رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن موقعة حطين

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن موقعة حطين


 

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن موقعة حطين
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
سار السلطان صلاح الدين من دمشق يوم السبت، يوم النيروز عند الفرس - وهو أول يوم في السنة عندهم - وكان ذلك في شهر المحرَّم في جيشه، حتى وصلوا إلى رأس الماء، فنزل ولده الأفضل هناك في طائفة من الجيش، وتقدَّم السلطان ببقية الجيش إلى بُصْرَى، فخيَّم على قصر أبي سلام ينتظر قدوم الحجاج، وفيهم أخته ست الشام وابنها حسام الدين محمد بن عمر بن لاشين؛ ليَسْلَمُوا مِن غدر إبرنس الكرك.
فلما مرَّ الحجيج سالمين سار السلطان فنزل على الكرك، وقطع ما حوله من الأشجار، ورعى الزرع، وأكلوا الثمار، وجاءت العساكر المصرية، وتوافت الجيوش المشرقية، فنزلوا عند ابن السلطان على رأس الماء، وبعث الأفضل سرية نحو بلاد الفرنج، فقتلت وغنمت، وسلمت ورجعت، فبشر بمقدِّمات الفتح والنصر.
المعركة بدأت:
جاء السلطان بجحافله فالتفَّت عليه جميع العساكر، فرتب الجيوش وسار قاصدًا بلاد الساحل، وكان جملة مَن معه من المقاتلة اثني عشر ألفًا غير المتطوعة، فتسامعت الفرنج بقدومه، فاجتمعوا كلهم، واتفقوا فيما بينهم على قتال المسلمين، وكان ممن اتفق من كبار الفرنج: قومص أطرابلس الغادر، وإبرنس الكرك الفاجر، وجاؤوا بقضِّهم وقضيضهم، واستصحبوا معهم صليب الصلبوت يحمله منهم عباد الطاغوت، وضلال الناسوت، في خلق لا يعلم عدَّتهم إلا الله - عز وجل - يقال: كانوا خمسين ألفًا، وقيل: ثلاثًا وستين ألفًا، وقد خوَّفهم صاحب طرابلس من المسلمين، فاعترض عليه الإبرنس صاحب الكرك، فقال له: لا أشك أنك تحب المسلمين وتخوِّفنا كثرتهم، فقال القومص لهم: ما أنا إلا منكم، وسترون غبَّ ما أقول لكم.
فتقدَّموا نحو المسلمين، وأقبل السلطان صلاح الدين، ففتح طبرية وتقوَّى بما فيها من الأطعمة والأمتعة وغير ذلك، وتحصَّنت منه القلعة، فلم يعبأ بها، وحاز البحيرة في حوزته، ومنع اللهُ الكفرة أن يصلوا منها إلى قطرة حتى صاروا في عطش عظيم، فبرز السلطان إلى سطح الجبل الغربي من طبرية، عند قرية يقال لها حطِّين التي يقال: إن فيها قبر شعيب - عليه الصلاة والسلام - وجاء العدو المخذول، وكان فيهم: صاحب عكا وكفرنكا، وصاحب الناصرة، وصاحب صور، وغير ذلك من جميع ملوكهم، فتواجه الفريقان، وتقابل الجيشان، وأسفر وجه الإيمان، واغبرَّ وأَقْتَم وأظلم وجهُ الكفر والطغيان، ودارت دائرة السَّوء على عبدة الصلبان، وذلك عشية يوم الجمعة، فبات الناس على مصافِّهم، وأصبح صباح يوم السبت الذي كان يومًا عسيرًا على أهل الأحد، وذلك لخمسٍ بقين من ربيع الآخر، فطلعت الشمس على وجوه الفرنج، واشتدَّ الحر، وقوي بهم العطش، وكان تحت أقدام خيولهم حشيش قد صار هشيمًا، وكان ذلك عليهم مشؤومًا.
فأمر السلطان النفَّاطة أن يرمُوه بالنفط، فرمَوه، فتأجج نارًا تحت سنابكِ خيول الفرنج، فاجتمع عليهم حر الشمس، وحر العطش، وحر النار، وحر السلاح، وحر رشق النبال، وتبارز الشجعان، ثم أمر السلطان بالتكبيرِ والحملة الصادقة، فحملوا وكان النصر من الله - عز وجل - فمنحهم الله أكتافَهم.
أعداد القتلى والأسرى:
قُتِل من العدوِّ ثلاثون ألفًا في ذلك اليوم، وأُسِر ثلاثون ألفًا من شجعانهم وفرسانهم، وكان في جملة مَن أُسِر جميع ملوكهم سوى قومص طرابلس؛ فإنه انهزم في أول المعركة فهرب، وكسر السلطان صليبهم الأعظم، وهو الذي يزعمون أنه صُلِب عليه المصلوب، وقد غلَّفوه بالذهب واللآلئ والجواهر النفسية، ولم يسمع بمثل هذا اليوم في عز الإسلام وأهله، ودمغ الباطل وأهله، حتى ذكر أن بعض الفلاحين رآه بعضُهم يقود نيفًا وثلاثين أسيرًا من الفرنج قد ربطهم بطنب خيمة، وباع بعضهم أسيرًا بنعل ليلبسَها في رجله، وجرت أمور لم يسمع بمثلها إلا في زمن الصحابة والتابعين، فلله الحمد دائمًا كثيرًا طيبًا مباركًا.
