لتؤدي دورها في جمال المنظر...
و"الظلال" ليست ظلالاً تقي الحر الشمس، فهم ﴿ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا ﴾ ولكنها لأداء الدور الجمالي. وللظلال حيثما وجدت دورها الجمالي الكبير. و"دنو" الظلال يعطي المشهد جمال الحركة وحيويتها.
و"الآنية" ليست مجرد أوعية لتؤدي الغرض فيما أعدت له، ولكنها جمالية من الجماليات، وما زال الناس في دنياهم قديمًا وحديثًا يُعنون بجماليات هذه الأواني، فصلتهم بها يومية..
إنها من الفضة، والفضة ترسم في المخيلة ذلك اللون الرائع مع لمعان ليس بالشديد، يوحي بالصفاء.. والأكواب من نفس المادة، ولكنها في تركيب آخر يؤدي مهمة الكوب من حيث الاستعمال ويؤدي التناسق مع بقية الآنية من حيث اللون والمادة.. إنها قدرت تقديرًا محكمًا، حيث رقّت ودقت صفحتها، فأصبحت شفافة، فهي في مادتها فضية، وفي شفافيتها زجاجية.. إنه الجمال.
وأما الولدان الذين يؤدون الخدمة فهم اللؤلؤ المكنون وكفى به وصفًا إلهيًا.
والثياب من الحرير بأنواعه.. السندس والإستبرق في لون ينساب مع اللون العام فلا يحدث التنافر في الألوان.. بل التكامل والتناسق.. وكذا الحلي..
وفي قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ... ﴾ تأكيد على أهمية حاسة البصر وأن جزءًا كبيرًا من ذلك النعيم يحصل عن طريقها.
••••
ولا تغفل النصوص الكريمة الجانب النفسي للإنسان، وما له من أثر على طلاقة وجهه وإشراقته، وهو يعيش في ذلك النعيم. فهو الصفحة التي تعكس كل ما يحيط بها في بلاغة وإيجاز. وقد وردت الإشارة إلى ذلك في آيات كثيرة منها ما ورد في النص السابق ﴿ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا ﴾ ومنها قوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾[6].
إن آثار النعيم بكل أبعاده - والجمال يبدو منها جميعًا - ستشرق في وجوه أولئك الذين كتب الله لهم الفوز برضوانه، يعرف ذلك ويحس به كل من رآهم.
﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ... ﴾[7].
إنها صورة الإنسان الذي يتناسب مع الجو السابق المذكور.. فالوجوه الكالحة المظلمة، لا تصلح له وتسبب تنافرًا في اللوحة الكبرى..
••••
مما تقدم نرى مدى اهتمام النصوص بعرض الجمال، وما ذاك - كما قلنا - إلا لما له من أثر عميق في النفس، فكان هذا الوصف بيانًا للجزاء من جهة، وإغراء بالعمل الصالح وحثًا عليه من جهة أخرى.
وبهذا نتبين مدى الدقة في المنهج الإسلامي وهو يتعامل مع النفس الإنسانية فهو يلبي كل حاجاتها من خلال الفطرة في تغطية شاملة لكل متطلباتها من حاجات وأشواق.
••••
تلك قصة تأثير الجمال في النفس، يسجلها القرآن الكريم في وضعها حين يكون الجمال حقيقة، كما يسجلها حين يكون تمويهًا وخداعًا.
وفي الحالة الأولى: يتعامل المنهج الإسلامي مع الفطرة فيسمو بالإنسان.. حيث ترق المشاعر وترتقي العواطف، وتعمل إنسانية الإنسان، فإذا به يسير في طريق الزينة التي هي من صنع الله تعالى.. ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾[8].
وفي الحالة الثانية: حيث الزينة الخادعة.. فإنه يغلظ الحس، وتسيطر على الإنسان ماديته، وتموت أشواقه، ويصبح محكومًا من خلال شهواته ونزواته، إنه اتجاه نحو الأسفل.. حيث تغيب إنسانيته وتطفو على السطح حيوانيته ويصدق فيه قوله تعالى: ﴿ ... أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾[9].
________________________________________
[1] سورة التوبة. الآية 72.
[2] سورة الكهف. الآيتان 30، 31.
[3] سورة الحج. الآيتان 23، 24.
[4] سورة الزخرف الآيتان 70 و71.
[5] سورة الإنسان الآيات 11 - 22.
[6] سورة القيامة الآيتان 22 - 23.
[7] سورة المطففين الآيات 22 - 24.
[8] سورة الحجرات [7].
[9] سورة الأعراف [179].

اكتب تعليق

أحدث أقدم