رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن اللغة العربية لغة الفكر

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن اللغة العربية لغة الفكر




بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف

مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
مما لا شك فيه أن هناك ثمة اختلاف بين اللغوين في البسملة: بسم الله الرحمن الرحيم، أيهما أبلغ الرحمن، أم الرحيم؟ فمن اللغوين من قال أن الرحمن أبلغ لأنها سبقت الرحيم، ومنهم من قال أن رحيم أبلغ لأنها على وزن فعّال التي تفيد كثرة وقوع الحدث، وقبل الدخول في الفصل بين الفريقين نستعين بقليل من الفيزياء.
السعة والشدة:
تخيل معي دائرة الضوء التي تسلط على الممثلين على خشبة المسرح، يمكنّا وصف هذه الدائرة بطريقتين، الأولى: عن طريق وصف سعتها: فنقول أن دائرة الضوء واسعة، ضيقة، متوسطة السعة، أو بطريقة أكثر تحديدًا نقول قطرها كذا وحدة طول، والطريقة الأخرى عن طريق وصف شدة الإضاءة: فنقول خافتة، أو متوسطة أو شديدة الإضاءة، أو بطريقة أدق، نقول شدة إضاءتها كذا شمعة.
ومن الملاحظ إننا لا نستطيع الاستغناء عن أحد الطريقتين في الوصف؛ لأن هناك هالات ضوء متسعة وذات إضاءة خافتة، وأخرى ذات إضاءة باهرة، وكذا هالات ضوء ضيقة إضاءتها قوية أو باهتة، وقس على ذلك القدرة، فمثلا القدرة الكهربية تحدد بواسطة حاصل ضرب الشدة في الاتساع أي الجهد (الفولت) في شدة التيار، فهناك بطاريات ذات فولطية منخفضة لكنها تعطي شدة تيار عظيمة كبطارية الدراجات البخارية، وهناك منابع قدرة تعطي فولطية عظيمة ولكنها تعطي شدة تيار منخفضة كدارة القدرة في شاشة التلفزيون، وعليه فلا نستطيع وصف الفولطية أو التيار بمفردهما للتعريف بقدرة الدارة الكهربية، فالأمر يتطلب وصف الاثنين معًا أي الشدة (الحدة، درجة التأثير) والسعة (نطاق التأثير).
الرحمن الرحيم:
الرحمن صيغة مبالغة على وزن فعلان أي ذو رحمة واسعة تشمل الكل الإنس والجن، الكبير والصغير، الرجل والمرأة، المؤمن والكافر، أي وصفًا لسعة الرحمة أي نطاق تأثير الرحمة، أما الرحيم فهي صياغة مبالغة على وزن فعيّل فهي تعني كثير الرحمة، يرحم مرة واثنان وعشرة وألف وأكثر، أي دالة في الشدة، شدة الرحمة.
إذن رحمة رب العالمين وصفت بما نَصف به القدرة في العلوم الطبيعة، السعة والشدة معًا، وهو أمر نادر ما تجد لغويًا يفطن إليه، بدلالة اختلافهم في أمرها، أيهما أبلغ، الرحمن أم الرحيم، فسبحان الله، أما جمال التعبير تجده بالبدء بصيغة الرحمن أي بسعة الرحمة طمأنةً للسامع أنه داخل في الرحمة، أي أن نطاق رحمة رب العالمين نطاقًا واسعًا، ثم يتلوها طمأنة بكثرة مرات الرحمة، حتى لا يظن السامع أن نطاق الرحمة واسع ولكنه ضعيف التأثير، ولذا تبعت كلمةُ الرحمن كلمةَ الرحيم الدالة على شدة الرحمة أينما وجد المرحوم، أما إذا عكس الوضع أي بسم الله الرحيم الرحمن، لظن السامع أول أمره أنه غير داخل في نطاق الرحمة وأن لله أفرادا خاصون اختصهم برحمته وليست الرحمة واسعة النطاق لأن كلمة الرحيم تعني الكثرة، وليس سعة الرحمة، فمثلا لو سماع أحد طلاب الصف الأول قول القائل: طلاب الصف الأول كلهم ناجحون، ونصفهم بتقدير ممتاز، خير من سماعه: طلاب الصف الأول نصفهم بتقدير ممتاز وكلهم ناجحون، فالتعبير الأول إجمال لحقيقة الموقف طمأنة للسامع ثم تفصيل، أي أن رب العالمين رحم السامع من سوء الظن بنفسه فبدأه بلفظ رحمن ليطمئنه أن نطاق الرحمة واسع، فسوف يكون مشمول فيها لاتساعها، ثم بادره بكلمة رحيم زيادة في الطمأنة بأنه سوف يرحمه مرة واثنين وثلاث وإلى ما شاء ربنا رب العالمين.