ماذا حدث للأسرى وقتل إبرنس الكرك؟
لما تمَّت هذه الوقعة ووضعتِ الحربُ أوزارَها، أمر السلطان بضرب مخيَّم عظيم، وجلس فيه على سرير المملكة، وعن يمينه أَسِرَّة، وعن يساره مثلها، وجيء بالأسارى تتهادَى بقيودهم، فأمر بضرب أعناق جماعة من مقدمي الداوية والأسارى بين يديه صبرًا، ولم يترك أحدًا منهم ممن كان يذكر الناس عنه شرًّا، ثم جيء بملوكِهم فأجلسوا عن يمينه ويساره على مراتبهم، فأجلس ملكَهم الكبير عن يمينه، وأجلس أرناط إبرنس الكرك وبقيتهم عن شماله، ثم جيء إلى السلطان بشرابٍ من الجُلاَّب مثلوجًا، فشرب ثم ناول الملك فشرب، ثم ناول أرناط صاحب الكرك، فغضب السلطان، وقال له: إنما ناولتُك ولم آذنْ لك أن تسقيَه، هذا لا عهد له عندي، ثم تحوَّل السلطان إلى خيمة داخل تلك الخيمة، واستدعى أرناط صاحب الكرك، فلما أوقف بين يديه قام إليه بالسيف ودعاه إلى الإسلام، فامتنع فقال له: نعم، أنا أنوب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الانتصار لأمته، ثم قتَله وأرسل برأسه إلى الملوك وهم في الخيمة، وقال: إن هذا تعرَّض لسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
ثم قتل السلطان جميع مَن كان من الأسارى من الداوية والإسبتارية صبرًا، وأراح المسلمين من هذين الجنسين الخبيثين، ولم يُسلِم ممَّن عرض عليه الإسلام إلا القليل، فيقال: إنه بلغ ممن قتل ثلاثين ألفًا، والأسارى كذلك كانوا ثلاثين ألفًا، وكان جملة جيشهم ثلاثة وستين ألفًا، وكان ممَّن سَلِم - مع قلتهم - وهرب أكثرُهم جرحَى، فماتوا ببلادهم، وممن مات كذلك قومصحاكم طرابلس؛ فإنه انهزم جريحًا فمات بها بعد مرجعه، ثم أرسل السلطان برؤوس أعيان الفرنج.
ومَن لم يقتل من رؤوسهم وبصليب الصلبوت، صحبه القاضي ابن أبي عصرون إلى دمشق؛ ليودعوا في قلعتِها، فدخل بالصليب منكوسًا، وكان يومًا مشهودًا، ثم سار السلطان إلى قلعة طبرية فأخذها، وقد كانت طبرية تقاسم بلاد حوران، والبلقاء، وما حولها من الجولان، وتلك الأراضي كلها بالنصف، فأراح الله المسلمين من تلك المقاسمة.
ما ترتَّب بعد النصر في حطين:
بعد النصر ذهب السلطان إلى قبر شعيب - عليه السلام - لزيارته، ثم ارتفع منه إلى إقليم الأردن، فتسلَّم تلك البلاد كلها، وهي قرى كثيرة، كبار وصغار، ثم سار إلى عكا فنزل عليه يوم الأربعاء في ربيع الآخر، فافتتحها صلحًا بدون قتال يوم الجمعة، وأخذ ما كان بها من حواصل الملوك، وأموالهم، وذخائرهم، ومتاجر، وغيرها، واستنقذ مَن كان بها من أسرى المسلمين، فوجد فيها أربعة آلاف أسيرٍ، ففرج الله عنهم، وأمر بإقامة الجمعة بها، وكانت أول جمعة أقيمت بالساحل بعد أن أخذه الفرنج نحوًا من سبعين سنة، ثم سار منها إلى صيدا وبيروت وتلك النواحي من السواحل، يأخذها بلدًا بلدًا؛ لخلوها من المقاتلة والملوك، ثم رجع سائرًا نحو غزة، وعسقلان، ونابلس، وبيسان، وأراضي الغور، فملك ذلك كله، واستناب على نابلس ابن أخيه حسام الدين عمر بن محمد بن لاشين، وهو الذي افتتحها، وكان جملة ما افتتحه السلطان في هذه المدَّة القريبة خمسين بلدًا كبارًا، كل بلد له مقاتلة، وقلعة، ومنعة.
وغنم الجيش والمسلمون من هذه الأماكن شيئًا كثيرًا، وسَبَوا خلقًا، ثم إن السلطان أمر جيوشَه أن ترتع في هذه الأماكن مدَّة شهور؛ ليستريحوا ويجمُّوا أنفسهم وخيولهم لفتح بيت المقدس، وطار في الناس أن السلطان عزم على فتح بيت المقدس، فقصده العلماء والصالحون تطوعا وجاؤوا إليه، ووصل أخوه العادل بعد وقعة حطِّين وفتح عكا، ففتح بنفسه حصونًا كثيرة، فاجتمع من عباد الله ومن الجيوش شيء كثير جدًّا، فعند ذلك قصد السلطان القدسَ بمَن معه.

اكتب تعليق

أحدث أقدم