رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الصحة والقوة

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الصحة والقوة


 

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الصحة والقوة
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
مما لاشك فيه أن الصحة والقوة في البدن مطلب من مطالب الإسلام، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوى المؤمنين بدنًا، كما كان أقواهم في إيمانه؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن القوي خير وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير))، ثم بيَّن صلى الله عليه وسلم ما تُستعمل فيه هذه القوة، وهو العمل فيما يعود على الإنسان من المصلحة الدينية والدنيوية، وما يُثبِّت عقيدته وصِلته بربه فقال: ((احرص على ما ينفعك، واستَعِن بالله ولا تَعجِز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَرُ الله وما شاء فعل؛ فإن (لو) تفتح عمل الشيطان))[2]، ولقد دعا الإسلام إلى الرياضة البدنية إذا كانت عونًا على طاعة الله تعالى، وعلى جهاد الكفار وإحقاق الحق، وإبطال الباطل، كما دعا إلى تعلُّم الرماية وركوب الخيل والمسابقة فيهما، والمسابقة على الأقدام والمصارعة؛ فلقد سابَق صلى الله عليه وسلم عائشة مرتين، فسبقته في الأولى وسبقها في الثانية، والرياضة مشروعة أيضًا في الشرائع السابقة؛ كما قال تعالى عن إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام: ﴿ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا ﴾ [يوسف: 17].
ومِثْل هذا السباحة؛ لأنها ترويض للبدن، وتمرين للأعضاء، وأَمْنٌ من الغرق، وقد ألحق بعض العلماء في الرياضة الجائزةِ حَمْلَ الأثقال والقفز ما لم يَصِل إلى حدِّ هلاك النفس، أو حد الشعوذة، حتى إذا احتاج المسلم لنفسه في حرب الكفار كان قويًّا في بدنه، كما يُطلَب منه أن يكون أمينًا في عقيدته وعمله، وهاتان الصفتان هما صفة الأنبياء وأتباعهم؛ قال تعالى عن موسى عليه السلام ﴿ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26]، وقد دلَّ على قوة بدنه رفْع الصخرة التي لا يرفعها إلا العشرة من أقوى الرجال، وصارَع الرسول صلى الله عليه وسلم (رُكانة)، وهو من أقوى الكفار وأشدهم، على قطيع من الغنم، فصرَعه الرسول صلى الله عليه وسلم في المرة الأولى، والثانية، والثالثة، ثم قال: والله ما وضع جنبي على الأرض غيرك يا محمد، فعرف (رُكانة) أن قوة بدن محمد صلى الله عليه وسلم ما هي إلا من قوة إيمانه، وثبات قلبه؛ ولذا أسلم رُكانة، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((إن الغنم هي لك))، وقال الله تعالى في أتباع الأنبياء: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا ﴾ [الفتح: 29]، وقال سبحانه آمرًا المسلمين بإعداد القوة للكفار: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ﴾ [الأنفال: 60]، وبيَّن أن النفقة في هذا السبيل مخلوفة وموفًّى جزاؤها؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60]، قال بعض المفسرين: إن هذه الآية نزلت في المسلمين يوم بدر، لما قصدوا الكفارَ من غير استعداد ولا عُدَّة، فأمرهم الله تعالى بألا يعودوا لمِثْله، ثم فسَّروا القوة باتخاذ السلاح وإيجاده بأيدي المسلمين، واتخاذ الحصون والجنود في الثغور، وتعلُّم الرماية، وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآيةَ على المنبر ثم قال: ((ألا إن القوة الرمي)) قالها ثلاثًا.
وقال صلى الله عليه وسلم لما مرَّ على صِبية يتعلَّمون الرماية: ((ارموا بني إسماعيل؛ فإن أباكم كان راميًا))، ويشتمل تعلُّم الرماية لكل آلة أُعِدَّت لذلك من بنادق وغيرها؛ لأن الإعداد إنما يكون مع الاعتياد، وإذًا من لا يُحسِن الرمي ولا أساليب الحرب التي تتطلَّبها الحروب في هذه الأوقات، لا يُسمَّى معدًّا للقوة، وجوَّز النبي صلى الله عليه وسلم بذْل العِوَض على المسابقة بالخيل والإبل والرمي؛ لما فيها من العون على الجهاد في سبيل الله تعالى، وتعلُّم الكرِّ والفرِّ والإصابة، وقد جعلها صلى الله عليه وسلم من اللهو الجائز، بل هو حق، وأبطل سواها، قال صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ لهو يلهو به الرجل، فهو باطل، إلا رميه بقوسه، أو تأديبه فرسه، أو مداعبته امرأته؛ فإنه من الحق))، وكره كراهية شديدة لمن تعلَّم الرمي أن يتركه؛ لما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ارموا واركبوا، وإن ترموا أحب إليَّ من أن تركبوا، ومَن تعلَّم الرمي ثم نسيه، فليس منا))، وقال أيضًا: ((ومن عُلِّم الرمي ثم تركه، فهي نعمة كفَر بها))؛ وسبب هذه الكراهية أن مَن تعلَّم الرمي حصلت له أهلية الدفاع عن دِينه، ونِكاية