وننطلق إلى تعميم أكثر، فالعربية لغة العلم منذ أن خلقها الله، وليس أدل على أنها لغة العلم أكثر من أن بها ألفاظ تفرق بين معاملي القدرة، أقصد الاتساع والشدة، أي نطاق التأثير ودرجة التأثير، فتعجز لغة مثل الإنجليزية في هذا الصدد، فيلجأ أصحابها إلى القص واللصق والدمج والحذف لتخليق كلمات تتماشي مع المفاهيم العلمية المتجددة يومًا بعد الأخر، فمثلاً، لا يمكنّا أن نقول بالإنجليزية الرحمن الرحيم إلا أن نترجم كلمة الرحمن بكلمتي the wide-merciful أو كلمتي the all-merciful ونترجم كلمة الرحيم بكلمتي the ever- merciful.
أما أن يأخذ العرب هذا الأمر في الحسبان، وهو أن ثمة نوعين من الصفات واحدة تختص بالشدة والأخرى تختص بالسعة، فهو أمر مآله أن أعلم من كان على الأرض هو عاد إرم ذات العماد، وهي أول العرب قاطبة، وقدر بيّنا هذا في كتابنا السابق: فرعون ومن قبله، ثورة فكرية في حل ألغاز البشرية، هذا الأمر قد يدركه من يبحث في الفرق بين معاني صيغ المبالغة الشهيرة مثل فعّال وتوأمها فعيّل، الدال على شدة الحدث أي أن تكرار الحدث كثير، وصيغة فعول وتوأمها فعلان الدالة على اتساع نطاق الحدث، فنقول في العربية فلان عطشان أي ذا عطش واسع الأفق فقد يخيل لك لو أن أمامه نهر لشربه، لكن كلمة عطّاش أي أنه كثير العطش، أي نادرًا ما يكون ريان، بغض النظر عن درجة عطشه كل مرة، وكذا لو قلنا فلان أكول أي يأكل كثيرًا في المرة الواحدة، وليس من الضروري أن يكون مرات كثيرة في اليوم الواحد، أما صيغة أكّال (عاميتها أَكِيل) فهي تعني كثر مرات الأكل وليس بالضرورة أنه يأكل كثيرًا في كل مرة.
وقس على ذلك الفرق بين حسّاب وحاسوب، فالفرق بين هاتين الصيغتين تمامًا كالفرق بين رحمن ورحيم، وهو ذاته الفرق بين الشدة الأفقية (الاتساع) والشدة الرأسية (الحدة).
قد يتبادر إلى ذهن القارئ، أن ذلك الأمر يتطلب خبرة لغوية من المستمع، فكم من العرب الآن يدرك الفرق بين صيغة المبالغة فعول، وفعلان، الدالة على سعة نطاق التأثير، وصيغة المبالغة فعّال وفعيّل، الدالة على قوة درجة التأثير، فنقول أن صيغ المبالغة الدالة على السعة بها مد لغوي والمد هو استغراق الحرف الواحد لزمن أكثر من الزمن المعتاد له، فنقول للتوضيح: فعلان، وفعول، مما يوحي للسامع أن هذا المعنى ممدود أي ذا اتساع أكبر، أما صيغ المبالغة الدالة على شدة (كثرة) وقوع الحدث فهي تحتوي على تضعيف (تشديد) للحرف والتضعيف يقتضي أن يكرر الحرف أكثر من مرة في ذات الزمن اللازم لخروجه لو كان بمفرده فنقول للتوضيح فعيل وفعال تسغرق نفس زمن فعيْل وفعْال بدون تضعيف، مما يوحي للقارئ بأن المعنى يقع كثيرًا أكثر من المعتاد في ذات الزمن، أي أن ثمة تناسق بين المعنى واللفظ، فلا حاجة للسامع بان يكون خبير لغوي حتى يدرك الفرق.
والعربية بها مواضع كثيرة يتراكب ويتزامن فيها المعنى مع جرس اللفظ الموسيقي، فخذ مثلا قوله - تعالى -: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران 185]، تجد أن كلمة زحزح صعبة النطق واللفظ، وتوحي بالتردد والحيرة لاحتوائها على مقطع مكرر (زح) وكذلك الهروب من النار فالطريق إلى النار محفوف بالشهوات، ومن يترك الشهوات ليسير في طريق الجنة المحفوف بالمكاره يجد صعوبة في ذلك، بل إن القلب يتقلب بين هذه وتلك ذهابًا وإيابًا تمامًا مثل تردد مقطع زح في كلمة زحزح، وأيضًا تجد كلمة يسر أيسر وأسهل من نطق كلمة عسر، وكلمة اضطراب تجد أن ثمة اضطراب يحدث في فمك عند النطق بها لذا تضطر لأن تنطقها إطراب، بل إن كلمة أضطر هي الأخرى تجد فيها صعوبة في النطق بالضاد متبوعاً بالطاء فتضطر للنقط بها أطر.
وأنت عن المناداة لشخص يبعد عنك فتمد في صوتك لعله يصل إلى إذن من تنادي، أي أن زمن الحروف يأخذ أكثر من الزمن المعتاد ليتسع أفق (سعة) الصوت في التأثير.
خلاصة القول: أن اللغة العربية هي لغة العلم، وكثيرًا من أبناءها من يجهل ذلك.

اكتب تعليق

أحدث أقدم