رئيس اتحاد الوطن العربي يتحدث عن قبول العمل الصالح

رئيس اتحاد الوطن العربي يتحدث عن قبول العمل الصالح



 رئيس اتحاد الوطن العربي يتحدث عن قبول العمل الصالح

بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
مما لاشك فيه أن كثيرًا من الناس يشعرُ بداخله بخوف شديد، وتُساوِرُه شكوكٌ من عدم قبول عمله، ويتساءل عمَّا يُطَمْئِنُ قلبَه، ويشرحُ صدره بهذا الخصوص.
ومسألةُ قبول العمل من عدمِه لها علاقةٌ بالقضاء والقدر، ولذلك أقول ابتداءً: إن الله عز وجل أرادَ بعبادِه شيئًا وأراد منهم شيئًا؛ فما أراده الله تعالى بعباده من خير أو شرٍّ، أو غنى أو فقر، أو صحة أو مرض، أو قبول للعمل أو ردِّه - والعياذ بالله تعالى - ونحو ذلك من الغيبيَّات، يُوكل أمره إليه سبحانه، ولا يجوز للعباد الكلام أو الخوض في هذه الدائرة المغلقة؛ لأنها خاصة بالله سبحانه، ولا يشاركه العلم بحقيقتها أحد؛ لقوله عز وجل: ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾ [البقرة: 255]، وأما ما أراده الله تعالى من عبادِه من توحيد وعبادة وفعلٍ للخيرات وتركٍ للمنكرات وإخلاص له في السر والعلانية، وفي المنشط والمكره، والأخذ بالأسباب والكدح في الحياة... ونحو ذلك من الأعمال التي طلب الشارعُ فعلَها أو اجتنابها، فهذه الدائرة هي مجالُ اختصاص العباد وأعمالهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58].
وانطلاقًا من هذه الحقائق العَقَديَّة والفقهية، يتَّضحُ لنا أن قبول الأعمال الصالحة من عدمه مسألةٌ غيبيَّةٌ لا يعلمها إلا الله عز وجل، ولا يُكشف عنها إلا بعد الموت ويوم العرض الأكبر على الله عز وجل، ولكن الله تعالى أعطى عبادَه المؤمنين موثقًا وضماناتٍ حتى يطمئنوا في معاملتهم؛ فقال عزَّ من قائل: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8] وقال سبحانه في الحديث القدسيِّ: ((يا عبادي، إنِّي حرَّمتُ الظلم على نفسي، وجعلتُه بينكم محرَّمًا، فلا تَظَّالَمُوا))[1].
وحقيقةُ الظلم وضعُ الشيءِ في غير موضعِه، وهذا مُنافٍ للكمالِ والعدلِ، فلذلك نزَّهَ الله تعالى نفسَه عن الظلم فقالَ: ﴿ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [ق: 29]، ثم ختم الحديث بقوله جَلَّ وعَلا: ((يا عبادي، إنَّما هي أعمالُكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إيَّاها، فمن وجدَ خيرًا فليحمدِ الله، ومن وجدَ غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسَه))، ثم بشَّر المؤمنين بحسن عاقبة عملهم الصالح، فقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111]، وشروطُ العمل الصالح أربعةٌ كما ذكرها العلماء، وهي:
1) النيَّة.
2) والعلم الصحيح من الكتاب والسنة وما استنبط منهما.
3) والإخلاص لوجه الله تعالى.
4) والصبر على العمل الصالح.
وقد نَظَمَهَا أحدُهم، فقال:
وَفَسِّرَنَّ صَالِحَ الأَعْمَالِ
بِجَامِعٍ لِهَذِهِ الخِصَالِ
العِلْمُ والنِّيَّةُ والإِخْلَاصْ
والصَّبْرُ ليسَ عَنْهُ مِنْ مَنَاصْ
فإذا توفَّرتْ هذه الشروطُ الأربعةُ في العمل يُوصف بأنه عملٌ صالحٌ، ولكن تبقى إشكالية القبول له؛ ولهذا يبقى المؤمن خائفًا وَجِلًا من عدم قبول عمله؛ وذلك مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 60]، وهذه حالةُ المؤمنين الصادقين مع ربِّهم عبر العصور؛ فكانوا يتَّقون الله ويعبدونه ويتقربون إليه بالصالحات وهم خائفون أَلَّا يتقبل منهم؛ لخوفهم أن يكونوا قد قَصَّروا في تحقيقِ شروطِ القبول، وهذا من باب الإشفاق والاحتياط، ولذلك كان سيدُنا عمرُ رضي الله عنه دائمَ الحزنِ كثيرَ البكاءِ على نفسه، وعندما يذكره الناس بحسن صحبتِه وجميل مواقفه، ويذكرونه ببشارة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له بالجنة ضمن من بشّرهم بها! يقول: "أخشى أن تكونَ تلكَ البشارةُ معلقةً بشرطٍ لم يفعلْه عمرُ!"، وكذلك كانت حالُ الصحابة من أهل البيت وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين.
وقد بيَّنَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم هذا المعنى لأُمِّنَا عائشةَ رضي الله عنها حين سألته قائلة: يا رسول الله، ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ [المؤمنون: 60]، هو الذي يسرق ويزني ويشرب الخمر، وهو يخاف الله عز وجل؟ قال: ((لا، يا بنت الصديق، ولكنَّهم الذين يُصلُّون ويصومون ويتصدَّقون، وهم يخافون ألا يُقبل منهم))[2]، ولهذا قال الإمام الحسن البصري رحمه الله تعالى: "إن المؤمنَ جمعَ إحسانًا وشفقة، وإن الكافر جمع إساءةً وأمنًا"[3].
ويتلخَّصُ لنا من هذه المباحث أن خوفَ المؤمن من عدم قبول عمله ظاهرة طبيعية، وصفة لازمة لأهل الإيمان الصادق وأصحاب العمل الصالح، ولعلَّها منحةٌ من الله تعالى لعباده الصالحين حتى يكونَ ذلك محفِّزًا لهم على تحرِّي الإخلاص في نياتهم، والازدياد من الأعمال الصالحة مدى حياتهم حتى يلقوا ربَّهم سبحانه وتعالى وهم على تلك الحالة من الخوف والرجاء؛ تحقيقًا لقوله عز وجل: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99].
نسأل اللهَ تعالى التوفيقَ والقبولَ وحسن الخاتمةِ .
________________________________________
[1] رواه مسلم.
[2] رواه الترمذي.
[3] ابن كثير: تفسير القرآن العظيم، 258/3.

اكتب تعليق

أحدث أقدم