العدو، وتأهيل لوظيفة الجهاد، فإذا تركه فقد فرَّط في القيام بما يتعيَّن عليه القيام به، فإذا عرفنا جواز الرياضة البدنية فيما تَقدَّم، وذلك بما يعود على الإسلام والمسلمين بالمصلحة، فهي طاعة رغب فيها؛ قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله -: "السَّبق والصراع ونحوها طاعة إذا قُصِد بها نُصْرة الإسلام، وأخذ العِوَض عليه - أي: ما يجعل جائزة - أخذ بالحق؛ لما في تعلُّم الرماية وركوب الخيل من العون على الجهاد في سبيل الله تعالى، ويدلُّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن رمى بسهم بنية الجهاد في سبيل الله، كان له ثواب تحرير رقبة))؛ أي: عِتْقها"، وإن من الأهداف السامية للقوة البدنية في المسلم إغاظة الكفار؛ لعِلْمهم اليقيني بأن المسلم سيستعمل قوَّتَه في طاعة الله تعالى وفي جهادهم، فلقد قال الكفار حينما أراد النبي صلى الله عليه وسلم عمرةَ القضاء: سيأتيكم محمد وأصحابه قد أوهنتْهم حمى يثرب، فأوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، فأمر الصحابة بأن يمشوا المشي السريع مُتقارِب الخطى في الثلاثة الأشواط الأولى من الطواف، والكفار على جبل أبي قبيس - الذي يُطِل على الكعبة - ينظرون إليهم؛ فماتوا بغيظهم، وقالوا: كأنهم غِزْلان ما ضرَّتهم الحمى؛ ومن هنا شُرِع الرَّمَل في الطواف عند قدوم مكة؛ ليعرف المسلمون الهدفَ الذي رمَل من أجله الرسول عليه الصلاة والسلام.
أيها الأخ المسلم:
إن البدن ليس مِلكًا لك تصرفه حسَب الهوى والشهوة؛ بل هو مِلْك لله تعالى، فعليك أن تصرف قوته وحركاته وسكناته في طاعة مَن خلَقه، فما ألهى وأشغل عما أمر الله - عز وجل - به فهو منهيٌّ عنه، وإن لم يَحرُم جنسه: كالبيع والتجارة، وأما سائر ما يتلهَّى به البطالون من أنواع اللهو وسائر ضروب اللَّعِب مما لا يُستفاد به في حقٍّ شرعي، فكلُّه حرام.
وقال بعض العلماء: "مَن وثب وثبة مرحًا ولعبًا بلا نفع، فانقلب فذهب عقله، عصى وقضى الصلاة"، فما كان من الرياضات الجائزة، جاز صرف المال والقوة فيها، وما كان من الرياضات الممنوعة التي تشتمل على أنواع من المحرَّمات، فصرف الأموال فيها غير جائز، وإن مما قد تشتمل عليه بعض الرياضات في وقتنا الآن من مآخذ:
أولاً: خُلو النية الصالحة، والقصد الصحيح للتقوِّي على الجهاد في سبيل الله؛ إذ لو كان كذلك لما حصلت هذه المحرَّمات، كانكشاف بعض العورات من الأفخاذ؛ فأعلى البدن مستور وبعض العورة مكشوف، فأين هذا من تعاليم الإسلام؟!
ثانيًا: لو قصد بها المعنى الصحيح، لما تُرِكت الصلاة، ولما حصل السهو عنها من اللاعبين والمشجِّعين، والله أكبر، ما أعظم المسلمين لو كان ذلك الجهد فيما يعود عليهم بالمصلحة! وإذا حان وقت الصلاة ورُفع الأذان وأقيمت الصلاة وحُرِمَ من لم يُصَلِّ من اللعب والمشاهدة، والله أكبر لو قصد المسلمون برياضتهم وألعابهم المعنى الصحيح، فهل يبيحون تقبيل اللاعبين؟! والله أكبر لو قُصِد بالمباراة بين النوادي إظهار قوة المسلمين وشجاعتهم وأنهم أصحاء أقوياء، لما انزرع الحقد بينهم، ولما حدثت الخصومات بين الفرقاء، ولما جرحوا شعورَ الآخرين، ولما أبدوا الإعجابَ والفخر حينما يفوز بزعْمهم الفائزون، وإن آثار هذه الألعاب السيئة ظهرت على الشباب في الأسواق والمدارس والعجائز في البيوت، ألا فليعلم هؤلاء أن الصياح وتشجيع الفائزين في الألعاب والرياضات بالتصفيق والضجيج ينشأ عنه إعجاب الفائزين، وجَرْح شعور المغلوبين، وهذا يُخالِف هدف الإسلام، وهو الدعوة إلى إيجاد المحبة والألفة بين أفراد المسلمين، فإذا غلب أحدهم في الرياضات الجائزة، أخذ العِوَض الذي أُعِدَّ للسابق، ودُعي للمسبوق بالتوفيق والسداد.
أسأل الله سبحانه أن يرفع عنا البلاءَ، وأن يُوفِّق المسؤولين عن الرياضات في بلادنا أن يَسْلكوا بها الطريقَ الصحيح الذي يُرضي الله تعالى ويُوافِق سُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويَصرِفوا أوقاتهم وأموالهم وأبدانهم في طاعة الله تعالى، فلقد أخذت الكثير من أوقات الشباب وألهتْهم عن دروسهم ومراجعة علومهم، وليت القائمين على أمر الشباب والرياضة قلَّلوا منها بعضَ الشيء، ومارسها طلابنا وشبابنا في فترات إجازاتهم؛ بحيث تكون على الطريقة المرضية التي تُسِعد المسلمين.
فلنتَّقِ الله تعالى في كلِّ أمورنا، ولنتأسَّ بهدي وتعاليم ديننا، ولنَستفِد من الرياضة بجميع أنواعها، ولتكن غايتنا رضا الله تعالى ونُصْرة الإسلام.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60].
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
________________________________________
[1] صحيح الأخبار, محمد بن بلهيد (5: 229).
[2] صحيح مسلم, كتاب القدر (6774).

اكتب تعليق

أحدث أقدم